تحل الذكرى الخامسة لانتفاضة المحلة 2008، ودعوة حركة 6 أبريل للمرة الأولى لتصعيد أوجه المقاومة السلمية لنظام مبارك، وسط أجواء من الانقسامات التى تضرب الحركة التى حمل نشطاؤها عبء الدعوة وتبنوا احتجاجات عمال مدينة المحلة. وتحل الذكرى الخامسة فى الوقت الذى جددت فيه عناصر من الحركة دعواتها لتصعيد الاحتجاج ضد الرئيس محمد مرسى لإسقاطه، وهى الدعوة التى رآها خبراء غير ذات جدوى لأن تأثير الحركة فى الشارع تغير.
وانتقد الخبراء الذين تحدثت إليهم «الشروق» مسار الحركة وانقساماتها متهمين النشطاء فيها بعدم تجديد أساليبهم، وهو ما رد عليه مؤسسو الحركة، كاشفين عن آفاق جديدة لمستقبل تحركاتهم.
«الشروق» التقت مؤسسى الحركة، وأحد المنشقين، كما رصدت نقاط الشرارة الأولى فى ميدان الشون بالمحلة فى هذا الملف..
على الرغم من مرور 5 سنوات على انتفاضة 6 أبريل 2008 فلم يختلف الحال كثيرا، فى حرب الشوارع التى شهدتها المحلة فى 6 إبريل 2008، بعد لجوء جحافل الأمن المركزى لسياسة «الحديد والنار» لإجهاض مظاهرات أهل المدينة، الذين أسقطوا صورة الرئيس المخلوع وداسوها» بأحذيتهم غضبا واحتقانا للمرة الأولى بعد أن «أكل الجوع بطونهم».
لم تهدأ نار ميدان الشون، معقل انتفاضة 2008، فلم يتحقق الكثير مما نادوا به منذ 5 سنوات من لقمة عيش نظيفة وحياة كريمة.
ميدان الشون.. هنا اندلعت شرارة الثورة
انهمك الرجل السبعينى فى إصلاح الساعات أسفل العمود الأسمنتى الضخم الذى يتوسط ميدان الشون بالمحلة، لم يلتفت الحاج فاروق إبراهيم لحركة المارة والسيارات التى تحركت بعشوائية فى الميدان الذى خلا من أى عسكرى ينظم حركة المرور فيه، مثلما لم يأبه، أيضا، لما كتبه المتظاهرون على العمود الذى يجلس ٍأسفله من عبارات تطالب الرئيس بالرحيل والقصاص للشهداء وتحذر من اليأس لأنه «خيانة للثورة» التى قطع أهل مدينته شوطا كبيرا فيها بدأ منذ خمس سنوات، هنا، فى الشون أو «ميدان الثورة» كما يسميه.
«كنت موجودا يوم 6 إبريل 2008 والناس كانت جعانة ومش لاقية لقمة العيش عشان كده جينا الميدان»، يقول الحاج فاروق، وتابع: «الأمن ملا الميدان بالمدرعات وضرب الكل مافرقش بين ست وراجل، وفرقنا بالنار والغاز، الحمد لله ربنا نجانى بعدما شفت الموت بعنيا عشان أربى عيالى».
«مفيش حاجة اتغيرت، الناس جاعت أكتر من الأول، محققناش حاجة من إللى طلعنا عشانها فى 2008»، أكمل الرجل السبعينى، الذى يعول أسرة مكون من زوجة و6 أولاد، بنبرة يملؤها الأسى، ثم توقف ليرد على أحدهم جاء ليصلح ساعته قائلا: «متخافش الحجارة ب 3 جنيه»، ثم عاود الحديث بنظرة ذات معنى من وراء نظارته البالية: «الحال واقف والغلا على الكل والناس غلابة وبتمشّى يومها بالعافية».
وتابع: «كنت بأكسب 100 جنيه فى اليوم، دلوقت لو جبت 20 جنيه يبقى رضا من ربنا»، وتساءل بحزن «إحنا عملنا ثورة ليه؟ عشان ناخد 3 أرغفة عيش فى اليوم ولا عشان نموّت نفسنا فى طوابير السولار، ولادى مش لاقيين شغل مع إن معاهم شهادات».
«وقف حال»
كان لباسم محمد، الذى يعمل بأحد المحال المطلة على الميدان، رأى مختلف فقال إن المظاهرات التى يشهدها الشون يوم الجمعة من كل أسبوع «نذير شؤم»، مشيرا بيده إلى آثار الاعتداء على واجهة المحل خلال الاشتباكات بين من وصفهم ب «البلطجية» والأمن مؤخرا.
«يرضى مين إللى بيحصل ده؟»، تساءل باسم الذى قال إنهم يضطرون لإغلاق المحل أيام الجمعة خوفا من اقتحامه من قبل البلطجية، فضلا عن انتشار رائحة الغاز الذى يملأ الميدان»، حسب روايته، مضيفا: «الحال واقف، لازم ندِّى الرئيس فرصة عشان يصلِّح البلد، كفاية الخراب إللى إحنا فيه».
«6 أبريل»
فى مقرهم الكائن بأحد الأبنية المطلة على «الشون» عكفوا على إعداد خطة تحركهم لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لإضراب 6 أبريل، ولكن هذه المرة لمطالبة الرئيس محمد مرسى بالرحيل، حسبما أكد منسق الحركة بالغربية مصطفى أمين.
مصطفى قال «كان أمام الرئيس طريقان، إما أن يتخذ إجراءات تحقق العدالة الاجتماعية ليرضى الشعب، أو أن يتصالح مع خصومه السياسيين من قوى المعارضة، لكنه للأسف لم يسلك أيا من الطريقين، ولجأ لأخونة الدولة فى محاولة منه للسيطرة على مفاصلها كما فعل الحزب الوطنى قبل الثورة».
وعاد مصطفى بذكراته 5 سنوات للوراء عندما وقف والمئات من أهل المحلة، بميدان الشون، يملأهم الغضب والاحتقان من تدنى ظروفهم المعيشية وطالبوا بتحسين جودة الخبز وتوفير أنابيب البوتاجاز، «أهل المحلة كانوا بيكرهوا حسنى مبارك لأن أغلبهم كانوا من الطبقة المتوسطة التى تآكلت تماما، فتحولوا لفقراء بسبب الظلم والفساد الذى ساد عهد الرئيس المخلوع»، قال مصطفى.
«وقائع التجويع والفساد والقمع والإرهاب» التى عاشتها المحلة قبل وبعد إضراب 2008 لا تزال محفورة فى ذاكرة أهلها، بحسب تعبير مصطفى، الذى قال «لن نرضى بعودة الحال كما كان قبل إضراب 2008 وثورة 25 يناير، كنا أول من أسقط صورة الطاغية حسنى مبارك يوم 6 إبريل 2008 ودهست بعدها بالأحذية، وكنا أول من هتف بإسقاط النظام ظهر يوم 25 يناير 2011 رغم اكتفاء المتظاهرين فى باقى محافظات مصر بالمطالبة بإقالة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى فى البداية».
وتابع: «على الرئيس مرسى أن يأخذ عبرة من الغضب الشعبى الذى اندلع فى المحلة عام 2008 بسبب الفقر والجوع وتدنى ظروف المعيشة، وعليه أن يجرى بعض الإصلاحات الاقتصادية خاصة أن الثورة نادت بالعيش والعدالة الاجتماعية».
حلم الشهيد
لا يطلب الكثير فأقصى ما يحلم به أن يعامل ابنه معاملة شهداء ثورة 25 يناير، إنه الحاج على مبروك حماده والد الشهيد أحمد الذى استشهد فور إصابته برصاصتين فى الرأس خلال وقوفه فى شرفة منزله يوم 7 إبريل 2008.
روى الحاج على واقعة استشهاد ولده قائلا «أسرع أحمد للشرفة عندما سمع صوت إطلاق أعيرة نارية فى الشارع، حيث طارد الأمن المتظاهرين من ميدان الشون إلى حى الجمهورية الذى نعيش فيه وكان الضباط يطلقون النار بشكل عشوائى فاستقرت طلقتان فى رأس أحمد رغم أننا نسكن الدور الثالث».
وتابع بأسى «سقط أحمد غارقا فى دمه بعدها بلحظات قليلة»، مضيفا «كشف أحد العساكر هوية الضابط الذى قتل ابنى واسمه محمد يوسف، وعندما ذهبت للسؤال عنه فى قسم المحلة أبلغونى أن الوزارة نقلته للعمل فى مكان آخر».
تجدد أمل الأب الملكوم فى القصاص من قتلة ولده بعد اندلاع الثورة، «طالبت بفتح التحقيقات من جديد فى واقعة قتل أحمد، وشهيدين آخرين سقطا فى نفس الأحداث هما أحمد السيد نونو ورضا النجار، لكنهم تجاهلوا مطالبى كأن ثورة لم تقم دفع ثمنها شهداء جدد»، يقول الحاج على بأسى.
«الحكومة رفضت التصديق على طلبى بالانتقال لأحد شقق محافظة الغربية، لعدم قدرتى على الإقامة فى الشقة الحالية التى استشهد فيها أحمد، على الرغم من موافقة محافظ الغربية على الطلب فى 20 يوليو 2011»، مأساة جديدة يعيشها الحاج على الذى أبدى حزنه على عدم معاملته كأسر شهداء 25 يناير.
قرر والد الشهيد المشاركة فى احتجاجات إحياء الذكرى الخامسة لإضراب 2008 لمطالبة الرئيس مرسى بالوفاء بوعوده والقصاص من قتلة الشهداء، «ليس شهداء ثورة 25 يناير فقط، ولكن جميع الشهداء خاصة شهداء المحلة التى شهدت ميلاد الثورة»، حسب تأكيده.
طريق الحرية اعتقال وتعذيب
رغم مرور 5 سنوات على واقعة تعرضه للاعتقال والتعذيب بسبب تصويره «الجرائم» التى ارتكبتها قوات الأمن بحق أهل المحلة فى 6 إبريل 2008، إلا أن ما تعرض له بمعتقلات الرئيس المخلوع مازالت محفورة فى ذاكرته، فجلس يرويها فى مكتبه بمقر حزب «الحرية والعدالة» بالمحلة المحاط بسور حديدى يفصله عن باقى الوحدات السكنية فى البناية المطلة على شارع البحر الذى يبعد بضعة أمتار عن ميدان الشون، مسرح الاحتجاجات المناهضة للرئيس محمد مرسى مؤخرا.
إنه الدكتور ممدوح المنير، المتحدث الإعلامى لحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والذى كلفته الجماعة بتصوير اعتداءات الأمن على أهل المحلة وتوثيقها، ما تسبب فى اعتقاله فى الثالثة والنصف من فجر يوم 8 إبريل 2008، بسبب فضحه لانتهاكات الأمن فى وسائل الإعلام، فى الوقت الذى حاول النظام السابق التعتيم على هذه الجرائم وإيهام الرأى العام بأن الأوضاع هادئة فى المحلة، حسب روايته.
«كنت أول من كشف عن سقوط أول شهيد فى المحلة، الشهيد أحمد على مبروك، برصاص الأمن على مدونتى الإلكترونية، فوجئت بعدها بساعتين بقدوم زوار الفجر لاعتقالى»، قال المنير.
وأضاف «هنا بدأت رحلة العذاب فى سجون ومعتقلات الرئيس المخلوع، التى استمرت 7 شهور، حيث تم اقتيادى لجهاز أمن الدولة بالمحلة وتم إيداعى فى زنزانة «متر X متر ونصف» مليئة بالماء والحشرات والمخلفات الآدمية، ومنعوا عنى الطعام وغطوا عينى بعصابة سوداء».
وأكمل المنير «تم صعقى بالكهرباء فى أنحاء متفرقة من جسدى لإجبارى على الاعتراف بتورط الإخوان وفى مقدمتهم المهندس سعد الحسينى، الذى كنت أعمل منسقا إعلاميا له فى ذلك الوقت، فى التحريض على أعمال العنف التى شهدتها المحلة فى ذلك الوقت».
«الحرية والعدالة»: التحقيق مؤجل
قال المنير إن «حزبه أرتأى تأجيل التحقيق فى أحداث العنف والتعذيب التى وقعت قبل الثورة، خاصة فى المحلة، لأن الوقت غير ملائم لفتح التحقيقات خشية الاصطدام بالأجهزة الأمنية وجهاز الأمن الوطنى، الذى حل محل جهاز أمن الدولة «المنحل»، فى ضوء عدم استقرار الأوضاع الأمنية».
«هذا لا يعنى إغلاق الملف، نصر على محاسبة القيادات الأمنية المتورطة فى التنكيل بأهل المحلة والإفراط فى استخدام العنف لإجهاض احتجاجتهم آنذاك، ما أسفر عن سقوط 3 شهداء وعشرات المصابين»، فى الوقت المناسب»، أكد المنير.
فرقاء الميدان
«تجمعنى بالعديد من النشطاء المناهضين للإخوان علاقة قوية، منهم الناشط محمد مرعى، الذى اعتقل وأودع فى الزنزانة المجاورة لى فى أمن دولة المحلة عام 2008، رغم اختلافى السياسى معه»، يقول المنير.
وأضاف «إلا أن الأزمة الحقيقية تتجسد فى رفض بعض الرموز السياسية وجود أى رئيس إسلامى، على الرغم من انحياز الشعب للمرجعية الإسلامية فى كافة الاستحقاقات الانتخابية».
مضيفا «نرحب بأى مظاهرات سلمية حتى لو انتقدت الجماعة والرئيس، لكننا نطالب الجماهير بعدم اللجوء للعنف».
عمال غزل المحلة «محلك سر»
بمجرد اقتراب عقارب الساعة للثالثة والنصف عصرا علا صوت صافرة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة لتعلن انتهاء وردية العمل، ليتدفق بعدها العمال خارج أبواب المصنع عائدين إلى منازلهم بعد يوم طويلا من العمل.
وعلى الرغم من كونهم أصحاب الدعوة الرئيسية للإضراب داخل المصنع عام 2008 فإن جزءا كبيرا من مطالبهم لم يتحقق رغم مرور 5 سنوات تقريبا، فما زال عمال المصنع يتقاضون أجورهم ب «المليم» رغم انتهاء المعاملات المالية بهذه العملة، بحسب تعبير القيادى العمالى كمال الفيومى.
«عدم وفاء الرئيس بوعوده بتطبيق الحد الأقصى للأجور» ضاعف من غضب الفيومى الذى قال إن اتخاذ هذا القرار سيوفر ميزانية ضخمة لتمويل الحد الأدنى لأجور العمال المعدمين الذين يتقاضون رواتب أقل من 1200 جنيه، على حد تعبيره، محذرا الرئيس من «اندلاع ثورة جديدة إذا لم يف بعهوده بتحقيق العدالة الاجتماعية».
وهنا التقط وائل حبيب، القيادى العمالى، طرف الحديث ليتساءل «لا نعلم لماذا يعرقل خالد الأزهرى، وزير القوى العاملة الحالى، مشروع القانون الجديد للنقابات المهنية، رغم مشاركته فى إعداد مشروع القانون مع الوزير السابق أحمد البرعى؟».
وهو ما دفعه للتأكيد على مشاركتهم فى الاحتجاجات التى ستشهدها المحلة فى ذكرى مرور 5 سنوات على إضراب 2008 «لاستكمال رحلة البحث عن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، حسب تعبيره