قال رئيس لجنة الرى بحزب الحرية والعدالة، ومدير معهد بحوث المياه، الدكتور أكرم الجنزورى، إن حزبه أعد تصورا كاملا حول التعامل مع ملف مياه النيل، وأزمة سد النهضة، قبل 5 أشهر من الخطوة الإثيوبية لتغيير مجرى النيل الأزرق، موضحا أن الحزب طالب الرئاسة بإصدار تصريح شديد اللهجة ضد إثيوبيا وقتها، لوقف أعمال البناء، إلا أن رئيس الوزراء هشام قنديل، ووزير الرى محمد بهاء الدين، اعترضا بحجة عدم تعقيد المفاوضات. • كيف تعاملت لجنة الرى بحزب الحرية والعدالة مع الخطوة الإثيوبية لتغيير مجرى النيل الأزرق والبدء فى بناء سد النهضة؟ أعدت اللجنة تصورا كاملا للتعامل مع الأزمة منذ 5 أشهر، وقمنا برفعه إلى الجهات المختصة، ويقوم هذا التصور على أن ملف النيل يدار بطريقة خاطئة منذ فترة طويلة، ولا يلقى العناية والاهتمام الكافيين من الدولة، واقترحنا إنشاء مفوضية أو هيئة عليا لإدارة ملف النيل، تحت رئاسة نائب رئيس الوزراء، ويضم داخله كل المتخصصين من الجهات المعنية، بحيث تكون وزارة الرى ممثلة للبعد الفنى، والخارجية والتعاون الدولى للبعدين الدبلوماسى والاقتصادى، والمخابرات للبعد الأمنى، بالإضافة إلى ممثل للمجتمع المدنى.
• هل يعنى ذلك أن المسئولين عن إدارة ملف النيل لا يعون جيدا ماذا يريدون أو يفعلون؟ الجميع كذلك، وعلى سبيل المثال، الذين ذهبوا فى وفود شعبية إلى إثيوبيا، نظموا مؤتمرا صحفيا فى الأسبوع الماضى، وذهبوا وهم لا يعلمون ماذا سيفعلون وماذا يريدون، ولم يكن أى منهم يعلم ما هى الرسالة التى يريدون إيصالها.
وهنا أوضح أن حزب الحرية والعدالة اقترح أسلوب مشاركة كاملة مع أثيوبيا، يتم خلاله مخاطبة الشعب الإثيوبى بأننا سنكون شركاء، ونتعاون معهم فى البناء، ونساعدهم فى التمويل، لكن بشرط أن تكون مصر شريكا فى التنفيذ والإدارة.
• هل طرحت مصر الشراكة فى إدارة سد النهضة على إثيوبيا؟ ما حدث أن إثيوبيا فاجأتنا جميعا عقب الثورة، بكلام مغاير تماما لما كانت تقوله فى السابق، ففى البداية قالت إن السد سيكون صغير السعة، لن تتجاوز 4 مليارات متر مكعب من المياه، ثم قالت 10 مليارات متر مكعب، وبعدها قالت إنه سد حدودى يستوعب 14 مليار متر مكعب فقط، وهو ما كنا نرفضه بشدة وقتها.
وفى أبريل 2011 أعلنت إثيوبيا أن السد لن يكون حدوديا صغيرا، وأن سعته ستصل إلى 74 مليار متر مكعب، وكانت وجهة النظر فى وزارة الرى والموارد المائية، أن تدخل فى مفاوضات مكثفة بحضور أطراف خارجية، وهذا ما وصل فى النهاية إلى تشكيل اللجنة الثلاثية التى تضم ممثلين اثنين عن كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بالإضافة إلى 4 خبراء دوليين.
واضطرت مصر إلى المشاركة فى اللجنة، لأنها لم يكن لديها معلومات أو وثائق حول السد، فكان الهدف الأساسى لدينا هو تجميع الأوراق والمستندات والمعلومات التى نستطيع على أساسها اتخاذ قرار، لأن كل ما كان يصدر من الجانب الإثيوبى مجرد تصريحات، ونحن كنا فى حاجة إلى رسومات توضح الأسس الإنشائية للسد، حتى نستخدمها كمستندات إذا توجهنا لتقديم شكاوى للجهات الدولية.
• ما هى الجهات المسئولة عن إمداد الجهات الفنية المصرية بالوثائق والمعلومات حول السد؟ الدور الرئيسى فى إمدادنا بالمعلومات يجب أن يأتى من الأطراف الموجودة على الأرض، وهنا يظهر دور السفارة المصرية فى إثيوبيا، وأجهزة المخابرات التى لا أعرف شكل تواجدها هناك، سواء كسفارة أو من خلال شركات عاملة هناك، فالسفارة والمخابرات هما أكبر جهتين موجودتين على الأرض هناك، ومن حقهما أن يطلبا تفسيرات وإيضاحات ومعلومات، مادام الأمر يمس أمننا القومى، خصوصا أن هناك اتفاقات وأعرافا تحكم شراكاتنا فى الموارد الطبيعية، وأنا لست من هواة إلقاء الاتهامات، لكنى أبرز النقد بهدف التوضيح وليس إبعاد المسئولية، لكن كنا ننتظر منتجا من الزملاء المسئولين عن المعلومات، إلا أنه لم يكن هناك منتج كاف.
• وزير الرى أعلن أن السد لن يضر مصر؟! أعتبر أن أغلب التصريحات التى دارت أثناء وجود الرئيس محمد مرسى فى إثيوبيا غير طبيعية، لأنها جاءت فى وقت الصدمة، ولا يجب أن نعول عليها لأنها كانت مضحكة، ولا ترقى إلى أدنى مستوى من المعلومات المتوافرة، وهى وليدة التسرع لأن المسئول وجد نفسه فى أزمة، ويجب أن يصرح، فتسرع بإصدار تصريحات دون أن يفكر فيها أو يراجع معلوماته.
• هل كان الرئيس يعلم بخطوة تغيير مجرى النيل الأزرق عند توجهه لحضور الاحتفالية بتأسيس الاتحاد الإفريقى فى إثيوبيا، وقبل الإعلان عنها؟ لا لم يكن على علم بها، وإذا كان هناك من يعلم بهذه الخطوة ولم يبلغ الرئيس بها، فإنه سعى بذلك لتوريطه، لكننا كنا نرى أن تدرج الخطوات التى تمضى فيها إثيوبيا سيوصل إلى خطوة تغيير المجرى، بمعنى وجود معدات وعمال فى موقع بناء السد، وكنا نتوقع حدوث تلك الخطوة، دون أن نعلم موعدها تحديدا، ولم يكن أحد لديه معلومة بهذا الشأن، لذلك طلبنا منذ خمسة أشهر بأن يصدر رئيس الجمهورية تصريحا، يطالب فيه السلطات الإثيوبية بوقف عمليات البناء فورا، لحين انتهاء اللجنة الثلاثية من تقريرها.
• لماذا لم تستجب الرئاسة للطلب المقدم من الحزب رغم أن القنوات مفتوحة بين الجانبين؟ أنا أعذر الرئيس، لأن الطلب جاء من جهة حزبية وهو لديه رئيس وزراء كان وزيرا سابقا للرى، بالإضافة إلى وجود وزير رى مختص بهذا الشأن، وكذلك أعضاء اللجنة الثلاثية، وللأسف علمت أنهم جميعا طلبوا من الرئيس عدم إصدار هذا التصريح، حتى لا تتعقد المفاوضات، ونضعف موقف اللجنة الثلاثية، وأنا أظن أن كل من شارك فى ملف النيل فى الماضى، ولم يبل بلاء حسنا، عليه أن يصمت الآن.
• هل تمتلك لجنة الرى فى الحزب تصورا للخروج من الأزمة الحالية؟ بالفعل لدينا تصور، لكن الجزء المؤسسى فيه يستغرق بعض الوقت، وهو متروك لمؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والجهات التنفيذية الأخرى لترى الأسلوب الأمثل لتحقيقه، أما الجزء الأهم فى الحل، فهو اتخاذ قرارات سريعة للضغط على إثيوبيا لوقف الأعمال والإنشاءات بأى شكل، ويجب عدم الموافقة على أى حل غير ذلك، لأن تقرير اللجنة الثلاثية يقول إن هناك الكثير من الدراسات اللازمة لبناء السد ناقصة، ولحين إتمام هذه الدراسات، يجب أن نكون مشاركين لهم فى الإنشاء والتمويل والإدارة.
• ما هى الوسائل التى تملكها مصر للضغط على إثيوبيا لوقف علميات إنشاء السد؟ تمتلك مصر دبلوماسية لا حدود لها، والقوانين الدولية لا حدود لها، ومن العجيب أنه لم يتم التوجه بشكوى لأية جهة دولية حتى الآن، فنحن بذلك نهدر حقوقنا بأيدينا، فهناك أمور لا تكون الحكمة الزائدة مطلوبة فيها.
ونحن اقترحنا ألا تربط مصر نفسها باتفاقيات تضم دول حوض النيل ال10 مجتمعة، لكن يمكننا الدخول فى اتفاقيات ثنائية مع كل دولة على حدة، وعلى سبيل المثال، فإن 85% من مياه النيل القادمة لمصر مصدرها من إثيوبيا مرورا بالسودان، وال15% الأخرى تأتى من 7 دول أخرى، فما الذى يدفعنى لأن أتحدث مع الدول السبع فى النسبة القادمة من إثيوبيا.
وفى المقابل نحن بحاجة للدخول فى اتفاقيات مع الدول السبع لعلاج مشكلة فواقد مياه النيل التى تحدث فى جنوب السودان، ومستنقعات مشار، وبحر الغزال، وقناة جونجلى، فلماذا إذا تحضر إثيوبيا فى هذه الاتفاقية، فنحن يجب ألا نندفع وراء اتفاقية تضم الدول العشر، لأنهم غير معترفين بالاتفاقيات القديمة.
• ما تقييم الحزب للمشروعات الفنية الأخرى المطروحة للتنفيذ فى دول حوض النيل، ومن بينها مشروع نهر الكونغو؟ الحزب لديه تحفظات على مشروع نهر الكونغو، ولسنا متحمسين له، لأننا ندرك أنه ليست له جدوى، فالحسابات الأولية أثبتت أن تحلية مياه البحر أرخص من أن نأتى بمياه من نهر الكونغو، لكن نحن لنا رؤية وتصور فى المنح التى تعطيها مصر لدول أفريقية، بأن يتم إنفاقها وفقا للأسلوب الدولى المتعارف عليه، فهناك صندوق التعاون الأفريقى، الذى تمثل فيه وزارة الخارجية مصر، فما يحدث على سبيل المثال، أن دولة مثل تنزانيا تحتاج إلى أموال لتحفر آبارا، فنحن نعطيها المبالغ التى تطلبها، ثم تأتى الحكومة التنزانية لتدعى أمام شعبها أنها قامت بهذه الإنجازات، وعندما يحضر الوزير المصرى المختص افتتاح تلك المشروعات، يطلبون منه ألا يذكر أن مصر هى الممول، لكن الدول الأخرى تتبع منهجا أكثر جدوى، وهو أنه ترى احتياجات الدول، وتأتى لها بالشركات التى تنفذها، ولا تعطيها الأموال مباشرة، وهى تكون على سبيل القرض، لكن دون فوائد أو بفوائد طويلة الأجل، فالقرض يظل دائما وسيلة ضغط على تلك الدول، وشددنا فى حزب الحرية والعدالة على ضرورة انتهاج هذا الأسلوب.
•هل تعتقد أن حل أزمة سد النهضة مازال ممكنا أم أننا وصلنا إلى طريق مسدود؟ يجب أن نعترف بأننا تأخرنا كثيرا، لكن الطريق غير مسدود، بشرط أن يتكاتف الجميع، وعلينا أن نعرف أن التاريخ لن يرحمنا إذا فرطنا فى قطرة مياه واحدة، وما أحزننى أننى طلبت من أصدقاء لى فى جبهة الإنقاذ تقديم ما لديهم من مقترحات للخروج من الأزمة، فقالوا إنهم لن يخرجوها حتى لا ننسبها لأنفسنا، فقلت لهم أخرجوها أنتم باسم الجبهة لتستفيد منها البلاد، فردوا بأنهم لا يريدون أن يفيدوا النظام الحالى.
• ما هو حجم العجز المتوقع فى حصة مصر من مياه النيل بسبب سد النهضة؟ حتى نحدد العجز، لا بد أن نعلم بعدد السنوات التى سيتم خلالها ملء بحيرة السد، وقواعد التشغيل، وأن يكون لدينا دراسة بمستوى الفيضانات خلال 10سنوات مقبلة، لكن متوسط الكمية من خلال دراستنا سيصل إلى نحو 11 مليار متر مكعب، فنحن أمام عجز يتراوح بين 18 و20% من حجم حصتنا من المياه خلال سنوات امتلاء البحيرة.
وأؤكد أننا إذا وصلنا لمرحلة أن يتم بناء هذا السد، لا بد أن تكون مصر شريكة فى البناء والتشغيل، ويجب أن نقلل من سعة تخزين السد لأن حجم الكهرباء التى يقول الطرف الإثيوبى أنه فى حاجة إليها لها يمكن توفيرها من خلال بناء سدين صغيرين بسعة تتراوح بين 4 و5 مليارات متر مكعب، وينتج ما يشاء من كهرباء.