لماذا لجأ هذان الشابان اللذان نشآ ودرسا هنا فى مدننا وفى بلادنا إلى مثل هذا العنف؟ وكيف خططا ونفذا هذه الاعتداءات؟ وهل تلقيا مساعدة ما؟.. هذه الأسئلة طرحها الرئيس الأمريكى باراك أوباما وكررتها وسائل الإعلام الأمريكية عقب الإعلان عن أسماء المشتبه بهما فى تنفيذ تفجيرات بوسطن، حيث كُشف النقاب عن الشقيقين "تامرلان وجوهر تسارنايف" وهما شيشانيان من منطقة القوقاز المضطربة جنوبى روسيا، وقد قتل الأول خلال مواجهة مع الشرطة الأمريكية، وتم القبض على الثانى، حيث يتم استجوابه حاليا. ومن جانبها، حاولت وسائل الإعلام والصحف الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال الخبراء والمحللين السياسيين، بالإضافة إلى البحث وراء السؤال الأهم وهو: هل هناك علاقة بين أصول المشتبه بهما والتفجيرين؟ المشتبه بهما، وصلا إلى الولاياتالمتحدة مع أسرتيهما عام 2001، وكان الشاب الوسيم تامرلان، يمارس رياضة الملاكمة، ويعزف على البيانو، ولكنه لم يندمج بشكل جيد فى المجتمع الأمريكى، ولم يكن لديه أى صديق أمريكى، وذكرت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية أن السجل الإجرامى لتامرلان تضمن حالة اعتداء وعنف أسرى فى عام 2009، حين ألقت الشرطة القبض عليه بعد اعتدائه على صديقته التى تزوجها فيما بعد، وقد ذكرت وسائل الإعلام أن تامرلان سافر إلى روسيا العام الماضى، وقضى هناك عدة أشهر وشملت الرحلة زيارة داغستان. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسئول أمنى روسى قوله إن السلطات الروسية تابعت "تامرلان" 4 مرات خلال زيارته إلى داغستان، خاصة بعد أن شوهد من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب الروسية بصحبة مشتبه به آخر يعتقد أنه على علاقة بمتمردى الشيشان، وعلى الرغم من ذلك إلا أن السلطات لم تعتقله لأنها لم تجد سببا يدعو إلى ذلك، وبعد عودته استجوبه مكتب التحقيقات الفيدرالىFBI لكنهم لم يجدوا أية معلومات مريبة تتعلق بالإرهاب خلال استجوابه، وذكرت وكالة الأنباء الروسية "نوفوستى" أن الحساب الشخصى لتامرلان على موقع يوتيوب احتوى على "مقاطع تحث على التشدد" من بينها محادثات وخطب دينية لشخص يدعى "فايز محمد" وهو داعية متشدد يعتقد أنه أثر بشكل شديد على أفكار تامرلان، أما الأخ الأصغر "جوهر" فهو- كما يقول أصدقاؤه ومعارفه- شاب لطيف، مهذب، طيب، وكان – على العكس من أخيه الأكبر- أكثر اندماجا فى المجتمع الأمريكى. وفى سياق تحليلها للأسباب التى دفعت هذين الشابين للقيام بهذا العمل الإرهابى، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن التفجيرات تسلط الضوء على تنامى الدعوات الانفصالية فى العالم، والانتقام الذى بات مسئولا عن أعنف الهجمات الإرهابية فى العقود الأخيرة، وذكرت الصحيفة أن الجماعات الشيشانية نفذت عدة هجمات إرهابية بشكل متقطع فى موسكو وأماكن أخرى فى روسيا منذ تسعينيات القرن الماضى، وأشارت إلى أنه بينما شاركت الولاياتالمتحدة معلومات استخباراتية حول المسلمين الشيشانيين مع الحكومة الروسية على مدار سنوات عديدة، تردد المسئولون الأمريكيون كثيرا فى الارتباط بشكل وثيق بسياسات موسكو حول الشيشان، ولفتت إلى أن جدلا قد أثير أثناء فترة إدارة بوش بشأن مقترح طرحه مسئول بمجلس الأمن القومى، ويوصى بمشاركة الولاياتالمتحدةلروسيا فى قتالها ضد المتمردين الشيشان، غير أنه قوبل برفض واسع النطاق من جانب مسئولى وزارتى الدفاع والخارجية، والذين أوصوا بضرورة ألا تتحالف واشنطن مع تكتيكات موسكو فى هذا الشأن. وهناك جانب آخر للأزمة، ناقشه تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، حيث ذكرت الصحيفة الأمريكية أن تورط مواطنين أمريكيين من أصل شيشانى فى تفجيرى بوسطن سيتسبب فى تعقيد الدبلوماسية الأمريكية - الروسية بشأن الأزمة السورية، وأضافت الصحيفة أن العلاقة المحتملة بين تفجيرات بوسطن والصراع الشيشانى من أجل الاستقلال عن روسيا، قد تزيد من حدة المعارضة الروسية بشأن إجراء أى تدخل خارجى فى سوريا، فضلا عن عرقلة إمكانية تسليح المعارضة السورية، ولفتت الصحيفة إلى أن روسيا خاضت حربين لمحاولة قمع انفصال الشيشان عنها، كما أنها تتعرض لاتهامات متواصلة بشأن ارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين فى الشيشان بزعم وجود ما تسميه ب"عناصر إرهابية" فى الشيشان ذات الأغلبية الإسلامية وجمهورية داغستان الروسية المجاورة، مشيرة إلى أن هذه التجربة تعزز الدعم الروسى للرئيس السورى بشار الأسد فى معركته الدائرة منذ عامين لإخماد الثورة السورية. ونقلت الصحيفة عن مارك كاتز، وهو باحث روسى فى جامعة جورج ميسون، قوله: "مما لا شك فيه أن موسكو ستشير إلى هذه التفجيرات لتعزز حجتها بأن الإرهابيين ينشطون فى سوريا والشيشان أيضا".