"تحية اجلال وتقدير تقدمها الوادي لشهداء انتفاضة المحلة الكبري لإضراب السادس من أبريل 2008 وهم أحمد مبروك وأحمد السيد ورضا متولى" الذين لم يعرفهم أو يسمع عنهم أحد أو يحمل لهم الشكر والتقدير علي مدار السنوات الأربع الماضية، رغم أنهم كانوا بمثابة مفجري الشرارة الاولي التي انطلقت منها شعلة ثورة 25 يناير العظيمة التي أسقطت الفرعون ورموز نظامه حينما كسروا حواجز وحوائط الخوف والصمت في قلوبنا-نحن المصريين- لعقود طويلة وقد بدأت العاملات الانتفاضة العمالية فى المحلة فى ذكرى هذا اليوم، مرددين "الرجالة فين...الستات أهُم؟ فتعالت صيحات وهتافات جموع العاملين بشركة الغزل والنسيج "سامع صوت المكن الداير، بيقول بس كفاية مذلة وعار،باعوا الشركه باعوا العمال هدوا كل الي بناه جمال، من النهارده الصمت محال قلنا كفايه مع العمال، ضحكوا علينا وقالوا تخريب سجن وضرب مع التعديب،مش هنقول كدبه ابريل دي انتفاضتنا مع العمال" ، نفس الصوت الذي خرج من عمال المحلة الكبري كان يدوي فى حلوان، وهم يرددون شيدي الحيل يا محلة،عاش نضال الشباب، عاش كفاح العمال، عاشت ثورة شعب. ومن سمع ليس كمن رأى و ليس من رأى كمن عاش الواقع و لمس بيديه و جرى برجليه ونطق بشهادتيه على أنه ملاق حتفه في ساعته وهذا ما قامت به الوادي خلال تلك الشهادات الحية لثلاثة من القيادات العمالية بشركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبري وكانت البداية كما يؤكد محمد الفيومي –القيادي العمالي البارز، يوم الجمعة تحت عنوان(شعب يعي ما يحدث حوله)بعد الأنباء العديدة التي ترددت في الأوساط العمالية عن مهزلة المحليات وحسمها لصالح الحزب الوطني برعاية المسجلين خطر و معتادي الإجرام ليسوا في السجون مما ينبئ بأن الحزب الوطني سوف يستعين بهم لتقفيل اللجان الإنتخابية كالعادة حسبما يروي الفيومي، بيد أن أخبار الإضراب ملء السمع و البصر والناس بين مؤيد للفكرة محبط من الأوضاع و معترض على الفكرة بحجة (احنا مش لاقيين ناكل عشان نبطل شغل). ويوم السبت تحول الشعار الرئيسي إلي (من النهارده مافيش حكومة مباحث أمن الدولة هما الحكومة) بعد انتشار المخبرين و العسس في شوارع المدينة العمالية وميدان الشون بالمحلة حيث يدورون بالمحال التجارية الكبيرة محذرين من مغبة الإضراب و مشددين على أصحابها التواجد من الصباح الباكر مؤكدين أن "محمد بيه حمودة رئيس المباحث بيقول بكره فيه شغل واوعوا تقفلوا" هذا بخلاف سيارات الأمن المركزي التي بدأت في التواجد بالمدينة منذ المساء وقد كانت قناعة الناس في ذاك اليوم أن الإضراب سيكون مجرد امتناع عن العمل لبعض الوقت و عند الساعة الثانية عشرة أو الثالثة ظهرا سيقوم مجموعة من الناشطين السياسيين بعمل وقفة احتجاجية لمدة نصف ساعة أو ساعة في ميدان الشون ثم يذهب كل الى حال سبيله كما حدث كثيرا. لكن يوم الأحد كان بمثابة (يوم الإستفزاز) حيث بدأ اليوم بشكل عادي جدا من لم يذهب الى مقر عمله آثر البقاء بالمنزل تحسبا لما من الممكن أن يحدث حيث أن التواجد الأمني ينبئ بشئ خطير على وشك الحدوث وخلال الرابعة عصرا خرجت و ردية العمال و انضم بعضهم الى المتجمعين في ميدان الشون بسبب أن طرق ذهابهم الى بيوتهم تمر من هناك ففوجؤوا بعدم وجود مواصلات فاضطروا للإنتظار و للعلم فإن الميدان ليس كبيرا للدرجة المتوهمة فإما أن تقف في مكان انتظار سيارات الأجرة و التي احتلته عربات الأمن المركزي و إما أن تقف على الأسفلت الذي احتله المحتجون الذين لم يعدوا على أن رددوا بعض الهتافات وبجوار ميدان الشون منطقة غاية في العشوائية اسمها الجمهورية خرج أهلها الى الميدان حتى ينظروا ما الذي يحدث فبدأ الأمن يستاء من كثرة الواقفين وكان ذلك جليا من الطريقة التي بدأوا يتكلمون بها مع الناس محاولين اقناعهم بالإنصراف حتى قرر بعض الضباط بأن يضرب أحد الواقفين اللي (مالهومش لازمة) على أساس اضرب المربوط يخاف السايب، على أن السايب لم يخف و بدأ أهل الجمهورية بحس انساني عادي جدا شاهدته بنفسي مرارا و تكرارا في المشاحنات التي تملأ مباريات الكرة و بالذات عندما يقرر الأمن أن يخرج أحد المتفرجين من الملعب . في البداية بدأ الأمن المركزي في إلقاء القنابل المسيلة للدموع على الجماهير المتوترة لتفريقها فبدأ الأطفال المهووسون بما يشاهدونه على الشاشات بإلقاء الحجارة و بقايا القنابل على أفراد الأمن و العربات المصفحة لكن أهالي المحلة الكبري يدركون جيدا معنى أن يقوم لص بافتعال خناقة في وسط السوق فينشغل الناس لبعض الوقت ثم فجأة تنتهي الخناقة كما بدأت و لا أثر لضرب أو إصابات بيد أن الأصوات تبدأ في التعالي (محفظتي ،موبايلي، اسورتي) فما بالك بخناقة قيها الآلاف المؤلفة من المشاغبين الصغار انه أفضل غطاء وبدأ الجرحى يتساقطون من جراء اصطدام القنابل بأجسادهم واصابات أخرى ناجمة عن اطلاق الرصاص المطاطي، فضلاً عن اصابات أخرى لم يفهمها الناس بيد أن جارا طبيبا في المستشفى العام أكد للفيومي أنه رأى مصابين بقذائف غريبة ماتلبث أن تصطدم بشئ حتى تنتثر منها شظايا بلاستيكية ملتهبة فدخلت سيارة اسعاف بعد طول انتظار وأفسح الجميع لها المجال ونزل منها أشخاص بزي مدني بدأوا يسحبون الأفراد العاديين و ليس المصابين إلى داخل السيارة و عندما تنبه لهم الجموع بدأوا بضربهم ثم قاموا بتكسير السيارة أما المصابين فبدأ الأهالي بنقلهم على أكثر المواصلات توفرا في هذه الظروف الدراجات البخارية وقام بعض المتطوعين بالرجوع الى منازلهم و جلب موتوسكيلاتهم الخاصة حتى يساعدوا في عمليات نقل المصابين الذين طلب العديد منهم ألا يتم نقله الى المستشفى العام حتى لا يكون تحت طائلة الأمن وخلال سيرنا في احدى المناطق الهادئة أحد المارة سأل أحد الضباط (ينفع اللي بيحصل دا يا با شا ) فكان الرد عجيبا (عايزين تستفزونا و نسكت)؟ ويضيف الفيومي أن الشعار الرئيسي ليوم الإثنين كان (حكومة قتل الشعب) حيث بدأ اليوم عاديا فنزل لأتفقد الشوارع وما حدث بالأمس بعض أعمدة الإنارة التالفة أصلا قد القيت على الأرض فرع البغل بالصاغة تكسرت واجهته الزجاجية جراء القاء الحجارة و القنابل بيد أن المكان سليم بالداخل فرع آخر صغير للبغل احترق بالكامل و يزعم البعض انه بسبب القنابل المسيلة للدموع و المواد القابلة للإشتعال و ضيق المكان صور الرئيس مبارك فقط تم تخريبها أما اللافتات الأخرى فحدثت بها بعض الأضرار نتيجة الحجارة و القنابل وتجمهر المئات من أهالي المعتقلين أمام قسم أول المحلة المعروف بالبندر يطالبون بالإفراج عن ذويهم والأمن يحاصر المكان و المتجمهرون المائتين تقريبا ينظرون باتجاه القسم و يهتفون بهتافات معظمها لم يردده الكثير و لكن كان من أكثر ما اجتمعوا عليه "أحه أحيه ماسكين عيالنا ليه، سيبوهم سيبوهم مش هانكسر مش هانحدف طوب". وبدأت الدعوات بافتراش الأرض و الإعتصام كل ذلك و المكان يغلب عليه السكون و تجمهر آلاف الطلبة و التلاميذ العائدين من الكليات و الدروس ليشاهدوا ما الذي يجري في حين تحول المكان الى متحف أخرج فيه الجميع هواتفهم المحمولة و بدأوا في تصوير ما بدا و كأنه بداية اعتصام حتي سمع الجميع صوت بوق غليظ فالتفتوا الى الوراء فوجدوا سيارة مدرعة تخترق الجموع فأشار اليها المتجمهرون هاتفين "موتونا مش ماشيين موتونا موتونا" وفجأة ودون مقدمات بدأ الشباب والأطفال المتجمعون بالجري بعيدا عن المكان بسرعة لدرجة انني التفت للحظة بحثا عن أخي الذي كان بجانبي ففوجئت بقنبلة مسيلة للدموع تطير بجانبي فواصلت الجري حتى شارع شكري القوتلي غير البعيد عن المكان وبعد قليل وصل شقيقي واخرون فوقفنا على أول الشارع و بدأنا نشاهد مايجري استجلاء لحقيقة ما يحدث لكن القنابل لم تمهلنا فبدأنا نذهب و نجيء من أول الشارع الى وسطه في رحلات قصيرة هروبا من القنابل. وفي المقابل هتف أحد الصبية الواقفين قائلا (ينفع كده يا جدعان ننضرب و احنا واقفين بنتفرج) ثم أمسك بحجر و ألقاه باتجاه سيارات الأمن فتابعة باقي الصبية في مشهد لم أره في حياتي سوى في أخبار قطاع غزة و جنين و نابلس ولكني لاحظت حينها أن الصبية جميعا يتعاملون مع الموقف بشئ من البهجة المرتسمه على وجوههم بشكل واضح ثم سمعت أحد الصبية يصرخ في آخر(نشن كويس ياد أحسن الطوب ييجي في المحلات احنا عايزين الأمن بس) ثم رأيت أحد الصبية يمسك بقذيفة مسيلة للدموع فور وقوعها الى جواره ثم قام بإلقاءها مرة أخرى باتجاه الأمن فألقى الصبية كل مابأيديهم من الحجارة و بدأوا في التصفيق و الصفير اعجابا ببطولة صاحبهم و بدأوا في الهتاف "ادي اديلوا ادي اديلوا؟"وبدأت الأمور تسوء شيئا فشيئا مع مرور الوقت وازدياد كثافة القنابل فقمت بإقناع شقيقي و اثنين من أصدقاءه التقيناهم صدفة بمغادرة المكان. وكان السؤال العام يوم الثلاثاء (هوا فيه ايه) فحتى السادسة مساءا جاءت أنباء تفيد بوفاة اثنين من العمال وتكتمت الشرطة على الخبر بيد أن الأمن مستتب و التواجد الأمني أخف وطأة من اليومين السابقين و بدأ الإفراج عن العديد ممن اعتقلوا بالأمس . فيما طرح شريف أبو عمر،عامل بشركة كهرباء جنوب الدلتا، مجموعة من الأسئلة الحائرة بعد أن صرحت المصادر الأمنيه صباح الأحد بالقبض على 95 من المحرضين على الإضراب فلماذا لم يلق القبض على 95 من المسجلين خطر و معتادي الإجرام و الهاربين من تنفيذ الأحكام؟ فضلاً عن تصريحات وزير الصحة الأسبق أن المشاغبين قاموا بتحطيم سيارة اسعاف و سرقوا جهاز راديو و صرح المحافظ أن تنظيم سريا للفزب وراء الأحداث التخريب فما هو سر هاتان القضيتين؟ وبعدها قمت منفردا بإقناع ثلاثة أشخاص بمغادرة موقع الأحداث و الذهاب الى منازلهم فكيف لم تستطع كوادر حزب الأغلبية الوطني بإقناع المشاغبين في الشوارع بالمغادرة فما الذي يجعل الطفل في أي مكان بالعالم مسالما يحب اللعب بينما يحب الطفل المصري(الذي كانت ترعاه السيدة سوزان مبارك شخصيا) بالقاء الحجارة و تكسير مصابيح الإنارة في الشوارع؟ وسرقت محتويات مدرسة المحلة الكبري مرتين خلال الثلاث سنوات الماضية و تمت سرقة معهد محلة أبوعلي الأزهري منذ مايقرب الخمسة أشهر فلماذا يتم التعامل مع حوادث السرقة التي حدثت على أنها غريبة على المدينة العمالية؟ ولماذا يصر الجميع على أن أهل المحلة ليسوا هم من قاموا بأحداث الشغب رغم أن المحلة ليس لها حدود جغرافية مشتركة مع أي دولة غير مصر وماذا عن الاصرار الغريب على أن أحداث الشغب امتدت الى تحطيم القطارات رغم أن الأطفال في منطقة الجمهورية لديهم هواية التصويب بالحجارة على القطار أثناء مروره ( و الشاطر اللي يضرب الطوبة و تعدي من الناحية التانية) وذلك منذ زمن بعيد وماذا أعدت الحكومة لعمال الشركة الذين لم يشاركوا في الإضراب و لا أحداث الشغب غير الإشادة بهم ومدي العلاقة بين الإنخفاض الكبير في أعداد قوات الأمن في شوارع المحلة يوم الثلاثاء وانتهاء المواجهات بين الأهالي و الأمن وتحقيق مطالب العمال باثر رجعي. ويروي إبراهيم حجي- قيادي بحركة الإشتراكيين الثوريين- للوادي أنه تم دعوته في فجر الأحد السادس من أبريل 2008 في منتدى عين على الإضراب وما أن وصل إلي هناك حتي وجد مجموعة من الشباب كان عددهم قليل في البداية وبعد ساعة أصبحوا آلاف المتظاهرين بانضمام عمال شركة المحلة الكبري للغزل والنسيج وبدأت معركة الداخلية التي تشبه بالتمام والكمال أحداث ثورة 25 يناير الهجوم على أقسام الشرطة من قبل بلطجية الداخلية، فضلاً عن الهجوم الشديد على المحلات التجارية وسرقتها وإحراق بعض المباني وعمت حالة من الزعر في مصر بعد تسليط أجهزة إعلام مبارك ضد شباب الفيس بوك والمنتديات وهو ما عرف بعد ذلك بشباب 6 ابريل ووصفهم بنفس الصفات والتهم التي وصف بها شباب الثورة 25 يناير، يوم أن تمت البروفه عليه والمحاولات والتحضير له منذ سنوات من شباب وبنات عادين لا علاقة لهم بحزب أو جماعه أو تنظيم ،فلتحيا ثورة عمال مصر أبناء المحلة الاحرار الذين أثبتوا أن مصر لن تموت في يوم من الأيام،ربما تمرض لكنها أبداً لن تسقط .