ليست المشكلة فى قانون السلطة القضائية، أنه جاء فى سياق سيئ يشبه المؤمراة، يستهدف المنظومة القضائية وفقا لهوى البعض ونتاج صراع سياسى واضح وتحت عنوان بغيض «الشعب يريد تطهير القضاء»، وليست المشكلة أيضا أنه سيثير أزمة كبرى بتخفيض سن القضاة، وفتح المجال أمام عناصر لا تمتلك أى خبرة قضائية لتصعد على منصات العدالة بغض النظر عن انتمائها لتيار سياسى بعينه، كما يتصور البعض، فكل ذلك مجرد عناوين فرعية داخل الأزمة، لأن المشكلة بصراحة فى نمط التفكير والأهداف المرجوة من هذا القانون، وهو ما ينسحب على الكثير من الملفات التى يتعامل معها نظام الرئيس محمد مرسى، النظر من زاوية شديدة الضيق تجاه أى أزمة دون الالتفات إلى الملف بزاوياه المتعددة، ورؤية مستقبله، بعيدا عن مصالح تبدو شخصية ولفريق سياسى بعينه، ضاربين عرض الحائط بأصل فلسفة التشريع بأن تكون كل القوانين عامة ومجردة، ولا تكون خاصة وتستهدف أشخاصا سيتعرف عليهم القانون بمجرد إقراره. فالأكيد أننا نحتاج إلى تنظيم جديد للعدالة فى مصر، والأكيد أيضا أن هذا التنظيم لا يعنى أبدا خفض سن عمل القضاة، فبالمنطق لدينا بطء فى التقاضى فهل التنظيم يعنى مزيدا من البطء، أو استبدال رجال يملكون خبرات واسعة بآخرين سيخوضون التجربة لأول مرة، لذا فإن الفهم الصحيح للتعامل مع هذا الملف يعنى أول ما يعنى التعامل معه بنظرة كلية شاملة تستهدف تحقيق الأهداف السامية للعدالة والتى لا تستقيم الأوطان بدونها، فالمؤسسة القضائية هى المؤسسة الفاصلة فى أى دولة، بل فى الغالب هى قلبها النابض الذى إذا ما توقف تكون الدولة معرضة للعطب لأتفه الأسباب.
منظومة العدالة فى مصر تحتاج إلى الكثير، بدءا من تنقية القوانين ذاتها، والتى بلغت وفقا لإحصاء البعض لأكثر من 13 الف قانون وهو رقم هائل يصعب التعامل معه لكل أطراف المتعاملين معها، وكان الدكتور محمد سليم العوا يرى أن بداية إصلاح منظومة العدالة هو اختصار تلك القوانين وتنقيتها وتحديثها حتى يستطيع الجميع التعامل معها، وهو أمر يحتاج إلى جهد شاق، لكنه ضرورى ويجب البدء فيه على الفور، وبالتوازى مع تحديث القوانين يجب أيضا تحديث ساحات العدالة، والتى لا تعبر عن أى هيبة فى الوقت الحالى، وبصراحة لا أفهم صمت الحكومات المتعاقبة على بقاء قاعات المحاكم وغرف التحقيق على ما هى عليه من إهمال، وأخجل أن أقول «قذارة» لا تتناسب مع جلال وهيبة وقدسية أمكنة الحق، فى نفس الوقت الذى شهدت فيه البلاد إنفاق مليارات الجنيهات على مبان حكومية هى بالتأكيد لا تملك أهمية وقدسية ساحات العدالة.
وما بين تحديث القوانين وتجديد القاعات، يبقى بطء التقاضى كالضربة القاتلة لمفهوم العدالة، فالعدالة المتأخرة فى حد ذاتها ظلم بين، ويكفى أن نشير إلى أن بعض القضاة فى الجلسة الواحدة يكون لديه (رول) عدد القضايا المنظورة أمامه يضم أكثر من ثمانمائة قضية، وهو نوع من العبث يجب أن يتوقف على الفور، وعلى الذين يفكرون فى إصلاح منظومة العدالة عليهم الالتفات لهذا الأمر، لأن أى متقاضٍ يشعر بالظلم وعدم العدالة لمجرد إحساسه بأن القاضى ليس لديه وقت لسماعه، ويكفى أن أشير الى ان قاضيا أصدر حكما على شركة بتهمة القيادة بأقصى من السرعة المقررة، وآخر حبس طفلا عمره ثلاثة أعوام فى الاسكندرية، لأن كلا القاضيين لم يكن لديهما الوقت لقراءة الملف أو حتى مشاهدة المتهم، فهل تخفيض السن هو الذى سيحل جل هذه المشاكل؟