مع اعتلاء الاقتصادات الأفريقية لقمة موجة عدم الاستقرار التى تشهدها السلع فى الأسواق العالمية، أصبحت هناك فرصة غير مسبوقة لتحويل مصادر الثروة الهائلة فى المنطقة إلى استثمارات من شأنها انتشال الملايين من الفقر وخلق فرص عمل وتهيئة مستقبل واعد للأجيال الجديدة. ويتطلب انتهاز هذه الفرصة تعزيز الحكومة بدعم من التعاون الدولى من أجل وقف نزيف الإيرادات الذى يتم عبر التهرب الضريبى والصفقات السرية والتحويلات المالية غير الشرعية.
دفعت صادرات الموارد الطبيعية بأفريقيا إلى مصاف أعلى بلاد العالم نموا. ففى عام 2012 حققت ثلث اقتصادات الدول الأفريقية تقريبا نموا يزيد على 6% ويتيح الطلب القوى للأسواق الناشئة فرصة الدخول فى عقد آخر يتميز بارتفاع أسعار الموارد الطبيعية فى أفريقيا وزيادة الاستثمارات الأجنبية. إذ تعد موزمبيق وتانزانيا دولتين مهيأتين للبروز كأكبر مصدر للغاز الطبيعى. كما تتأهب غينيا وسيراليون لجنى مكاسب هائلة من صادرات خام الحديد. ويحقق الطلب على نحاس زامبيا وكوبالت الكنغو الديمقراطية أعلى المستويات.
ولكن لسوء الحظ، لا يساعد مد الثروة العالى على تعويم كل القوارب. فلم يتراجع الفقر إلا ببطء شديد بل تزايد فى بعض البلدان- من بينها زامبيا ونيجريا. وقليلة هى الحكومات التى استخدمت العوائد المتزايدة للصادرات فى التغلب على التفاوت المتزايد وتحقيق رعاية صحية أفضل ونظم تعليمية أو تدعيم الزراعة فى الحيازات الصغيرة. وفوق هذا مازال الفساد متوطنا.
●●●
على الحكومات الأفريقية الإسراع فى التقدم بنفسها لمعالجة تلك القضايا. وهى فى حاجة لإدراك مدى إلحاح تحويل ثروة بلادها من موارد إلى رأس مال بشرى واستثمارات فى البنية التحتية يمكن للنمو المستدام والشامل الاعتماد عليها. وعليها الاقتداء بدول مثل ليبيريا وغينيا اللتين توجهتا إلى التغلب على الفساد عبر نشر كل عقود التعدين على شبكة الانترنت بهدف توفير الرقابة العامة.
وفى مجالات أخرى، لن يؤدى اتخاذ الحكومات الأفريقية خطوات بمفردها إلى نجاح كبير. وكما أوضحنا فى تقريرنا عن تقدم أفريقيا لهذا العام، لا توجد منطقة أخرى تعانى أكثر منها فيما يتعلق بالتهرب الضريبى والتخطيط الضريبى المعادى ونهب الثروة الوطنية عبر الشركات المسجلة فى الخارج. وهى مشاكل ذات طابع عالمى ولهذا تتطلب حلولا من أطراف متعددة.
ولا يلاحظ على نطاق واسع مدى الخسارة التى تواصل أفريقيا تحقيقها. تتكلف القارة نتيجة عمليات التحويل أى عملية نقل الأرباح مع التهرب من الضرائب الحقيقية - 34 مليار دولار أمريكى سنويا، وهو مبلغ يفوق ما تتلقاه المنطقة من المعونة الثنائية. وإذا امكن اتباع اسلوب أداء مغاير يمكن مضاعفة قيمة المعونة بوقف هذا النمط من التهرب الضريبى. ويتم تسهيل درجة كبيرة التهرب الضريبى من خلال الاستغلال الهائل الذى يمارسه المستثمرون الأجانب بتشغيل الشركات المسجلة بالخارج عبر سلطات قضائية تتطلب الحد الأدنى من الرقابة. والأهم من ذلك أن السلطات التى تخضع لها العائدات فى أفريقيا لا تستطيع بسبب قلة عدد العاملين وشح الموارد تتبع الارباح الحقيقية عبر متاهة من الشركات الوهمية والشركات القابضة والكيانات المسجلة بالخارج التى يستخدمها المستثمرون.
ولكن توجد تطورات مشجعة فى الفترة الأخيرة بخصوص استجابة اطراف متعددة لهذه التحديات. وفى ظل قانون دود فرانك فى أمريكا والإجراءات المماثلة له فى أوروبا أصبح مطلوبا الآن من شركات التعدين تلبية مستويات أعلى من الإفصاح. (وبالتأكيد يعتبر تصرفا أحمق على المدى البعيد ما قامت به هذه الشركات التى تسبح ضد مد الإصلاح برفعها طعنا ضد قانون دود فرانك أمام القضاء). وفى الوقت نفسه كانت للحكومة البريطانية الريادة فى وضع التعاون الدولى بخصوص الضرائب فى قلب أجندة قمة مجموعة الثمانية التى ستتم فى غضون الأشهر القادمة.
وهذا أحد المجالات التى باستطاعة مجموعة الثمانية إحداث فرق حقيقى فيه. ويجب على القمة العمل باعتبارها نقطة انطلاق لتطوير نظام عالمى يقوم على الشفافية ووضع نظام للضرائب.
●●●
حان الوقت لنزع نقاب السرية الذى تعمل خلفه شركات كثيرة جدا. ينبغى مطالبة كل نطاق ضريبى بالكشف العلنى عن الهيكل الكامل لملكية المنفعة للشركات المسجلة. وعلى سويسرا وبريطانيا وأمريكا وكل القنوات الكبرى للتمويل من الخارج إظهار نيتها لتضييق الخناق على التدفقات المالية. وينبغى أن تعمل مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين معا على توسيع نطاق قانون دود فرانك.
ومن المهم أيضا أن تساعد مجموعة الثمانية على تمكين الحكومات الأفريقية. إن سلطات العوائد فى الإقليم غير مؤهلة بدرجة محبطة للتعامل مع مشاكل مثل ضبط علمية التسعير أو التحويلات غير المشروعة. ولهذا السبب تمت الدعوة إلى «جلسة تطوير أفريقيا» فى مجموعة الثمانية لتوفير الدعم الفنى والمالى والإدارى اللازم لبناء القدرات.
منذ أكثر من خمسين عاما عند نشأة البلدان الأفريقية كدول مستقلة صدر عن كوامى نكروما، أول رئيس لغانا، التعليق التالى: «لم يحدث من قبل أن كان هناك شعب يملك فى يده فرصة هائلة لتطوير قارة منحت ثروة كبيرة جدا».
ومع وجود قيادة سياسية محلية وتعاون دولى قوى نستطيع استغلال الفرصة التى كان كوامى نكروما يعنيها.