«المحكمة وقد استقر فى وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان ليحدث من تلك الفئة من العمال وقد كانت مثالاً للالتزام والتضحية إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة، والمعاناة الحقيقية للحصول على ضروريات الحياة، لتهيب بالدولة العمل على سرعة رفع المعاناة عن كاهل فئات الشعب المختلفة، حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء. وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن التهم المسندة إلى المتهمين جميعا تكون قد تخاذلت فى أساسها القانونى والواقعى، وتقوضت لذلك أركانها، الأمر الذى يلازمه البراءة».
كانت هذه الكلمات من حيثيات الحكم التاريخى الذى أصدرته محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، ببراءة 37 متهماً فى قضية إضراب سائقى القطارات عام 1986.
إضراب عام 86 الشهير كان أحد المحطات البارزة فى مسيرة طويلة من الاحتجاجات والإضرابات التى قام بها عمال وسائقو الهيئة من أجل مطالب معيشية أو وطنية.
أول إضراب كبير لعمال السكة الحديد كان فى أكتوبر1910، ووقعت مواجهات عنيفة بين الشرطة وبين العمال وأسرهم. رغم أن التنظيم النقابى كان محظوراً فى مصر بحكم سلطة الاحتلال البريطانى، لكن العمال كانوا قد كونوا منذ عام 1908 نقابة سرية أطلقواعليها اسم «الجمعية السرية لبؤساء السكة الحديد»، كما قام الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل بتشكيل «نقابة الصنائع اليدوية» التى كان أغلب أعضائها من عمال السكة الحديد.
بعد الإضراب أعلن عمال السكة الحديد فى يناير 1911 أول تنظيم نقابى علنى لهم أطلقوا عليه اسم «جمعية عمال عنابر السكة الحديد بالقاهرة»، وهو ما انضوى بعدها تحت لواء النقابات المشكلة عام 1924 ، حين تأسس أول مشروع اتحاد النقابات عموم القطر المصرى.
فى عام 1931 وقع إضراب عنابر السكة ببولاق والورش الأميرية، الذى أسفر عن مواجهات سقط بها قتلى وجرحى، وعلى أثر ذلك قرر إسماعيل صدقى باشا الملقب بسفاح الشعب بسبب ولائه للإنجليز فصل 400 عامل، وقام أيضاً بحل نقابة عمال السكة الحديد التى كانت قد نشأت عام 1924، عام أول قانون لاتحاد نقابات عموم القطر المصرى.
أسس العمال عام 1935 «الرابطة العامة لسائقى القطارات وعمال الحركة» وهى الرابطة التى ظلت قائمة رسمياً رغم سماح عبدالناصر منذ 1864 بتأسيس النقابات.
كان للرابطة دور رئيسى فى تنظيم إضراب عام 1982، حين نظم سائقو القطارات إضراباً جزئياً قاموا فيه بتأخير جميع القطارات لمدة ساعتين، وذلك لتحقيق مطالب تخص رفع أجورهم، وضمان التأمين الصحى والاجتماعى والسكن والزى.
طيلة ثلاث سنوات لم تف الحكومة بوعودها، لذلك فى 2 يوليو 1986، يوم الاجتماع الشهرى للرابطة، احتشد أكثر من 300 سائق فى مقر الرابطة، وأعلنوا البداية الفورية للإضراب، والاعتصام بالمقر حتى حضور وزير النقل ليناقشهم.
تم تحديد موعد 7 يوليو للقاء بالوزير، واحتشد فى صباح ذلك اليوم حوالى 1000 سائق وعامل، لكن عدم حضور أدى لتوسع الإضراب وشل حركة القطارات.
اقتحمت قوات الأمن المركزى مقر الرابطة فى فجر 8 يوليو، وألقت القبض على جميع المعتصمين. تم إطلاق سراح السائقين بعد أيام باستثناء 37 سائقاً منهم قادة الرابطة، وتم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، والتى أصدرت حكمها التاريخى ببراءتهم، لكن الرابطة تم حلها بعد ذلك بقرار إدارى.