حصلت »الشروق» على تفاصيل أولى محاولات السلطة الحالية، لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء سلطة الجمعية العمومية للمحكمة في انتخاب رئيس المحكمة واختيار الأعضاء الجدد بها. وتعديل النصوص الجديدة التي وضعتها المحكمة الدستورية في قانونها يوم 18 يونيو 2011، والتي اعتبرت تعديلات ثورية تمنع رئيس الجمهورية من التدخل في شئون المحكمة.
ووفقاً لمصادر حكومية وقانونية، فإن القصة بدأت بعد نحو شهر من إقرار الدستور الجديد، عندما أصدر رئيس الوزراء، هشام قنديل، قرارًا بتشكيل لجنة عليا لشئون التشريع بمجلس الوزراء، برئاسته، وعضوية الوزراء المختصين، ومنهم وزير العدل السابق المستشار أحمد مكي، وعدد من الشخصيات القضائية والقانونية الشهيرة، من بينهم رؤساء سابقين للهيئات القضائية، وممثلين للأزهر والكنيسة، وممثل لرئاسة الجمهورية هو المستشار محمد فؤاد جاد الله.
المقترح تزامن مع بدء ترويج خفض السن.. والقضاة تعجبوا من اعتبار التعديل «أمراً ملحاً» وفي الاجتماع الأول للجنة، تم توزيع قائمة بالقوانين المطلوب تعديلها، باعتبارها تمثل القوانين الملحة التي تحتل أولوية على جدول أعمال اللجنة، وكانت قوانين الهيئات القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا، تحتل المرتبة الرابعة في هذه القائمة، الأمر الذي أثار تساؤلات وانتقادات جميع القضاة الحاضرين ضمن أعضاء اللجنة، وطالبوا بتعديل قوانين أخرى أكثر إلحاحًا بالنسبة للمجتمع، أو طرأت بشأنها تغييرات أكبر ويتطلب الدستور تعديلها، مثل التشريعات الجنائية والاقتصادية والإعلامية.
تم تشكيل لجان فرعية منبثقة من اللجنة العليا، ومنها لجنة تشريعات التقاضي وشئون العدالة برئاسة المستشار يحيى دكروري، وعضوية المستشارين إدوارد غالب سيفين ومنصب نجيب سليمان، نائبي رئيس مجلس الدولة سابقاً، وعمر مروان، مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقاري، ومحمد فؤاد جاد الله ومحمد عبد السلام، نائبي رئيس مجلس الدولة، وفتحي فكري، وزير القوى العاملة الأسبق ورئيس قسم القانون العام بحقوق القاهرة، وتمت الاستعانة فيما بعد بالمستشارين صدقي خلوصي، رئيس هيئة قضايا الدولة، وعلي عوض صالح، نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقاً.
وطُرح على اللجنة وبشكل عاجل، في مارس الماضي، مناقشة قانون المحكمة الدستورية والتعديلات التي من الممكن إدخالها عليه، خاصة فيما يخص طريقة اختيار الأعضاء الجدد للمحكمة وانتخاب رئيسها، بالتزامن مع بداية الأحاديث الهامسة في كواليس الحكومة عن قرب التقدم بمشاريع في مجلس الشورى لخفض سن تقاعد القضاة، الأمر الذي كان سيؤدي حتماً إلى إحداث فراغ في تشكيل المحكمة الدستورية، وهو ما كانت «الشروق» قد انفردت بنشره يوم 2 أبريل الماضي، قبل التقدم بالمشاريع رسمياً بنحو أسبوعين.
وبحسب مصادر قضائية، فإن الأرجح آنذاك، كان أن يتم تقديم مشروع لخفض السن إلى 65 عامًا، ليتقاعد المستشارون ماهر البحيري، وعدلي منصور، وأنور العاصي، ومحمد الشناوي، وماهر سامي، وأخيراً المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، ويتبقى 5 أعضاء فقط، هم المستشارون حنفي جبالي (64)، السيد حشيش (64)، خيري طه (61)، سعيد مرعي (59)، وعادل عمر شريف (56 عاماً)، بينما خفض السن إلى الستين يبقي المستشارين مرعي وشريف فقط.
وكان هناك رأيان يتنازعان اللجنة، الأول مطروح من قبل الأغلبية، وهو إبقاء النصوص المنظمة لاختيار الأعضاء الجدد وانتخاب الرئيس كما تم إقرارها بعد الثورة، باعتبارها تحقق استقلالاً للمحكمة، حرمت منه بشكل كبير خلال عهد النظام السابق.
فالمادتان محل الجدل في قانون المحكمة هما الرابعة والخامسة؛ الرابعة لم يتم تعديلها بعد الثورة، وهي تنص على أن: «يشترط فمين يعين نائباً لرئيس المحكمة أن تتوافر فيه الشروط العامة اللازمة لتولى القضاء طبقاً لأحكام قانون السلطة القضائية، وألا يقل سنه عن خمس وأربعين سنة ميلادية، ويكون اختياره من بين الفئات الآتية: أعضاء هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا، أعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين ممن أمضوا في وظيفة مستشار أو ما يعادلها 5 سنوات، وأساتذة القانون الحاليين والسابقين بالجامعات المصرية ممن أمضوا في وظيفة أستاذ 8 سنوات، والمحامين الذين اشتغلوا أمام محكمة النقض 10 سنوات».
لجنة شئون العدالة المنبثقة من «العليا للتشريع» رفضت منح الرئيس سلطة اختيار أعضاء المحكمة أما المادة الخامسة، والتي طرأ عليها التغيير بعد الثورة، فتنص على أن «يعين رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة بعد موافقة الجمعية العامة للمحكمة، ويعين نائب رئيس المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العامة للمحكمة، ويجب أن يكون ثلثا نواب رئيس المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية، على أن تكون الأولوية في التعيين لأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة، ويحدد قرار التعيين أقدمية نائب رئيس المحكمة».
ومقتضى هذه المادة أن تكون الجمعية العمومية للمحكمة سيدة قرارها ولا سلطان عليها لأحد، وأن تنتخب رئيسها وتخطر رئيس الجمهورية باسمه، ليصدر قراراً –كاشفاً وليس منشئاً- بتعيينه في منصبه، ولا يجوز للرئيس الاعتراض على هذا الانتخاب، كما أن للجمعية العمومية الحق الكامل في اختيار أعضاء المحكمة الجدد، وأن يكون لأعضاء هيئة المفوضين الأولوية عند الاختيار.
وقد حل هذا النص بدلاً من نص آخر كان يمنح رئيس الجمهورية الحق الكامل في تعيين رئيس المحكمة من الهيئات القضائية الأخرى، كما يمنح المجلس الأعلى للهيئات القضائية سلطة في اختيار الأعضاء الجدد للمحكمة، ويقصر سلطة الجمعية العمومية على أن ترشح أسماء الأعضاء الجدد بها، وكذلك يجعل رئيس المحكمة في مواجهة الجمعية العمومية، لأنه كان يمنحه سلطة مساوية للجمعية العمومية في ترشيح أسماء أخرى.
واستغل الرئيس المخلوع حسني مبارك هذا النص السابق الذي عدلته المحكمة بعد الثورة في تعيين 4 رؤساء متتاليين للمحكمة من خارجها، هم المستشارين فتحي نجيب وممدوح مرعي وماهر عبدالواحد وفاروق سلطان، وبالتالي رأت أغلبية لجنة تشريعات التقاضي وشئون العدالة أن النص الجديد يحقق الاستقلال المطوب لأعلى هيئة قضائية مصرية.
إلاّ أن رأياً ثانياً تم طرحه يتلخص في أن يمتلك مجلس النواب ومجلس الشورى والأزهر والكنائس والجامعات والمجامع المدني والهيئات القضائية والنقابات إمكانية ترشيح أشخاص من بينهم لعضوية المحكمة الدستورية، وأن يتم رفع جميع الأسماء المرشحة إلى رئيس الجمهورية، وأن يختار هو الأعضاء الجدد للمحكمة، مع إلغاء الأولوية الممنوحة لهيئة مفوضي المحكمة، باعتبارها نيلاً من المساواة بين المرشحين.
وبالنسبة لرئيس المحكمة، فإن هذا الرأي كان يتجه أيضاً لوضع سلطة اختياره مباشرة لرئيس الجمهورية، وأن يكون دور الجمعية العمومية استشارياً فقط.
اللجنة مازالت قائمة برئاسة دكروري.. والبحيري رشح بجاتو وسالمان لتمثيل المحكمة وقبل عرض الرأيين للتصويت، رأت اللجنة استطلاع رأي ومقترحات المحكمة الدستورية ذاتها، فطلبت ذلك من المستشار أحمد مكي، الذي أرسل خطاباً للمستشار ماهر البحيري، رئيس المحكمة الدستورية، يطلب منه ترشيح من يراه لتمثيل المحكمة خلال مناقشة تعديلات قانونها، فتم ترشيح المستشارين حاتم بجاتو ومحمد عبد العزيز سالمان.
وانعقدت جلستان بحضور ممثلي المحكمة، أكدا خلالها عدم تنازل المحكمة عن سلطة جمعيتها العمومية التي حققت لها الاستقلال، مع قبول تعديل المادة الخاصة بجهات الترشيح، ووضع آلية واضحة لتلقي الجمعية العمومية هذه الترشيحات وجدولتها وتقييمها.
وعند طرح الرأي الثاني للتصويت رأى معظم الحضور أنه يعتبر ردة للوراء ويعيد رئيس الجمهورية متحكماً في اختيار شخص رئيس المحكمة، وتم رفضه بالإجماع.
وبحسب مصادر حكومية، فإن هذه اللجنة لم تجتمع مرة أخرى بعد هذه الجلسة بسبب تلاحق الأحداث، ورحيل مكي عن وزارة العدل، والبدء في التحضير لمؤتمر العدالة، لكنها مازالت قائمة ضمن اللجنة العليا للتشريع المشكلة بقرار من هشام قنديل.