زيارة الرئيس محمد مرسى إلى أثيوبيا لحضور قمة الاتحاد الأفريقى أعادت إلى الواجهة ملف علاقات مصر مع دول حوض النيل، التى تشهد تراجعا نسبيا بعد توقيع الأخيرة على اتفاقية «عنتيبى» التى تنظم استفادة دول الحوض من مياه النيل، والتى لا ترضى عنها مصر والسودان. «الشروق» فتحت مع وزير الرى الدكتور محمد بهاء الدين حوارا مفتوحا حول هذا الملف، الذى بات أحد أهم اولويات الأمن القومى المصرى فى اللحظة الراهنة, ويترافق ذلك مع تصاعد المخاوف المصرية من الإصرار الأثيوبى على بناء سد النهضة على النيل الأزرق رغم خطورته على مصر.. كما تطرق الحوار مع الوزير إلى الحديث عن مشكلات الرى الداخلية من أزمة نهايات الترع.
يتهم خبراء ووزراء سابقون الحكومة بعدم الاهتمام بملف حوض النيل، رغم الخلفية التى يتمتع بها رئيس الوزراء، حيث كان يشغل منصب وزير الرى، مقابل انشغالها بقضايا داخلية فى الوقت الذى تمضى فيه إثيوبيا على قدم وساق فى استكمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق دون موافقة مصر.
يؤكد بهاء الدين أن ملف النيل الآن على رأس أولويات قائلا: «الحكومة مشغولة بالملف وهناك خطط للتحرك على أكثر من مستوى، وليس كل ما نقوم به فى ملف النيل نعلنه، ولا يمكن أن توصف الحكومة بالبرود تجاه هذا الملف».
يقول: «نتعامل مع التحركات الإثيوبية نحو بناء سد النهضة بنوع من حسن النية، وعندما جاء إلينا رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل زيناوى، واقترح إنشاء لجنة خبراء دولية لدراسة تأثير السد، قبلنا بالمشاركة فى اللجنة، وكانت مبادرة تطوعية منه لطمأنة الشعب المصرى، وأكد وقتها أن السد سيكون لصالح مصر والسودان، ومن المنطقى أن نؤجل أى رد فعل لحين صدور التقرير النهائى للجنة».
يذكر أنه عقب إعلان زيناوى عن تشكيل اللجنة الدولية لدراسة آثار السد، دشن رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل احتفالية كبيرة فى أبريل من عام 2011 لوضع حجر أساس السد، وبدأت شركة «سالينى» الإيطالية فى الحفر وتجهيز الأساسات ومواد البناء، دون انتظار نتائج أعمال اللجنة.
ويؤكد الوزير أنه طبقا للمعايير الهندسية فإن إثيوبيا لن تستطيع حجب المياه وراء السد بشكل نهائى، ولا بد من إعادة صرف المياه لتوليد الكهرباء وتشغيل التوربينات، لكن المشكلة هى عدم وصول المياه إلى مصر دفعة واحدة فى موسم الفيضان كما هو معتاد، ولكنها ستصل إلينا من إثيوبيا على مدار العام.
مخاوف مصرية من مخاطر السد يقول الوزير: «التخوف المصرى الرئيسى يتمثل فى فترة ملء خزان المياه خلف السد، فإذا تمت هذه العملية على 6 سنوات فهذا يعنى حرمان مصر من 12 مليار متر مكعب كل عام، وهذا التخوف هو ما يقلق الخبراء، لكن هذا لا يعنى جفاف مصر أو بوار الزراعة كما يصوره البعض، فنحن لدينا مخزون كاف من المياه خلف السد العالى، ولن نتأثر بشكل مباشر».
يتابع: «نقص 12 مليار متر مكعب من إيراد النيل سنويا ليس النهاية، ولكن الخطورة أن تأتى فترة الملء فى فترة جفاف شحيحة الإيراد، وهو ما سيؤثر على مصر بلا شك، فضلا عن تأثير آلية تشغيل السد نفسها والتى تقضى بحجب المياه ثم تفريغها، وهو ما سيؤثر على معدلات تدفق المياه لمصر».
يستطرد: «مصر لم توافق نهائيا على إنشاء سد النهضة، وما يشغلنا الآن هو الاتفاق على سياسات التشغيل أولا، فإذا كان الضرر سيؤثر على نسبة المياه الواردة على مصر بنسبة محددة، فلابد أن يكون هناك اتفاق على عمل مشروع يعوض مصر عن هذه النسبة الفاقدة مثل مشروع تعزيز الموارد المائية وتجميع فواقد».
يقول وزير الرى إن الحكومة تعكف الآن على دراسة عدد من البدائل فى حال ثبوت تأثير السد بالسلب على مصر.
يضيف: «لن نسلم بأن تسير إثيوبيا فى مسارها فى استكمال بناء السد، وسيكون هناك تحرك فى مسار التفاوض السياسى، واذا فشل الفنيون فى الوصول إلى حل سيكون هناك حل على المستوى السياسى».
ويرى بهاء الدين أنه لا يمكن افتراض أى من الحلول إلا بعد صدور التقرير النهائى للجنة الفنية الدولية المعنية بدارسة آثار السد، والذى أوشك على الانتهاء خلال أسبوعين، فيما قلل من خطورة ما أعلنته إثيوبيا من تحويل مجرى النهر فى سبتمبر القادم.
مخاوف من الانقسام فى الموقف المصرى السودانى يجرى الآن داخل الشارع السودانى حديث عن التقارب مع باقى دول حوض النيل، وارتفعت أصوات داخل وخارج الحكومة السودانية تدعو للتوقيع على اتفاقية عنتيبى والموافقة على انشاء سد النهضة، وهو ما يثير التخوفات حول تماثل الموقف السودانى المصرى تجاه ملف حوض النيل.
يقول بهاء الدين إن الموقف السودانى متفق مع المصرى ولكن هناك اختلافا فى ترتيب الأولويات، ففى ملف سد النهضة البلدان يتفقان على وجود آثار سلبية، ولكن تنظر السودان فى حكمها على الأمان أولا وينظرون أيضا إلى الإيجابيات التى سيحصلون عليها من بناء السد مثل حجب الفيضان الذى تتعرض له الولايات السودانية كل عام وتنظيم المياه فى مجرى النيل بالسودان، وستكون المياه متاحة وتعظيم توليد الكهرباء فى سد الروصيرص، وتقليل كمية الترسيب فى السدود السودانية، وبالتالى زيادة عمرها ولكنهم مدركون لخطورة عدم الأمان، فهم لا يتجاهلون أى آثر سلبى، ولكننا نرى أن تأمين وصول المياه إلى السد العالى هو الأساس، مؤكدا أن هذه الأوليات ليست عقبة فى الاتفاق على موقف مشترك، بحسب الاتفاق.
ويشدد بهاء الدين على أن الموقف المصرى السودانى فيما يتعلق باتفاق عنتيبى لا يقبل المساومة، مشيرا إلى حديث الرئيس السودانى الذى أكد أنه لا يمكن التوقيع على اتفاقية عينتيبى بصياغتها الحالية، وأنه لا توقيع من مصر أو السودان يقلل الحصص التاريخية فى مياه النيل، والسودان ثابتة على موقفها المماثل للموقف المصرى من عدم التوقيع على هذا الاتفاق.
الكروت المصرية يتحدث بهاء الدين عن الحلول والبدائل التى تمتلكها مصر للدفاع عن مصالحها فى مياه النيل بلهجة ثقة يشوبها القليل من القلق قائلا: «الحل العسكرى لن يحسم أمرا ولن يثنى أحدا عن عزيمته، والتاريخ الحديث يؤكد أن التدخلات العسكرية لم تحل أى أزمة دولية، لكننا لدينا قوة ونمتلك مفاوضين ذى قدرة على اثبات حقوق مصر، ولدينا أوراق الضغط، والقانون الدولى يثبت حقنا بما فى ذلك جميع الاتفاقيات والقوانين الدولية مثل هيلسنكى».
وخلال حديثه عن الأوراق التى تمتلكها مصر قلل بهاء الدين من لهجته قائلا: «ما يهمنا هو حسن الجوار والتعاون مع كل الدول ونرجو ألا نلجأ للتحكيم، لأننا قادرون على حل المشكلة بالتفاوض».
كانت مصر قد طلبت من دول حوض النيل عقد اجتماع استثنائى لمناقشة تداعيات اتفاق عنتيبى على مستقبل التعاون بين دول حوض النيل، إلا أن الاجتماع تم تأجيله لأكثر من مرة منذ مايو 2010 حتى الآن وتوالت اعتذارات مصر وباقى الدول لأسباب غير معلنة سوى التحجج بانشغالات داخلية.
ويضيف: «مصر تلقت عروض وساطة افريقية من جنوب السودان والكونغو لإعادة الحوار حول اتفاق عنتيبى، إلا أننا لم نطلب تدخل أى دولة حتى الآن، ومستمرون فى تنفيذ الاتفاقيات الثنائية مع دول حوض النيل، حتى نترك جميع الأبواب مفتوحة للحوار».
ويوضح بهاء الدين أن المشروعات التى تقوم بها مصر فى حوض النيل بحاجة إلى «النفس الطويل»، فتقديم مشروعات إليهم لا يعنى أننا ننتظر منهم ردود فعل محددة أو تغيير مواقفهم فى الملف.. لكننا نريد ترويض العامل النفسى، وإظهار حسن النوايا.
خلاف الفنيين والقانونيين فى إدارة الملف فى نوفمبر 2012 وقعت مصر بالأحرف الأولى على نتائج اجتماعات يومين لخبراء فنيين فى ملف النيل مع السودان وإثيوبيا على إنشاء آلية جديدة للتعاون بين دول النيل الشرقى الذى تحصل منه مصر على 85% من حصتها المائية، وينبع من إثيوبيا، بعد توقف مكتب الإنترو التابع لمبادرة حوض النيل نتيجة تجميد مصر والسودان نشاطهما به، إلا أنه بعد عودة وزير الرى من أديس أبابا أغلق الملف ولم تتحدث عنه الحكومة المصرية, يشرح بهاء الدين السبب فى تأخر مصر فى حسم موقفها من هذا الاتفاق قائلا: «وقتها ذهبنا إلى إثيوبيا بناء على دعوة من وزير الرى الإثيوبى، حيث كانت مصر مجمدة النشاط فى مبادرة حوض النيل بعد التوقيع على اتفاقية عنتيبى، وطلبنا عقد اجتماع بهدف تفعيل آلية للتعاون بديلا عن المبادرة، وعقد الخبراء الفنيون اجتماعات لمدة يومين شرحنا خلالها الموقف المصرى من الاتفاقية وعدم امكانية التعامل من خلال الانترو لانه جزء من المبادرة.
يضيف الوزير: «السودان وإثيوبيا صدقا بالفعل على انشاء هذه الآلية عقب انتهاء الاجتماعات بيومين، لكننا عندما ناقشنا الموضوع فى مصر كان لوزارة الخارجية بعض تحفظات وطلبوا وقتا لفحص الوضع القانونى ثم اتخاذ القرار، وهو ما نلام عليه من الجانب الأفريقى وهو التأخير فى اتخاذ القرارات».
ويوضح بهاء الدين أن وزارة الرى كممثل فنى لملف النيل تركت الفرصة للقانونيين لدراسة الأمر حتى لا يكون هناك عواقب، وبالفعل تمت كتابة جميع التحفظات المصرية وتم ارسالها إلى إثيوبيا ثم الرد عليها، وكان للسودان وجهة نظر فى التوقيع على الآلية الجديدة ثم وضعت جميع التخوفات والتحفظات فى الشروط المرجعية لعمل هذه الآلية.
يرى الوزير أن القرار الإثيوبى بإنشاء هذه الالية ستكون مستقلة تماما عن مبادرة حوض النيل وهو كلام واضح وصريح مؤكدا أنه لا داعى للتخوف خاصة أن مصر وضحت لهم عدم نيتها التوقيع على الاتفاقية وتفهمت إثيوبيا ذلك، قائلا «نحن كمهندسين نرى أن واحد + واحد يساوى اثنين، لكن القانونيين الامر لديهم مختلف وتتعدد وجهة نظرهم وتفسيراتهم للمشاكل».
العطش تدخل مصر الآن موسم الاحتياجات المائية، وهى الفترة التى تشهد احتجاجات عشرات الآلاف من المزارعين كل عام بسبب نقص المياه وبوار وعطش الآلاف من الأفدنة الواقعة فى نهايات الترع..
وفى بداية الموسم رصدت وزارة الرى 250 مليون جنيه لصيانة الترع وتطهيرها لتوسعة المجال لمرور المياه، وعنها يقول وزير الرى د. محمد بهاء الدين: «لا نتوقع اختناقات هذا العام طالما المجارى المائية تتسع لمرور المياه، ويتم صرف المياه من بحيرة ناصر طبقا للاحتياجات الفعلية، والشكاوى تتوقف على التزام المزارعين بمساحات الأرز المقررة لدينا ب250 ألف فدان تمت زراعتها حتى الآن».
ويناشد بهاء الدين الفلاحين ضرورة الالتزام بمساحات الأرز، مؤكدا أن أزمة الرى ليست بالضرورة نقص المياه، ولكن فى التعديات على المياه، مشددا على أنه سيتم البدء فى قطع المياه عن المخالفين، وأن المخالفات ستكون فى أضيق الحدود، بحسب توقعه.
وأوضح الوزير أن اللجنة الوزارية المشتركة بين الرى والزراعة حددت المساحات المسموح بزراعتها بالأرز بمليون و 76 ألف فدان، ولن يكون هناك تهاون فى المخالفات، وتطبيق الغرامات.
ويرى أن قرار الرئيس مرسى العام الماضى برفع غرامات الأرز على المزارعين كان يضم جزءا إيجابيا وهو عودة الغرامات فى حالة تكرار المخالفة، قائلا: «نحن مصرون على الإبقاء على المخالفات والغرامات التى لن تكون صورية وسنكافح أمام أى مجلس نيابى قد يدافع عن إلغاء الغرامات».
ترعة السلام يقول وزير الرى إن مشروع ترعة السلام من أكثر المشروعات القومية فى عهد النظام السابق التى أتت بجزء من ثمارها، وهناك بعض الأعمال فى الترعة لا تزال تحت الإنشاء من مآخذ المياه ولكن من المتوقع الانتهاء منها فى نهاية 2015، بحيث تكون المياه جاهزة للانطلاق فى باقى الترع، ما عدا جزء لم يتم الاستقرار عليه وهو منطقة السر والقوارير والمقدرة مساحتها ب135 ألف فدان.
يضيف: «الحكومة استقرت على استكمال جزء إضافى من الترعة يخدم 85 ألف فدان، وتحتاج فيه الأراضى لرفع 90 مترا، ولكنها خطة مؤجلة وبحاجة إلى تسويق لأن الحكومة ليس لديها امكانيات مادية حاليا، بجانب ما يزرع فى شرق القنطرة وسهل الطينة، وهناك 80 ألف فدان جاهزة ومكتملة المرافق تصلها المياه، وستعلن عنها هيئة التعمير قريبا فى المزاد القادم للبيع».
كانت وزارة الرى قد انتهت من كامل الأعمال الفنية لتوصيل المياه لمشروع توشكى بنسبة تصل إلى 99%، ويعتبر الوزير أنه لا يمكن الحديث الآن عن استكمال الفرع الرابع فى توشكى، إلا اذا تمت الاستفادة من الثلاثة أفرع الأولى وزراعة الاراضى الواقعة حولها.
يضيف: «وزارة الرى وحدها هى التى تكبدت تكاليف مشروع توشكى وقدرت ب7 مليارات جنيه، حيث تولت البنية القومية كاملة، والتى تمكن من اقامة أى مشروع تنموى فى المنطقة، على اعتبار أن المشروع تم إعداده ليكون مشروعا قوميا».
يتابع: «وزارتا الرى والزراعة حصلتا على موافقة مجلس الوزراء بطرح 110 آلاف فدان فى توشكى فى المزاد العلنى، لكننا فى انتظار الانتهاء من إعداد كراسة الشروط، فمن يزرع فى توشكى يحصل على مياه عالية الجودة تأتى من بحيرة ناصر مباشرة».