لا صوت يعلو فى مصر وإثيوبيا على مياه النيل منذ إعلان أديس أبابا عن تحويل مجرى النيل الأزرق والشروع فى بناء سد النهضة، الذى يتخوف المصريون من تأثيره على حصة مصر من مياه النهر البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والذى يراه الإثيوبيون مشروعهم القومى الضرورى لتوليد الطاقة اللازمة لتحقيق التنمية فى بلادهم التى تعانى الفقر. فى ظل هذه الأجواء التى انخفضت حدتها بزيارة وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو لأديس أبابا التقت «الشروق» وزير المياه الإثيوبى، أتو أليمنهايو تيجنجو، وحاورته حول مخاطر سد النهضة على مصر ونتائج تقرير لجنة الخبراء الدوليين بخصوص السد وتوقيع إثيوبيا وتصديق برلمانها على اتفاقية «عنتيبى»، والخلافات القائمة بين الموقفين المصرى والإثيوبى حول إدارة مياه النيل، والتى كادت أن تتسبب فى أزمة سياسية بين البلدين.
تيجنجو تحدث بلغة هادئة، مؤكدا على: «لا يوجد خلاف جوهرى بين دول حوض النيل على المياه ولكن هناك نوعا من عدم الاتفاق حول بعض البنود المسيرة للعمل بين دول الحوض، وإذا تمسكنا بالمبادئ الأساسية للتعامل مثل عدم الضرر بأى دولة سنصل إلى اتفاق بحظى بثقة جميع دول الحوض».
ودعا الوزير لمزيد من التعاون ونبذ الخلاف بين دول الحوض. وحول خوف مصر من سد النهضة، قال: «كل شىء بسد النهضة مدورس تحت التحكم والسيطرة»، موضحا أن التقرير النهائى يتلخص فى 15 صفحة، وملحق به نحو 800 صفحة، ولفهم التقرير لا بد من دراسة هذا الكم من الأوراق بعناية شديدة، ولا يمكن الحكم عليه فى يومين، مضيفا أن التقرير النهائى للجنة الدولية انتهى إلى عدد من التوصيات والنتائج، وبالإشارة إلى الشروط المرجعية التى وقعتها مصر والسودان وإثيوبيا لإنشاء هذه اللجنة نجد أنها نصت على انه اذا ورد فى تقرير اللجنة أى أضرار ستنظر فيها الحكومة الإثيوبية.
يقول تيجنجو إنه لا يوجد أى مسئول من مصر تواصل معنا لاستيضاح هذه المخاطر أو مصدر القلق لهم، ولكن الإعلام المصرى وجه إلينا مزيدا من الاتهامات ولم يع أحد ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة المصرية مسبقا فى شروط عمل اللجنة.
وأضاف الوزير الإثيوبى أن الحكومة الإثيوبية يمكن أن تعيد النظر فى التوصيات الخاصة باللجنة الدولية والورادة فى التقرير،مؤكدا انه «بمجرد تسلمنا تقرير اللجنة النهائى اتخذنا العديد من الاجراءات اللازمة، وفتحنا باب النقاش بين الدول الثلاث حول هذا التقرير»، كما تمت دعوة وزراء المياه فى مصر والسودان وإثيوبيا للحوار حول قضية سد النهضة، وبحث ما رود فى التقرير النهائى للجنة الدولية.
وشدد وزير المياه الإثيوبى على أن «التقرير النهائى لم يذكر كلمة واحدة تجزم بأن سد النهضة سيكون له ضرر كامل على مصر، ولن يقول هذا أبدا، لأننا نتفهم عدم إمكانية الدخول فى مشروعات تتسبب فى الضرر لدول المصب، ونعتقد دائما فى سبيل التعاون لحل المشكلات».
يقول تيجنجو إن إثيوبيا لن تعدل فى مواصفات السد ولكننا سنعيد النظر فى سياسات وضمانات الأمان الخاصة به، موضحا أن العقد الموقع مع الشركة المنفذة ينص على اعادة اختبار الأمان إذا ظهرت أى مشاكل فنية عند الإنشاء.
وأكد وزير المياه الإثيوبى أنه إذا تم اثبات وجود أى أضرار ستكون من مسئولية الحكومة الإثيوبية والشركة المنفذة للسد (سالينى الإيطالية)، فإذا كان هناك أى مشكلة فينة سيكون هناك حتما حل فنيا لها، ونتحمل المسئولية ليس فقط تجاه إثيوبيا ولكن تجاه مصر أيضا. قائلا: «نحن دائما نرحب بدخول مصر والسودان كشركاء فى بناء السد».
وحول البنود الخلافية بين مصر وإثيوبيا بسبب اتفاقية عنتيبى وسد الألفية أكد أنها لن تكون محل خلاف، ولكنها قد تحمل فرصا قوية للتعاون لخدمة الشعبين المصرى والإثيوبى على حد سواء.
وأكد الوزير أن الوضع الراهن بين دول حوض النيل لا يعنى الخلاف بمعناه الحقيقى، ولكنه نوع من عدم الاتفاق الطبيعى حول قضايا محددة، مؤكدا أن الموقف الإثيوبى فى هذه القضايا يستند إلى نقاط أساسية هى تحقيق مبدأ المكسب المشترك للطرفين (win-win)، والاستخدام العادل والمنصف لجميع دول حوض النيل لمياه النهر، وإقناع باقى الدول بأن إثيوبيا لم تخطط لإلحاق الضرر بمصر أو السودان، فضلا عن تمسكها الكامل بالتعاون مع كل دول حوض النيل، وعلى رأسها دول المصب مصر والسودان الذى تشاركهما فرع النيل الشرقى الذى ينبع من الهضبة الإثيوبية.
وأوضح تينجو أن أى دولة تتمسك بهذه المبادئ ستكون إثيوبيا جاهزة لتبادل التعاون معها، لافتا إلى أن مصر إذا تمسكت بهذه المبادئ لن يكون هناك خلاف حول الاتفاقية الإطارية أو انشاء سد الألفية وستكون هناك فرصة كبيرة للتوافق على النقاط الخلافية.
«نحن أصدقاء لدول منابع النيل ولكننا أكثر من إخوة لمصر.. الشعب المصرى هم إخوة لنا.. ونحن نحترمهم ونحبهم ونقدرهم ولا نكن لهم أى سوء وهذا هو الموقف الإثيوبى». هكذا أكد تينجو على حسن العلاقات بين مصر وإثيوبيا ليس فقط فى مجال المياه ولكن فى مجال التجارة المتبادلة والعلاقات التاريخية والدينية بين البلدين.
يقول تينجو إن هناك برامج بين مصر والسودان وإثيوبيا لتجارة وتبادل الكهرباء بين دول النيل الشرقى، وتمت دراسة هذه المشروعات من خلال مبادرة حوض النيل من خلال برنامج للتكامل وعمل شبكة متصلة بين دول شرق أفريقيا، وفى حالة انتاج كمية أكبر من الكهرباء ستكون من نصيب دول الشرق الأوسط وشرق افريقيا وباقى دول حوض النيل.
يرى وزير المياه والطاقة الإثيوبى أنه لا يوجد أى خلاف جوهرى بين سد بوردر الذى درسته مبادرة حوض النيل وسد النهضة الذى تبنيه الحكومة الإثيوبية ولكننا فقط حاولنا مضاعفة الانتاج والامكانيات، لكن الدراسات الفنية واحدة والموقع واحد ولن يختلف عما درس من خلال المبادرة.
وأكد أن النيل لايزال يحمل فرصا استثنائية وفوق العادة لتحقيق التنمية لشعوبه، وعلى الرغم من ذلك لا يزال النهر الأقل استغلالا على مستوى العالم، وعلى دول حوض النيل أن تعمل على تحويل النزاع القائم إلى تعاون أكيد ومزيد من الفرص الحقيقية لاستغلال موارد النهر، من خلال محاولة بناء الثقة بين الشعوب والدول التى يمر بها النهر.
وقال تيجنيو إنه من الأهمية أن يعلم الجميع أن عددا كبيرا من دول حوض النيل استطاعت أن تحقق التعاون بينها منذ أن تم توقيع اتفاقية الإطار القانونى والمؤسسى لدول حوض النيل، وهى الخطوة الأولى لتحقيق الإدارة المستدامة والحكيمة لمياه النيل، مؤكدا أن مبادرة حوض انشئت بشكل مؤقت منذ عام 1999 لتحقيق هذا الهدف، كبرنامج استراتيجى لوضع رؤية مشتركة بين دول الحوض لتنفيذ برامج التعاون المشتركة.
وبالنيابة عن باقى دول حوض النيل جزم وزير الطاقة والمياه الإثيوبى أنه لا بديل عن التعاون بين دول حوض النيل، مع الالتزام بعدم إلحاق أى ضرر بين الدول المتشاطئة على الحوض، لافتا إلى أن المياه التى تجرى فى النهر لا تتأثر أو تقف عند الحدود السياسية الفاصلة بين الدول، لذلك لا بد أن نفكر فى إزالة الحدود عند وضع أى برامج التنمية للاستفادة من مياه النيل.
وأوضح الوزير الإثيوبى أن ادارة الموارد المائية وتنميتها والاستفادة منها هى أهمية استراتيجية يجب أن تضعها حكومات دول النيل فى اعتبارها، فى الوقت الذى تجاهد فيه هذه الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الطاقة وتحقيق الأمن الغذائى والمائى لشعوبها، فضلا عن ضرورة توفير هذه الاحتياجات للأجيال القادمة، وهو ما يدعو لتسويق أهمية التعاون والتمسك به بين دول منابع النيل ودول المصب.
وجزم بأن مبادرة حوض النيل استطاعت أن تحقق حصيلة مؤثرة من المشروعات المهمة بين دول الحوض، من خلال برامج النيل الشرقى، والبحيرات الاستوائية، والتى تكلفت 120 مليون دولار لدراسة مشروعات استثمارية قد يتكلف تنفيذها على أرض الواقع مليار دولار، وحشد الموارد لتنفيذ هذه المشروعات من أجل شعوبنا يمثل تحديا كبيرا، ويجب أن نكون يدا واحدة لنمر من هذا الوقت الحرج الذى يشهد أنواعا من الخلاف بين دول الحوض.
وطالب دول حوض النيل بإدراج مشروعات مبادرة حوض النيل فى الخطط السنوية والسياسية لحكومات دول النيل حتى تعطيها القوة والأولوية ومساندة عملية التنفيذ على أرض الواقع مثل ما وضعت إثيبيا دراسة السدود الكهرومائية الأربعة فى خططتها القومية.
وبانتهاء أعمال المجلس الوزراى الواحد والعشرين لوزراء المياه بدول حوض النيل، قال تيجنجو إن الاجتماعات ناقشت الخطة الجديدة لمباردة حوض النيل والميزانية المالية خلال العام القادم، كما رفع الجانب الإثيوبى مطالبه للوفد المصرى المشارك فى المؤتمر للنظر فى موقفهم من مكتب الانترو (النيل الشرقى).
وطالب تيجنجو الحكومة المصرية بالتصديق على اتفاق التعاون فى النيل الشرقى.
كانت مصر والسودان وإثيوبيا قد توصت إلى آلية مشتركة للتعاون الثنائى لاستكمال نشاط مكتب الإنترو فى نوفمبر 2012 وتم التوقيع على هذا الاتفاق بالأحرف الأولى من وزراء الرى بالدول الثلاث وتم تحويله إلى الحكومات للتصديق عليه وحينها وافقت وصدقت الحكومتين الإثيوبية والسودانية إلا أن الحكومة المصرية لا تزال تتحفظ على التصديق على هذه الآلية حتى الآن لأسباب قانونية.
وأكد تيجنجو أن تعليق هذه الآلية من جانب مصر يعطل الاستفادة من مشروعات الانترو، قائلا «لقد تحدثت أكثر من مرة مع وزير الرى المصرى لحل هذه الألية وتفعيلها ولكن لم أتلق أى رد بخصوص توقيع الحكومة المصرية وموافقتها عليها.
لكنه أكد أن عدم توقيع مصر لن يحدث أى مشكلة لإثيوبيا، حيث إن مكتب الإنترو (النيل الشرقى) لايزال يعمل ولديه المزيد من المشروعات والدراسات والأنشطة وهى مشروعات مهمة للغاية لمصر والسودان وإثيوبيا، ونحن نسعى لدعم الانترو لإنهاء هذه المشروعات.
وأكد تينجو أن مشروعات النيل الشرقى كلها تعمل لمصلحة الدول الثلاث الأعضاء فى مكتب الإنترو ولا يوجد أى ضرر ولكنه وسيلة جيدة لاستكمال التعاون، لذلك نحن فى انتظار الرد المصرى وتوقيع الحكومة على آلية التعاون، موضحا أنه بالفعل تم الاتفاق على النقاط الخاصة بالتعاون ووافق عليها وزير الرى المصرى ووقع بالفعل على الاتفاق بالأحرف الأولى لكن الموقف تغير عندما عاد إلى مصر.
وأبدى تيجنجو تحفظا من الموقف المصرى، قائلا «لقد انتظرنا ردا من مصر لفترة طويلة، ولم تأتينا ردود سوى طلب الانتظار لحين دراسة هذه الآلية من الناحية القانونية».
وطالب تينجو المسئولين المصريين التصديق على الاتفاقية فى أقرب وقت ممكن، قائلا «دعونا نستكمل المسيرة للعمل تحت مظلة الانترو ومبادرة حوض النيل لأنه سيكون الأفضل لمصر والسودان وإثيوبيا».