توقفت منذ إسبوعين عن مواصلة رصد الأحداث التي أدت إلي إنفجار ثورة يناير 2011 .. بدأتها منذ عام 2005 وصولا إلي عام 2008 .. وفرضت علي الأحداث في محمد محمود والإنتخابات البرلمانية لأن أدلي بدوري في هاتين الأمرين، وأعود إليكم اليوم لاستئناف السلسلة في حلقات كما بدأتها. لا أعتقد أن هناك ثورة في العالم كان لها وقت محدد ومعلنة ومرصود من يقوم بالترويج لها من قبل النظام الحاكم وتنجح هذه الثورة وتؤدي غرضها وتطيح بنظام مبارك .. إلا أن الأغرب علي الإطلاق من وجهة نظري أن يكون لهذه الثورة بروفة جنرال علي غرار الذي يحدث من الأعمال المسرحية. المخرج المسرحي يقوم بإجراء بروفة قبل عرض المسرحية علي الجمهور بيوم واحد أو أكثر للإطمئنان علي سلامة عرضه وعلي تنفيذ خطته المسرحية .. لكن أن يحدث مثل هذا الأمر مع الثورة فهو أمرغريب يدعو إلي التأمل وفي نفس الوقت إلي الإندهاش، ففي عام 2008 كانت البروفة الجنرال لثورة يناير والذي لا يعلم ذلك عليه أن يعود إلي التاريخ وأحداث هذا العام ليكتشف صدق ما أقوله. ففي إبريل من هذا العام، وقع إعتصام ما أطلق عليه 6 إبريل وهو ما تشكلت عليه الحركة التي سميت بإسم 6 إبريل والتي قادتها وكانت نجمة لها علي الفيس بوك هي إسراء عبد الفتاح والتي تعرضت فيما بعد لأعمال بطش وتعذيب ولم تجد والدتها إلا أن تقوم بتوجيه نداء إنساني لحسني مبارك للإفراج عن إبنتها، إلا أن هذا الإعتصام الذي دعت إليه مجموعة من الشباب حقق نجاحاً مذهلاً وكانوا يدعون إلي العصيان المدني إعتراضاً علي سياسة النظام والحكومة، وقامت أجهزة الإعلام المرئية والمكتوبة للتصدي لهذا الإعتصام والتنديد لمن يدعو إليه ولم يدركوا أن الوسائل التكنولوجية الحديثة كانت أكثر فاعلية من أبواقهم خاصة بين الشباب الذي تحرك نحو تحقيق العصيان وإن كانت لم تتحقق النية بنسبة مائة في المائة، ولكنها كانت مرضية ومحققة لأهدافها كما حدث في 25 يناير، ولكن .. وعلي غرار ما حدث في جمعة الغضب 28 يناير، حدث في مدينة المحلة الكبري يوم 7 إبريل أحداث متشابهة، كما لو كانت كما ذكرت بروفة كاملة لأحداث جمعة الغضب .. فقد تجمع في هذا اليوم 7 إبريل عشرون ألفاً من أهالي المقبوض عليهم من عمال الغزل والنسيج الذين كانوا استجابوا لعصيان 6 إبريل وتعالت هتافاتهم للإفراج عن ذويهم .. في ذلك الوقت، حاولت قوات الأمن المتواجدة أمام قسم المحلة بإطلاق الغاز المسيل للدموع وكان هدف قوات الأمن في ذلك الوقت هو تفريق المتظاهرين ولكن كانت هذه القنابل شرارة الإنفجار في المحلة مثلما كانت قنابل قوات الأمن التي أطلقت علي المتظاهرين علي كوبري قصر النيل شرارة الغضب لأحداث جمعة الغضب. تفرقت مظاهرة المحلة ولكنها صارت في إتجاهين .. إتجاه منهم توجه إلي منطقة بنزايون، والإتجاه الثاني توجه إلي ميدان الشون .. ونجح الفريقان في ضم الآلاف من أبناء المحلة إليهم وأصبح الموقف أكثر تعقيداً في ظل إستخدام العنف من قبل قوات الأمن تجاه المتظاهرين الذين لم يجدوا سوي الحجارة ليلقوها عليهم رداً علي القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وكأننا نشاهد الأحداث الحقيقية التي وقعت في ميدان التحرير أو الأربعين بالسويس أو القائد إبراهيم بالأسكندرية في أعقاب جمعة الغضب. وفي المحلة .. بدأ يتساقط الشهداء حيث كانت الشرارة الأولي لطفل كان يقف في شرفة أحد المنازل يتابع ما يحدث في شارعه، فأصابت رأسه رصاصة أودت بحياته في الحال .. فكانت الشرارة التي ألهبت حماس المتجمهرين في ميادين المحلة فزاد إصرارهم علي التصدي للشرطة فبدأوا في إحراق الإطارات الكاوتشوك وإلقاء قنابل الموليتوف علي أقسام الشرطة التي احترقت وتعالت حناجرهم بهتاف "إبكي ياأمي في كل مكان .. "قتلوا الطفل وهو جعان" ورصدت أجهزة الأمن التي تابعت هذه الأحداث إحتراق صور مبارك التي كانت تزين الميادين وتمزيقها .. وهناك من قام بضربها بالحذاء وهي المرة الأولي التي يحدث فيها مثل هذا الإجراء تجاه حسني مبارك منذ أن تولي مقاليد الحكم. وللحديث بقية.