لقاء القمة المرتقب بين العملاقين الالمانيين: بروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ في نهائي دوري أبطال أوروبا سيجعل الآلاف من الالمان يتوجهون إلى ملعب ويمبلي في العاصمة البريطانية لندن والذي يطلق عليه "بيت الكرة الانجليزية" ولكن البعض يتسائل هل سيصبح هذا الملعب موطن كرة القدم الالمانية أيضا؟ "كرة القدم تعود إلى موطنها" عنوان صحفي تصدر صحيفة سودويتشه تسايتونغ الألمانية في وقت مبكر من شهر ماي/و آيار عندما اطاح البايرن بفريق برشلونة من نصف النهائي ليحجز مكانه في "نهائي ويمبلي".
هذا ما سيترك كارل بلانك يتعذب في قبره، ففي عام 1890 كان هذا اللاعب ومدرب الجمباز الألماني منزعجا من ظاهرة انتشرت في المانيا وهي "شغب كرة القدم" أو ما أطلق عليه آنذاك "المرض الانجليزي".
أقبل الرياضيون حينها على كرة القدم، اللعبة الجديدة الوافدة إليهم من بريطانيا ، واللعبة كما وصفها بلانك كانت "سخيفة وقبيحة ومنحرفة".كان بلانك يأمل في ان تتمسك المانيا برياضة الجمباز لإيمانه بأهميتها في تأهيل الشباب بدنيا للخدمة العسكرية.
ولكن إقبال الجماهير الألمانية على ويمبلي سيبرهن على فشل نظرية بلانك، ويثبت انتصار الرياضة البريطانية.
وخلال القرن التاسع عشر ظهرت الهيمنة البريطانية على الرياضات الوافدة إلى ألمانيا مثل التنس إلى الكريكيت الذي وصل عدد الفرق به إلى أربعة عشر فريقا بحلول عام 1914.
كانت كرة القدم التي اكتسبت شعبية جماهيرية مدعمة من قبل المدربين البريطانيين والالمان الذين استوحوا طرقهم في اللعب من الطرق الانجليزية.
وكانت بعض الاندية الالمانية قد أعطت فرقها أسماء مثل بريطانيا برلين كنوع من التحية للوطن الأم لكرة القدم، ولكن مع اكتساب اللعبة للموافقة الرسمية من المؤسسات الوطنية أصبحت أسماء الفرق أكثر وطنية.
وتطورت اللعبة عالميا بعد الحرب العالمية الثانية، فكان هناك العديد من اللقاءات بين انجلتراوالمانيا.
كأس العالم
واعتقدت انجلترا انها تربعت على عرش اللعبة بفوزها بكأس العالم عام 1966 في المباراة النهائية مع منتخب ألمانياالغربية حينها التي أقيمت على ملعب ويمبلي.
والتقى المنتخبان مجددا في ويمبلي في ربع نهائي كأس أوروبا وفاز حينها منتخب ألمانياالغربية بثلاثة أهداف مقابل واحد ليتأهل إلى المربع الذهبي للبطولة الذي أقيمت منافساته في بلجيكا وفاز الألمان بالبطولة.
وقال المدرب الالماني هيلموت شوين يقول في ذلك الوقت إن انجلترا "يبدو أنها وقفت صامتة لوقت في حين أصبح الألمان أفضل بكثير من الناحية الفنية".
وتعد كرة القدم الآن في بريطانيا رمزا كما يقول بعض البريطانيين لأن بلادهم تأتي في المركز الثاني بعد ألمانيا في هذه اللعبة من حيث التقنيات والامكانات الاقتصادية.
اللاعبون الالمان مثل عمال المانيا، كل شيء لديهم منظم ومنضبط، و وبالرغم من ذلك أشار الكاتب الالماني أولي هيسي في كتابه عن تاريخ الكرة الألمانية إلى أن الجماهير الألمانية تعجب بأندية كرة القدم الانجليزية خصوصا في فترة السبعينيات والثمانينيات.
وكان المشجعون الالمان يلوحون بالاعلام البريطانية في مباريات انديتهم ويتمنون ان تصبح ملاعبهم كالملاعب الانجليزية.
وأضاف هيسي فقط في الآونة الأخيرة، تغير أسلوب تسويق اللعبة البريطانية، وفي نواح كثيرة، "ان الانجليز يودون أن يقتدوا بالألمان" .
وأوضح الكاتب أيضا أن العديد من السياسيين البريطانيين معجبون بالطريقة التي تدار بها الصناعة الألمانية حيث تخصص مقاعد للعمال في مجالس الإدارات,
ويمكن القول إن تناول الصحافة البريطانية لكرة القدم الالمانية قد تغير بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع الاشارات التقليدية.
بل أن تغطية الصحف البريطانية لأنباء كرة القدم الألمانية تغيرت لهجتها كثيرا وبدأت تتخلى عن بعض الإشارات التقليدية لوصف اللاعبين والمشجعين الألمان.
نهاية الأسبوع الماضي أشارت صحيفة الصن البريطانية إلى ان ويمبلي يستعد في نهاية الاسبوع "لغزوة كبيرة من أبناء العمومة الأنجلوساكسون".
ويصادف النهائي الذكرى السنوية ال150 لتأسيس الاتحاد الانجليزي لكرة القدم، لكي يتذكر الجميع كيف أن كرة القدم وحدت بين إنجلتراوألمانيا؟
توافق سياسي
هذه اللهجة التصالحية نالت تأييدا من الزعماء السياسيين ، فقد أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عندما استضافت ألمانيا كأس العالم 2006، عن حرصها على الحفاظ على بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وقالت أنها ترى أن العلاقات الكروية ربما تساعد في هذا؟
وحين استضاف بايرن ميونيخ تشيلسي في نهائي دوري الأبطال عام 2012 تناقلت وكالات الأنباء صور زعماء الدول الصناعية الكبرى المجتمعين في الولاياتالمتحدة وهم يتابعون بحماس ركلات الترجيح.
العائلة المالكة البريطانية يمكن ان تلعب دورا أيضا، فبينما يهتم الأمير تشارلز أكثر بلعبة البولو، نرى أن نجليه يتمتعان بمشاهدة كرة القدم.
فدوق كامبريدج الأمير وليام ضيف دائم على المباريات الهامة في ويمبلي، وهو أيضا رئيس اتحاد كرة القدم.
علاقات وطيدة العلاقة الكروية الوطيدة الأنجلو ألمانية لا تزال قائمة، فهناك لاعبون أيضا ممن يعدون رمزا لهذه العلاقة في كرة القدم.
فمثلا الألماني بيرت تروتمان كان أسير حرب لدى الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه انضم في خمسينيات القرن الماضي إلى نادي مانشستر سيتي وساهم في تتوجيه بكأس انجلترا على ملعب ويمبلي في عام 1956 بعد معاناته من كسر في العنق.
وأسس تروتمان بعد ذلك جمعية لتحسين العلاقات الألمانية البريطانية من خلال كرة القدم.
وفي وقتنا الحالي يلعب لويس هولتباي ضمن صفوف نادي توتنهام وهو من العناصر الأساسية أيضا في منتخب ألمانيا، وولد هولتباي لأم ألمانية وأب بريطاني كان يعمل في قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني في ألمانيا.
هناك شعور حقيقي بعودة كرة القدم الألمانية إلى موطن اللعبة، بينما يتدفق الآلاف من مشجعي دورتموند وبايرن على لندن لحضور نهائي ويمبلي.
ويمكن للملايين من المشجعين الإنجليز في الوقت نفسه مراقبة الحدث على شاشة التلفزيون للتمتع على الأقل بمباراة واحدة ستكون لو انتهت بركلات الترجيح فسوف تكون المعاناة فيها من نصيب الألمان، ولن يؤدي الأمر إلى قلق رهيب بين الانجليز.
ومع اكتمال مشهد نجاح الأندية الألمانية في ويمبلي وتزايد قوة الاقتصاد الألماني عالميا يمكن للبريطانيين ان يعزوا أنفسهم بأن سلعة بريطانية تم تصديرها وتعود مرة أخرى إلى موطنها وهي كرة القدم.