يبدو لك من الوهلة الأولى وأنت تتابع «فصاله» مع أي زبون، أنه واحد من كبار رجال الأعمال، جاء خصيصًا لأحد المقاهي الشعبية في حي السيدة زينب لإنجاز صفقة مهمة، فكلماته المقتضبة التي لا تخلو من الأرقام الكبيرة، بدءًا من 30 ألف جنيه وحتى مائة ألف، في بعض الأحيان، تؤكد لك هذا الانطباع. وما يثير دهشتك سببه ليس في ضخامة المبلغ وطبيعة المكان الذي يتم فيه إنجاز «الصفقة»، لكن مصدرها آثار الجوع والشقاء التي تتجلى على وجهي طرفي «الصفقة»، وملابسهم البسيطة البالية بفعل الزمان.
«مش هبيع بأقل من 50 ألف جنيه» هكذا أطلق عم «عدلي» حكمه النهائي، بعدما يقرب من نصف ساعة في «الفصال» مع أحد رواد المقهى، الذي رفض ذلك، بقوله: «هما 30 ألف جنيه مش دافع غيرهم»، قالها وهو يحاسب صاحب المقهى، الذي حاول الوصول معهم لحل وسط «إيه رأيكم نقسم البلد نصين.. ونمضي العقد ب40 ألف جنيه»، لكن اقتراحه لم يلقَ قبولاً لدى الطرفان، فغادر الزبون المقهى، وعم «عدلي» يشيعه بنظرات تسكنها حسابات وقليل من التردد، حسمه بمناداة صبي المقهى قائلاً له: «روح وراه وقوله 35 ألف آخر كلام»، فيركض الصبي خلف الزبون، وعم «عدلي» ينتظره بأمل العودة بخبر سار، ولم تطل لحظات الانتظار، فسرعان ما عاد الزبون، وكأن سبب عودته كان أن يقضي حاجته بإتمام الصفقة، فيحصل على كيس أسود من عم «عدلي» بداخله بنطالون جينز أزرق «مستعمل» بعد دفع 35 جنيه، ويمضي وسط تهنئة من صاحب المقهى.
عم «عدلي» في العقد السادس من العمر، يحصل على الملابس المستعملة من فاعلي الخير، يقول ل«بوابة الشروق»، إن التفاوض بهذه الطريقة يعود إلى أنه «لازم أعمل لزبوني بريستيج.. ما يصحش قدام الناس ونفاصل على عشرين جنيه، فبنحول الرقم لألف».
عم «عدلي» رفض التصوير معنا خوفًا من إيذاء مشاعر أبنائه.