كتب إدوار لوس مقالًا نشر بجريدة الفاينانشيال تايمز، بعنوان «لماذا تنظر الولاياتالمتحدة إلى ألمانيا» يتحدث فيه الكاتب عن التقدم الألمانى فيما يتعلق بسوق العمل وتفوقها على الولاياتالمتحدةالأمريكية فى هذا الأمر. يحكى لوس فى مطلع مقاله عن حادثة سأل فيها تونى بلير المستشارة الأمانية أنجيلا ميركل عن سر صمود بلادها، أجابت «مازلنا نعمل». ويقول الكاتب أن هذا سؤال يتردد كثيرًا فى الولاياتالمتحدة هذه الأيام. وقد يكون من المبالغة القول إن أمريكا تعود إلى الصدارة؛ فهناك معارضة كبيرة للغاية لتعاملها مع أزمة منطقة اليورو. ولكن عندما يتعلق الأمر بسوق العمل، تعانى الولاياتالمتحدة من ارتفاع حالة «حسد ألمانيا» على حد قول أحد المحللين. ويتساءل سيناتور ديمقراطى: «هل نستطيع تكرار النموذج الألمانى؟»
يجيب الكاتب على التساؤل الأخير، ويحلل ذلك قائلًا إن ألمانيا وجهت ما يقرب من نصف طلاب المدارس الثانوية إلى مسار التعليم المهنى منذ 16 عاما. وفى الولاياتالمتحدة يمكن أن ينظر إلى ذلك باعتباره أمرا يدعو للانقسام، بل وضد أمريكا! وقد أصبح أكثر من 40 فى المائة من الألمان من المتدربين مهنيًا. ولا يفعل ذلك فى الولاياتالمتحدة سوى 0.3 فى المائة فقط من قوة العمل. ولكن مع استمرار هبوط معدل الانخراط فى سوق العمل فى الولاياتالمتحدة فى الشهر الماضى تخلى 496 ألف من الامريكيين عن البحث عن عمل يجوب العديد من الساسة الأمريكيين ألمانيا للحصول على اجابات.
ويضيف أن الأمر يتحول إلى ما يشبه الحج! فمؤخرا، قام كل من ريك سنايدر، الحاكم الجمهورى لولاية ميشيجان، وجون كاسيش، الحاكم الجمهورى لولاية أوهايو، بجولة فى أكاديميات التدريب المهنى فى ألمانيا. حتى أن السفارة الألمانية فى واشنطن وضعت برنامج يسمى «مبادرة مهارات» للرد على جميع التساؤلات. وقال دبلوماسى ألمانى: «الولاياتالمتحدة ليست بلدا ناميًا، ومن ثم، لسنا بحاجة إلى إرسال فريق من المستشارين الفنيين إلى الميدان»، وأضاف: «نحن نحاول فقط الاستجابة إلى الفضول بشأن النموذج الألمانى.»
●●●
يرى لوس انه كلما استمر تعافى الولاياتالمتحدة، يتزايد فضولها. وتواجه الولاياتالمتحدة اختلافًا حادًا بين بين ما يحتاجه سوق العمل، وما ينتجه نظام التعليم. وهناك جانبان لهذه المفارقة. أولا، تفتقر الولاياتالمتحدة إلى المهارات، ويرتفع معدل البطالة لديها بينما يوجد 3.5 مليون وظيفة شاغرة، وفقا لمكتب إحصاءات العمل. ويرى بعض الاقتصاديين أن «فجوة المهارات» وهمية فمن شأن النقص فى عدد المهندسين أن يظهر فى صورة ارتفاع الرواتب، وهو مالم يحدث. ويبلغ أجر العامل الصناعى بالساعة فى الولاياتالمتحدة 32 دولارًا، بينما يصل فى ألمانيا إلى 48 دولارًا. غير أن أصحاب العمال يصرون على أن نقص العمالة الماهرة مشكلة تشهد تزايدًا.
ثانيا: تمتلك الولاياتالمتحدة مؤهلات تفوق المطلوب. فطبقا لدراسة أعدها مركز دراسة القدرة والإنتاجية للكليات، يعمل ما يقرب من نصف الأمريكيين الحاصلين على درجة علمية فى وظائف لاتحتاج هذه الدرجة. ولدى خمسة عشر فى المائة من سائقى سيارات الأجرة فى الولاياتالمتحدة درجة جامعية، ارتفاعا من 1 فى المائة فى عام 1970. وبالمثل، فإن 25 فى المائة من موظفى المبيعات هم من خريجى الجامعات، مقابل 5 فى المائة فى عام 1970. والمذهل أن 5 فى المائة من عمال النظافة الآن حاصلون على درجة البكالوريوس. ولا شك أنهم يمضون لحظات لانهاية لها فى الليل فى الندم على القروض الطلابية. وتتناغم سوقا العمل والتعليم بشكل جيد فقط فى الجزء العلوى من هذا النظام. حيث يعتبر حملة الدكتوراه والدراسات العليا فى الولاياتالمتحدة الفئة الوحيدة التى تتمتع بمستويات دخل مرتفعة، وتكون غالبا مرتفعة للغاية.
ويقول الكاتب أن بالنسبة للشركات مثل سيمنز، التى يعمل بها 60 ألف موظف أمريكى، وأعادت مؤخرا تصنيع القطارات إلى الولاياتالمتحدة (فى مصنع بالقرب من ساكرامنتو)، الجواب بسيط. حيث تحتاج الولاياتالمتحدة إلى تجديد كليات المجتمع، التى توفر داسة مهنية لمدة عامين ولكنها تعانى فى كثير من الأحيان من نقص التمويل. وتحتاج إلى أن تعود للتوأم مع التدريب المهنى. فقد بدأ بنيامين فرانكلين حياته كعامل طباعة فى بوسطن. وقد اعتاد العديد من نقابات العمال فى الولاياتالمتحدة، مثل الميكانيكيون وصناع الأنابيب والغلايات، تدريب العمال التابعين لهذه النقابات.
ويضيف أن شركة سيمنز ورد إليها مؤخرا 2000 طلب مقابل 50 وظيفة شاغرة فى ولاية كارولينا الشمالية. واجتاز 10 فى المائة فقط من المتقدمين اختبار القدرات. وتبلغ تكلفة المتدرب 165ألف دولار، وتقوم سيمنز بتدريب ستة من خريجى المدارس الثانوية المحلية فى مجال «الميكاترونيك»، وهو خليط من الهندسة الميكانيكية وعلوم الكمبيوتر. ويعمل هؤلاء مشرفو روبوت. وتأمل الشركة أن يصل التدريب المهنى إلى هذا المستوى فى الولاياتالمتحدة. ويتدرب على يديها عشرة آلاف متدرب سنويًا فى ألمانيا، البلد الذى يبدو انه لا يكاد يعانى مشاكل قلة المهارات أو مؤهلات فوق المطلوب. ويقول شبيجل المدير التنفيذى لشركة سيمنز «هناك إمكانات كبيرة لدعم التصنيع فى الولاياتالمتحدة»، ويستدرك قائلا: «ولكن إذا كانت الشركات لديها مشاكل فى العثور على الأشخاص المؤهلين، لن يحدث ذلك بشكل كبير».