يعد دستور مصر الحالى الصادر فى 2012 فى استفتاء دستورى حقيقى وتحت اشراف قضائى كامل، من اهم ايجابيات ثورة 25 يناير، وبه انتقلت مصر من الشرعية الثورية الواقعية للشرعية الدستورية، ونصت المادة (236) منه على الغاء جميع الاعلانات الدستورية منذ قيام الثورة وحتى اقرار الدستور، ويبقى نافذا منها ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة، والمعروف أن الاعلانات الدستورية تصدر بعد اسقاط الدساتير والسلطة الحاكمة عقب الثورات وتختص بها السلطة الواقعية التى تدير شئون البلاد كالمجلس العسكرى، على الرغم من عدم وجود نص دستورى يسمح بذلك، وانتقلت السلطة الواقعية للرئيس المنتخب، فصدر عنه اعلان دستورى فى اغسطس ثم الاعلان الدستورى فى 21 نوفمبر الماضى، والذى نص فى مادته الثالثة على تعيين النائب العام لمدة اربع سنوات، تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى، وتم تعيين النائب العام الحالى استنادا للنص الدستورى، لأن النائب العام السابق عين 2006م وبالتالى لا يمكن استمراره فى منصبه، ويستمر الاثر القانونى لنص المادة الثالثة من الاعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر الماضى استنادا لنص المادة (236) من الدستور والذى صدر بإرادة السلطة التأسيسية الاصلية وهو الشعب المصرى، ويستمر النائب العام الحالى فى منصبه حتى استكمال مدته، وهذا ما ذهبت اليه محكمة جنح مستأنف (الازبكية) حيث ذهبت فى حكمها الصادر فى 24/2/ 2013 الى ان قرار تعيين النائب العام الحالى صحيح استنادا للاعلان الدستورى الصادر من سلطة شرعية منتخبة تختص بإصدار اعلانات دستورية كسلطة حكم بدلا من المجلس العسكرى والذى اصدر بدوره عدة اعلانات دستورية كسلطة واقعية، التزم القضاء المصرى بها جميعا. أما عن حكم استئناف القاهرة (دائرة رجال القضاء) والذى قضى ببطلان تعيين النائب العام طلعت ابراهيم فقد اسس على عدم الاعتراف بالاعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر الماضى واعتبرته قرارا اداريا يمكن للمحكمة الغاءه، مخالفة بذلك حكم جنح مستانف الأزبكية، النهائى والبات والمعروف أن الحكم الجنائى يقيد الحكم المدنى ومحكمة استئناف القاهرة فى هذا الطعن تعد محكمة أول درجة استثناء وحكمها الصادر لا يعد حكما باتا ونهائيا وبالتالى غير واجب النفاذ، حيث تنظر الطعن لاول مرة، وهذا التعديل أدخل على المادة (83) عام 2006 من قانون السلطة القضائية بعد حكم الدستورية العليا والذى قضى بأن يكون طعن رجال القضاء على درجتين، ويكون الطعن على حكم محكمة أول درجة خلال ستين يوما أمام محكمة النقض، وما هذا ما جرى عليه العمل منذ عام 2006 وحتى الآن.
والخلاصة: أن اجراءات تعيين النائب العام الحالى تمت وفق الاعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر والذى تحصن أثره القانونى بالمادة (236) من الدستور، ونرى أن حكم استئناف الازبكية، حكم يتفق مع النصوص الدستورية والتشريعية فوظيفة القاضى العادى تطبيق النص التشريعى وعدم الخروج عليه أو النزول بالنص الدستورى الى مرتبة القرار الادارى، فوفقا للمعيار الشكلى فقد نشر الاعلان الدستورى فى الجريدة الرسمية وصدر من السلطة المنتخبة والتى ندير شئون البلاد، ووفقا للمعيار الموضوعى فقد تناولت مواد الاعلان الدستورى تنظيم بعض السلطات التى تخص السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأخيرا نلفت الانتباه الى أن المادة (173) من الدستور تمنع عودة النائب العام السابق والذى تجاوز أكثر من ستة أعوام فى منصبه، وبالتالى ليس له مصلحة فى الدعوى وكان الأولى رفض طعنه، وما يثير الدهشة أن النظام البائد انحرف بالدستور والتشريع من خلال تعديلات دستورية عديدة لتثبيت الحكم المطلق وباستفتاءات مزورة واخنيار النائب العام كان يخضع لاعتبارات سياسية وأمنية وسلطة مطلقة لمبارك ولم يعترض الكثير من القضاة، وأما الآن فإن اختيار النائب العام من سلطة المجلس الاعلى للقضاء فى سابقة لم تحدث فى اية دساتير سابقة على دستور 2012، كما يكفل الدستور استقلالا حقيقيا للسلطة القضائية وإعمال مبدأ الفصل بين السلطات.
وما نرجوه ضرورة تعديل قانون السلطة القضائية حتى تتفق النصوص التشريعية مع النصوص الدستورية سواء ما يتعلق من اجراءات تعيين النائب العام، واعمال قواعد الجدارة والتميز العلمى ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة فى التعيين وسن الاحالة للمعاش.
كاتب المقال حاصل على الدكتوراه
فى القانون الدستورى والنظم السياسية وعضو اللجنة القانونية