كتب كريستوفر بويان مقالًا بعنوان «مخاطر تغطية الإعلام الأمريكى لشمال القوقاز» نشر فى موقع ريا نوفوستى الروسى. يقول بويان إنه حتى ايام قليلة لم يكن معظم الأمريكيين قد سمعوا من قبل عن شمال القوقاز. لكن هذه المنطقة فى جنوبروسيا ملأت فجأة شاشات تليفزيونات المنازل فى الولاياتالمتحدة، بعدما أصبحت جزءًا من قصة تفجير ماراثون بوسطن، ويحذر خبراء من أن السرعة التى بثت بها التقارير عن موضوع معقد مثل هذا، يمكن أن تشوه الحقيقة بقدر ما تقدم من خدمة إعلامية. وعلى لسان بوتش وارد، عضو هيئة التدريس بمعهد بوينتر، وهو مؤسسة تعليمية غير ربحية مقرها فى ولاية فلوريدا، متخصصة فى خبرات الصحافة والتعليم يقول بويان: «الجمهور الأمريكى يسعى بإصرار لمعرفة سبب حدوث ذلك.. كان هناك بعض الأمريكيين الذى شرعوا فى بنا استنتاجات بمجرد سماعهم كلمة ‘مسلم'. وهناك شريحة أخرى للسكان تحاول بجدية فعلا عدم القفز إلى تلك الاستنتاجات» وتابع: «لم يسمع العديد من الأمريكيين اسم ذلك المكان من قبل».
●●●
ويشرح الكاتب أن داغستان هى المكان الذى يشير إليه وارد، وهى منطقة جبلية قديمة ذات تنوع طبيعى وثقافى مدهش، تقع فى جنوبروسيا على طول بحر قزوين إلى الشمال من أذربيجان وجورجيا، حيث يتوافد الصحفيون الأمريكيون بشكل جماعى لمعرفة المزيد عن المشتبه بهم فى تفجيرات بوسطن. وهى تقع بجوار الشيشان التى كانت مسرحا لحربين مرعبتين بين القوات الاتحادية الروسية والحركات المسلحة المحلية فى التسعينيات من القرن الماضى. وفى وقت ما، بين الحربين، تحولت المعركة التى بدأت سياسية إلى تمرد إسلامى، انتشر من الشيشان إلى داغستان وأماكن أخرى فى المنطقة.
ويكمل بأن حياة ملايين من البشر الذين يعيشون فى شمال القوقاز لايمكن اختصارها اعتمادا على العنف والفقر وحدهما، ويقول الخبراء إن على الصحفيين الأمريكيين العمل بجدية لتلافى الصور النمطية وتقديم صورة واضحة عن حقيقة المنطقة اليوم للجمهور الأمريكى.
وتناول الكاتب المثل الذى ضربه توماس بيكرينج، وهو دبلوماسى بارز وسفير الولاياتالمتحدة السابق فى موسكو، ليوضح صعوبة التحدى الذى يواجه الإعلام الأمريكى، فيصف بيكرينج إحدى حلقات التغطية التليفزيونية الأمريكية قائلا: «لاحظت أن التليفزيون كان لديه خريطة.. واستطعت تحديد موقع الشيشان.. انهم كانوا يتحدثون عن داغستان، بينما كانوا يعرضون خريطة الشيشان، وليست لديهم فكرة عما تكون عليه داغستان. هل هى بلدة، أم مدينة، أم مقاطعة، أم دولة؟ لاشك أن جهلنا الجغرافى الهائل يمثل عائقًا».
●●●
ويكمل ان مسئولين أمريكيين قالوا أن المشتبه بارتكابهما التفجيرات؛ زوخار تزارناييف (19 عامًا) وشقيقه الأكبر تامرلان تزارناييف (26 عامًا) من أصل شيشانى، عاشا فى أجزاء متعددة من الاتحاد السوفييتى، من بينها داغستان، قبل أن يهاجرا إلى الولاياتالمتحدة، واستقرا فى منطقة بوسطن. وأن المسئولين أكدوا أن روسيا طلبت من مكتب التحقيقات الفيدرالى فى 2011 التحقيق مع تامرلان تزارناييف، وأعربت روسيا عن تخوفها من أن يكون الأخ الأكبر قتل فى تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالقرب من بوسطن قد تحول إلى «الإسلام المتطرف»، وربما يكون على اتصال بمتشددين اسلاميين فى جنوبروسيا.
ويقول إنه فى حين تعتبر أسباب سرعة إيفاد مراسلين صحفيين أمريكيين إلى داغستان واضحة على نحو كاف أجروا لقاءات مع أصدقاء للمشتبه بهما وأفراد عائلتهما، بمن فيهم والدهما آنزور تزارناييف لم يتوصلوا إلى دليل على أى علاقة بين هجمات بوسطن وبين الاضطراب فى منطقة شمال القوقاز.
وعلى لسان تيموثى كولتون، أستاذ الدراسات الحكومية والروسية ورئيس قسم الحكومات فى جامعة هارفارد فى كامبريدج، بولاية ماساشوستس، على ضفة النهر المقابلة لموقع هجمات 15 أبريل فى ماراثون بوسطن يقول بويان: «نعلم أن المشتبه بهما من أصل شيشانى. ولكن ما زلنا لا نعرف علاقة عنف الأسبوع الماضى بشمال القوقاز».
●●●
وقد نقلت جميع وسائل البث الرئيسية للولايات المتحدة وشبكات الكابل الإخبارية التليفزيونية، بالإضافة إلى العديد من وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعة والانترنت، تغطيتها من محج قلعة، عاصمة داغستان، فى ما يقولون انه جهود رامية إلى تسليط الضوء على زاوية روسية، صارت كما يقول كولتون « جزءا من القصة الأمريكية».
ويقول إن العامل الروسى المهم قد اتضح فى موضوع هجمات بوسطن، بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود صلات بين المشتبه بهما والمتشددين فى شمال القوقاز، عندما شكر الرئيس باراك أوباما نظيره الروسى فلاديمير بوتن، على المساعدة التى قدمتها موسكو فى أعقاب الهجمات.
ولكن بالنسبة لكاتب المقال المفاجأة كانت فيه إظهار وسائل الإعلام الأمريكية، أن هذا الجزء من العالم لا يكاد الأمريكيون يعرفون عنه أى شىء، فضلاً عن الإشارات غير معتادة من واشنطنوموسكو عن تعاون وثيق وفعال فى مشكلة أمنية عاجلة، على الرغم من علاقاتهما السيئة فى غير ذلك من قضايا.
ويقول خبراء، إن الحقائق التاريخية والمعاصرة فى داغستان والشيشان وبقية بلدان شمال القوقاز الروسى، أكثر تعقيدًا بكثير من أن تستطيع الصحافة المتعجلة بحثه وشرحه، لجمهور أمريكى مبتدئ، مهما كانت التقارير شاملة.
وفى الختام أشار بويان فى مقاله إلى قول لورين فيلدمان، أستاذ الإعلام فى الجامعة الأمريكية فى واشنطن، أن «مشكلة هذا النوع من التغطية أنه ضعيف المحتوى غالبًا.. إن البلدان التى تظهر فقط على شاشة رادارنا، وليس لدينا السياق الأوسع نطاقا لها، سوف تختفى بنفس السرعة من على رادارنا».