منذ 34 عاما، هي عمر الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعلاقات بين القاهرةوطهران متدهورة لعدة أسباب، لعل أبرزها توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل في نفس عام اندلاع هذه الثورة. ورغم أن تلك العلاقات شهدت غزلا مصريا لعدة سنوات، إلا أن الجفاء، وأحيانا كثرة العداء، ظلا هما سيد الموقف؛ لذا كان لحوار وفد يضم 23 صحفيا مصريا مع رئيس بعثة رعاية المصالح المصرية في طهران، السفير خالد عمارة، أهمية كبيرة، حيث جاء كاشفا للكثير داخل المجتمع والنظام الإيراني وكذلك في منطقة الشرق الأوسط.السفير المصري في طهران.
• «الشروق».. في البداية كيف كان شعورك حين تم اختيارك للعمل في طهران؟ كان الأمر مفاجئا، إذ لم تكن إيران ضمن الحركة الدبلوماسية، وفجأة جري اختياري للعمل فيها. حينها منحني المسئولون فرصة للتفكير، لكني لم أتردد في القبول، وكثيرون قالوا لي: ربنا يكون في عونك. وقد وصلت إلي طهران في أكتوبر 2012، أي قبل ثمانية شهور، وأينما تحركت في الشارع الإيراني وجدت شغفا كبيرا بمصر، لاسيما أن الشعب الإيراني معجب للغاية بما حدث في الثورة المصرية.
• «الشروق»: لكنهم يعتبرونها ضمن نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية؟ نعم.. لكن العكس هو الصحيح فقد قدمت الثورة المصرية نموذجا خاصا، باعتبارها ثورة سلمية بيضاء لم تستخدم العنف ضد خصومها. وهي ليست صحوة إسلامية كما يروج إعلام السلطة في طهران، بل ثورة وطنية شارك فيها كل أطياف المجتمع المصري، ولا علاقة لها بدين دون آخر، وهذا ما أحرص علي توضيحه لكل من ألتقيه من المسئولين الإيرانيين، وعلي رأسهم الرئيس محمود أحمدي نجاد. النموذج الإيراني نموذج متطور يمكن الاستعانة به في كافة جوانبه.. لكن يمكننا بالثورة المصرية أن نخرج بنموذج خاص بنا.
• ماذا يمكننا أن نستفيد من إيران؟ هناك تجارب كثيرة يجب أن نستفيد منها في مجال التجارة والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر وتمكين المرأة، فالمرأة موجودة، ولها دور كبير، في كافة مناحي العمل، وهذا جزء من نجاح التجربة الإيرانية. فمثلا في حديقة فردوس توجد 140 شركة تعمل في مجال البحث والتطوير، و55٪ ممن يعملون في هذه الشركات من النساء. في المقابل، ما زال وجود المرأة شكليا في مجالات العمل بمصر، بل وهناك تيارات مصرية تتربص بالمرأة وتريد إعادة المجتمع إلي الماضي.
• ما هي رؤيتك للعلاقة بين واشنطنوطهران؟ العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية علي أحسن مستوي، وهذا يجب أن ننتبه له، صحيح أنه لا توجد علاقات سياسية بين البلدين، لكن مثلا يوجد سنويا 200 طالب إيراني يدرسون لدرجة الدكتوراه في الولاياتالمتحدة، وبعضهم بمنح حكومية أمريكية، وذلك رغم أن النظام الإيراني يعتبر أمريكا هي الشيطان الأكبر.
•هل تسعون إلي استثمار المجال الثقافي في التقريب بين البلدين؟ بالفعل فهذا أحد مجالات إعادة إطلاق العلاقات مع الشعب الإيراني، وقد شجعنا الإيرانيين علي الذهاب إلي معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهم مهتمون بالحصول علي الكتاب المصري والتعاون في مجال النشر.
• وماذا عن التعاون السياحي؟ في أبريل وصل إلي مصر 48 إيرانيا وقبل أيام بدأ وفد من 133 إيرانيا زيارتهم لمصر، ونحن في مرحلة تجريبية تستهدف استقبال عشرة آلاف سائح إيراني، لتحديد متطلبات السائح الإيراني، مثل مدة الزيارة التي يريدها. وقريبا سنبدأ حملة دعائية لتسويق مصر سياحيا. وهناك وفود تجارية مصرية تزور طهران، وقبل ثلاثة أسابيع كان هنا رئيس شركة «دهب»، وأجري العديد من المقابلات.
• وهل تعتقد أن المسار السياحي سيستمر رغم التخويف في مصر من مد شيعي؟ ما تردد ذلك هي جماعات لديها مصالح خاصة. نحن نستقبل سياحا إسرائيليين، فلماذا لا نستقبل سياحا إيرانيين؟!. هناك دول عربية وإقليمية ستتضرر من تدفق السياح الإيرانيين علي مصر بعد أن كانوا يزورونها وينتقون الكثير من الأموال علي أراضيها، فهذه الدول تخشي أن نسحب البساط من تحت أقدامها. هذه الدول لا تريد للاقتصاد المصري أن يتقدم؛ لكي نظل دوما في حاجة إليها.
• لكن هناك أيضا رفضا خارج مصر لعودة العلاقات بين القاهرةوطهران؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل فقط هما اللذان لا يقيمان علاقات مع إيران، فلماذا لا نقيم معها علاقات، ونستفيد من التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي لصالح الشعب المصري؟!.
• يتردد حديث عن وجود وفد مصري يتفاوض في طهران لتزويدنا بالغاز الطبيعي لتشغيل محطات توليد الكهرباء؟ ليس لدي معلومات عن ذلك، فبعض الأمور لا تمر علينا.
• تقولون إنكم نجحتم في فتح العديد من مجالات التعاون مع الإيرانيين.. فكيف ذلك والكثير من المسئولين الإيرانيين يشكون من عدم منحهم تأشيرة لزيارة مصر؟ للأسف هم دائما أناس يشكون من ذلك علي غير حق، حيث لم يتقدموا أصلا بطلب للحصول علي تأشيرة، والعديد منهم زار مصر مؤخرا. لكن إيران و40 دولة أخري يتوجب علي مواطنيها الراغبين في زيارة مصر الحصول علي موافقة أمنية مسبقة من السلطات المصرية.
•وماذا عن موقف كل من مصر وإيران من سوريا؟ لا نريد أن تذهب سوريا إلي الفراغ والتقسيم وتتحول إلي صومال ثان، لكن هذه المرة وسط المنطقة العربية، والإيرانيون يتفقون معنا في ذلك، لكن في الوقت نفسه نحن كشعب ثار علي حاكمه لا نستسيغ بقاء حاكم مثل بشار الأسد يقتل شعبه، وهذه نقطة اختلاف مع الإيرانيين حول مصير الأسد، .
• لكن ألا تعتقد أن الإيرانيين إقليميا باتوا أكثر تأثيرا منا؟ ما زلنا في مخاض الثورة، وأمامنا وقت لتحديد طريقنا إلي المستقبل، أما الإيرانيون فيتمتعون برؤية واضحة؛ لأنهم أقاموا مؤسسات قبل 34 عاما لم تستقر تماما إلا في السنوات العشرة أو الخمسة عشرة الأخيرة، وعندها بدأ الدور الإيراني في البروز خارجيا.. لقد حصدت الاغتيالات السياسية أرواح 17 ألف إيراني بعد الثورة، ولثلاث سنوات لم تكن هنا شرطة، وكان هنا خوف من ارتداء زي الشرطة، ولهذا أسسوا الحرس الثوري.
•وهل نستطع مجاراة الدور الإيراني المتضخم؟ الدور الإيراني لم يتضخم كما يعتقد البعض، بل وجد الإيرانيون مساحة شاغرة فعملوا فيها. وعلينا أن نستيعد الثقة في أنفسنا. فقط ما ينقصنا هو الاتفاق داخل مصر علي رؤية محددة لدرونا المقبل، ليتسني لنا أداء مهمتنا الدبلوماسية علي أكمل وجه.
• كيف وصلنا إلي هذه المرحلة من التدهور في السياسة الخارجية؟ غياب مصر عن لعب دورها في السنوات الماضية أثر سلبا علي منطقة الشرق الأوسط. وقبل ثورة 25 يناير 2011 أخضع (الرئيس السابق حسني) مبارك الملف الإيراني لمسألة التوريث، حيث استخدمه كورقة لعب مع الغرب، ولاسيما واشنطن، لتمرير التوريث (إلي نجله جمال). فمثلا خلال رئاسة جورج بوش الابن لم يذهب مبارك إلي واشنطن طيلة سبع سنوات، فاتخذ خلالها إجراءات غير مسبوقة للتقارب مع طهران نكاية في الأمريكان، ومنها تدفق العديد من المسئولين علي القاهرة، وبعد فترة جري تجميد كل شىء.
• ما خريطة الجالية المصرية في إيران؟ المعلوم لدي السفارة هو وجود حوالي مائة مصري، وربما يكون هنا نحو خمسين آخرين، وبعضهم لم يسجل نفسه في السفارة. معظمهم يعملون في شركات متعددة الجنسيات، وبينهم عدد كبير من كبار المديرين، وشركات إقليمية ممثلة في إيران، فضلا عن طلاب يدرسون لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه، وآخرون يدرسون الهندسة والطب في الجامعات.
•أخيرا.. يتردد أن ملف العلاقات مع إيران بحوزة عصام الحداد مساعد الرئيس.. ما يعني أن وزارة الخارجية باتت برأسين؟ البعثة المصرية في طهران هي بعثة وزارة الخارجية المصرية ولا يمكن لأي مؤسسة أن تتجاوز ذلك. لكن هذه مهمة لا يستطيع فرد واحد القيام بها، ولا يعني ذلك أن أحدا أخذ الملف من أحد. وكل شىء يصب عند الرئيس، فهو بحاجة للحصول علي رؤي مختلفة من مؤسسات مختلفة تنسق دائما فيما بينها. وكل وفد، وبينهم وفد الدكتور عصام الحداد، ينسق معنا مسبقا قبل زيارة طهران، ولقد رتبنا له لقاءات لم تكن علي جدول أعماله. ويجب أن ننتبه إلي أنه حتي في إيران يوجد مبعوث للرئيس. للأسف النظام السابق ترك أمننا القومي في أيدي مسئولين خربوا الأمور، وقد تحركنا بعد لحظات من الثورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فمن يتصور مثلا أن نوافق علي تقسيم السودان إلي شمال وجنوب، رغم أضراره الكبيرة علي مصالحنا؟!.