الفارق ليس كبيرا بين مستشار لرئيس الجمهورية، طلب منه الأستاذ هيكل أن يدعو محمد مرسى لزيارة الكاتدرائية فرد منزعجا: «يا نهار أسود.. الريس يروح الكنيسة»، وبين المتعصبين الذين اصطادوا الشاب هلال صابر هلال فى أحد شوارع الخصوص، وسكبوا عليه البنزين وأشعلوا فيه النيران لأنه مسيحى. مستشار الرئيس الذى لم يفصح هيكل عن اسمه مثل قتلة هلال، كلاهما ابن ثقافته، وابن تلك الأفكار التى تغذى عليها عقله فباتت تنظر للآخر بازدراء طائفى أو جنسى أو حتى عرقى.
هذا المستشار ابن ثقافة «لا مؤاخذه مسيحى.. وارمى السلام هو انت فايت على كنيسة.. واللى فى القلب فى القلب يا كنيسة»، بهذا السياق تأسس ذهنيا، على ازدراء المسيحى لأنه مسيحى، والشيعى لأنه شيعى، والبهائى لأنه بهائى، كما تأسس ذهنيا على ازدراء المرأة لأنها امرأه، والبدوى لأنه بدوى، والنوبى لأنه نوبى.
المستشار ابن مجتمعه، يتساوى مع البلطجى الذى سكب البنزين على هلال فى التأسيس الذهنى، ويتفوق عليه خطرا فى أنه أضاف على هذا التأسيس منطقا شرعيا وتخريجا فقهيا، يجعله يتلمس الرضا والحسنات فى ازدراء المغايرين دينيا أو على الأقل تجنب الاختلاط بهم أو مجالستهم.
المسألة ليس لها علاقة بالمسلمين كونهم مسلمين، فليس كل مسلم طائفيا، والحقيقة أنه ليس كل مسيحى ضحية، لكن لها علاقة بالحضارة، وتلك المنطقة الرابضة فى محيط يفتقر إلى الحضارة كنموذج ثقافى لا تنتج إلا طائفيين ومتعصبين، فإذا سألت نفسك: ماذا لو كانت أغلبية هذا البلد مسيحيين أرثوذكس؟
وقبل أن تجيب أريدك ان ترصد النظرة الحقيقية العقائدية التى ينظر بها الأرثوذكسى إلى الآخر، سواء كان مسلما أو مسيحيا كاثوليكيا أو انجيليا أو حتى من الإخوة البلاميس، وكما تجد بين المسلمين شيوخ فتنة يغذون أتباعهم على كراهية الآخر، هناك قساوسة كراهية يتبادلون التكفير والتأثيم مع غيرهم من الطوائف، وازدراء طائفى مكتوم بين أبناء هذه الطوائف.
لا أكتب هذا الكلام لأظهر قدرا من الحياد، بقدر أن تفهم أن الدولة كإدارة إذا كانت جزءا من الأزمة فهى الجزء الأخير، المكلف بتطبيق القانون، وحماية جميع المصريين أيا كانت عقائدهم، لكن المجتمع الذى يلوم امرأة تعرضت للتحرش حتى لو كانت مجنى عليها بوضوح أمام القانون لأنه ينظر لها بازدراء، هو الأصل، وخطابات الكراهية هى الأساس، تلك التى حركت مسلمين متعصبين، بعد مشاجرة عادية بين مسلم ومسيحى فى الخصوص، التقطها شيخ جامع متعصب، فتنادى على المسلمين بالجهاد، فخرجوا يقتلون المسيحيين لأنهم مسيحيون ويحرقون بيوتهم ومصالحهم وكنائسهم، رغم عدم تورطهم فى المشاجرة الأساسية، ثم استوقفوا الشاب هلال صابر الذى لا علاقة له بالأحداث ولا العنف، وسكبوا عليه البنزين وأحرقوه فغادر متأثرا بحروق نسبتها 80% حسب تقرير لمجلس حقوق الإنسان.
ما قيمة أن تمتلك دولة قوية ناجزة تحترم القانون، وهذا الفرز الطائفى المجتمعى حاصل، وهذه الكراهية تنمو داخل المجتمع حتى تجذرت وبات اقتلاعها صعبا، كانت دولة مبارك بكل هيمنتها الأمنية عاجزة، وبذات حلولها العرفية الديكورية التافهة تسير دولة مرسى، لكن الجديد أن فى أركان دولة مرسى وربما مرسى ذاته، مصابين بذات الأمراض الاجتماعية الطائفية، وإلا ما اعتبر مستشار رئاسى أن زيارة رئيس كل المصريين للكنيسة «فعلا أسود»، وحمل مساعد آخر للرئيس الأقباط مسئولية العنف الذى أدى لاقتحام الكاتدرائية وهى أقدس مكان عندهم داخل مصر، وما بدت المسافة بين الرئاسة ومن أحرقوا هلال صليب هلال، ضئيلة إلى هذا الحد؟!