ذكر تقرير صادر عن مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، يؤمن على مدار النصف قرن الماضي، بأنه حالمًا يحصل على الأغلبية في الانتخابات، يكون له الحق في امتلاك القرار بشكل كامل في بلده، وتجاهل كافة الرؤى المعارضة، بل ويتبنى خطابًا متغطرسًاً لإسكاتها. وحسب التقرير، جاء رد فعل أردوغان على المظاهرات ضده، قائلا:"حيث يستطيعون حشد مائة ألف.. أستطيع حشد مليون".
تَمثل النزاع الأخير حول ميدان «تقسيم» بإسطنبول، الذي أثار المتظاهرون، في أن أردوغان أراد أن يُعيد بناء الميدان وفقًا لرؤيته، لذا فإن بلدية إسطنبول التي يسيطر عليها حزبه بدأت في المشروع، والذي يتضمن تحويل حديقة «جيزي» التي تحتوي على نموذج لثكنات الجيش العثماني إلى مول تجاري.
انقذوا «تقسيم»..
وذكر التقرير، أنه عندما أراد عدد كبير من المقيمين في تقسيم الحفاظ على حديقتهم كما هي، وبعضهم توجه إلى المجتمع المدني لإيصال أصواتهم للمسئولين، رئيس الوزراء لم يُرد أن يسمع، وعلى العكس فإنهم عندما أطلقوا حملة «انقذوا تقسيم» الأسبوع الماضي، حاملة روح حملات «انقذوا..»، التي انتشرت في الدول الغربية، كانت استجابة أردوغان بطريقة غير ديمقراطية، وذلك بهجوم الشرطة على المتظاهرين السلميين بقنابل الغاز المسيلة للدموع، ورشاشات المياه.
أحد المتظاهرين على الجزيرة: فقط نريد من أردوغان أن يسمعنا
وأكدت المجلة ، عبر تقريرها أنه عندما انتشرت أنباء الحملة الأمنية سريعًا على تويتر، احتشد الآلاف بميدان تقسيم، لمساندة طليعة المتظاهرين، عنف الشرطة لم يكن إلا وقودًا على النار، ففي بضع ساعات تضاعفت الحشود إلى عشرات الآلاف، انطلقت معهم حشود أخرى في جميع أنحاء تركيا؛ أحد المتظاهرين ظهر على شاشة «الجزيرة» يلخص مطلبه الأساسي في: "فقط نريد من أردوغان أن يسمعنا".
أردوغان: المتظاهرون مجموعة لصوص موجهة من عناصر خارجية!
وصف أردوغان المتظاهرين ب«اللصوص»، والذين يعملون بتوجيه من عناصر خارجية، واصفًا موقع «تويتر» بأنه يهدد المجتمع بما ينشره من أكاذيب.. (كانت هناك بالفعل بعض التغريدات الكاذبة عن وحشية الشرطة التي استفزت المتظاهرين، ولكن سرعان ما تبين كذب هذه التغريدات عبر موقع تويتر نفسه).
معارضي أردوغان الأيديولوجيين
جدير بالملاحظة، أنه ليست كل المجموعات التي جابت شوارع تركيا كانت على غرار مجموعة «انقذوا تقسيم»، أردوغان لديه أعداء في جميع مناحي الحياة، يشملون «القوميون المتطرفون» الذين يكرهونه لمنحه المزيد من الحقوق للأكراد، ولعقده اتفاقية سلام تاريخية مع الحركات الانفصالية الكردية المسلحة؛ بينما بعض المجموعات اليسارية تكرهه، لأنه جعل تركيا أكثر «رأسمالية»، ولأنه يعادي نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبروه بطل معاداة الإمبريالية؛ وبعض المتظاهرين تورطوا في أعمال تخريب في اليوم الثاني للمظاهرات، من بينها حرق المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان.
ولكن تبقى الغالبية العظمى من المتظاهرين «سلمية»، ومطلبها الأساسي هو المزيد من الحريات، والمشاركة الديمقراطية، وتوقف الحكومة عن السيطرة على الإعلام، وأن تكبح جماح الشرطة، وأن تتبنى سياسة توافق وطني مع المعارضة حول القضايا السياسية.
أردوغان لم يحول تركيا إلى إمارة إسلامية
التوتر بين الاتجاه المحافظ الذي ينتمي إليه أردوغان والجزء الأكثر علمانية من المجتمع التركي كان أيضًا أحد عناصر الأزمة، أردوغان لم يحول تركيا إلى إمارة إسلامية، وهو لن يطبق الشريعة والقانون الإسلامي، ولكنه يؤكد على قيمه ورموزه الدينية طوال الوقت، ومؤخرًا دفع بقانون يضع قيودًا جديدة على تداول الخمور.
الرئيس التركي «عبد الله غول»: الانتخابات ليست هي كل شيء
من جهة أخرى، كان الرئيس التركي عبد الله جول، أكثر وسطية وتحررًا، وأقر بأن الانتخابات ليست هي كل شيء، وأن رسالة المتظاهرين قد وصلت.
إلى أين ستتجه تركيا؟
السؤال الأساسي هو: «إلى أين ستتجه تركيا بعد هذه الأحداث؟»، ليس هناك سبب للاعتقاد بأن أردوغان خسر الكثير من الأصوات الانتخابية في مواجهة المتظاهرين، البعض يؤكد أن قاعدته الانتخابية لم تتأثر، ولكن عليه هو وحزبه أن يروا أن الانتخابات ليست وحدها الأمر الهام، ففي العديد من الخطابات التي ألقاها بعد اندلاع الاحتجاجات، ظل أردوغان متغطرسًا، على الرغم من اعترافه بأخطاء في سلوك الشرطة مع المتظاهرين.
السيناريو المتفائل يرى أن هذه الاحتجاجات ستكون نقطة تحول، وستتسبب في تشكيل ديمقراطية أكثر نضجاً في تركيا، وأردوغان وحلفاؤه السياسيين سيكبحون غطرستهم، وسيسعون للمزيد من التوافق بدلا من التحدي وفرض الرأي.
البديل الآخر هو أن يميل أردوغان إلى مؤيديه المتشددين، ويحول تركيا إلى ديمقراطية غير ليبرالية بالكامل، ويضعها على طريق الاحتجاجات والمظاهرات المتتالية، وللأسف فإن هذا قد يؤدي إلى هدم قصة نجاح أردوغان التي صاغها بيديه طيلة العقد الماضي.