يعد منح مقعد سوريا فى جامعة الدول العربية للائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية أهم قرار خرج عن القمة العربية التى عقد مؤتمرها فى الدوحة يومى 25 و26 مارس 2012. يذكرنا هذا القرار بالقرار الذى اتخذته الدول العربية فى 9 سبتمبر 2003 عندما منحت مقعد العراق فى الجامعة العربية إلى المجلس الانتقالى العراقى، على الرغم من توجس عديد الدول العربية وقتها من التدخل الأمريكى فى العراق أولا ومن تشكيلة المجلس الانتقالى ثانيا. والغريب أن العراق هو أحد الدول المتحفظة على منح المقعد للمعارضة السورية. والأغرب أن نظام بشار الأسد كان من المعارضين للاحتلال الأمريكى للعراق ومعاديا للسلطات السياسية المتتالية التى تم تكوينها تحت الاحتلال. وما بين أزمتى العراق وسوريا، أعلن الدكتور نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلال الأزمة الليبية أن المجلس الانتقالى الليبى سيشغل مقعد ليبيا فى جامعة الدول العربية بدءا من 25 أغسطس 2011. وفى كل حالة من الحالات الثلاث، كان لشغل مقعد الدولة فى جامعة الدول العربية عدد من الوظائف أهمها: منح الاعتراف الرسمى الدولى المؤسسى لكيان سياسى وصل إلى الحكم حديثا بطريقة تخرج عن التداول السلمى للسلطة باعتباره ممثلا «شرعيا» للشعب الذى ينتمى إليه، وفتح الطريق أمام حصول المجلس الانتقالى لتمثيل شعبه لدى الدول والمنظمات الدولية الأخرى. ففى الحالة العراقية، لم يمثل المجلس الانتقالى العراق فى الأممالمتحدة إلا بعد صدور قرار جامعة الدول العربية فى 22 سبتمبر 2003، ولم يحصل المجلس الوطنى الانتقالى الليبى على مقعد ليبيا فى الأممالمتحدة إلا فى 17 سبتمبر من العام 2011.
●●●
قد تساعدنا المقارنة بين الحالات الثلاث على تقييم الآثار القانونية والسياسية التى قد تترتب على قرار مجلس جامعة الدول العربية الخاص بمقعد سوريا. ففى الحالتين العراقية والليبية، تم منح السلطة الانتقالية مقعد جامعة الدول العربية بعد سقوط النظام القديم بمعنى اختفائه كسلطة تمارس أعمال السيادة فى البلاد. إذ إنه تم منح مقعد العراق فى جامعة الدول العربية إلى مجلس الحكم الانتقالى بعد اجتياح أجنبى للبلاد واحتلالها وسقوط نظام صدام حسين واختفائه هو وأعضاء نظامه بحوالى ستة أشهر. كما أتى قرار جامعة الدول العربية بعد إعلان الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن انتهاء العمليات العسكرية الأساسية لاحتلال العراق فى 1 مايو 2003 ثم تبنى مجلس الأمن بالأممالمتحدة للقرار 1483 فى 22 مايو 2003 والقرار 1500 بتاريخ 14 أغسطس 2003. وترجع أهمية هذه القرارات إلى إضفائها الصفة القانونية الأممية على وجود قوات التحالف بالعراق ثم الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالى كسلطة حاكمة فى البلاد.
أما فى الحالة الليبية، فقد جاء تغيير النظام فى ليبيا بعد اندلاع ثورة شعبية استخدم النظام ضدها المدفعية الثقيلة مما أدى إلى تبنى قرار مجلس جامعة الدول العربية فى 22 فبراير 2011 بتعليق مشاركة ليبيا فى اجتماعات الجامعة وجميع مؤسساتها، ثم قرار مجلس وزراء جامعة الدول العربية بتاريخ 12 مارس 2011 والذى طالبت فيه الجامعة مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوى ضد الطائرات العسكرية الليبية وإقامة منطقة أمنية فى المناطق المعرضة للقصف، ومن ثم بدأت الجامعة مباشرة بالاتصال بالمجلس الوطنى الانتقالى الليبى. وتلى قرارات جامعة الدول العربية قرار مجلس الأمن بالأممالمتحدة رقم 1970 بتاريخ 26 فبراير 2011 والقرار 1973 بتاريخ 17 مارس 2011 الذين تم تبنيهما تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وقد ترتب عليهما إحالة القضية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية وفرض منطقة حظر جوى على ليبيا مع اتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل حماية المدنيين فيها، وهو ما فسرته الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض القوى الأوروبية باستثناء ألمانيا على أنه يعطى إشارة خضراء لبدء الضربات الجوية على ليبيا وانهاء نظام معمر القذافى حتى تم تحرير العاصمة طرابلس فى 28 أغسطس من عام 2011.
اختلف الوضع فى الحالة السورية، إذ تعذر استصدار أى قرار من مجلس الأمن ينزع عن النظام السورى شرعيته. حين قامت كل من الصين وروسيا باستخدام الفيتو ثلاث مرات على الأقل ضد مشاريع قرارات لمجلس الأمن تدين النظام السورى أو توسع من العقوبات المفروضة عليه. وعوضا عن ذلك، تبنى مجلس الأمن القرارين 2042 فى 14 أبريل 2012 والقرار 2043 فى 21 أبريل 2012، اللذين تضمنا دعوة الجانبين إلى وقف العنف وتنفيذ النقاط الست التى جاءت فى خطة مبعوث جامعة الدول العربية والأممالمتحدة كوفى عنان. كما أنشأ القرار 2043 بعثة الأممالمتحدة للمراقبة فى سوريا التى باءت بالفشل وانتهت فى 19 أغسطس 2012. وعلى الرغم من ذلك، تعاملت الجامعة العربية مع نظام بشار الأسد على أنه نظام انتهى بالفعل. فقد أصدرت الجامعة ثلاثة عشر قرارا ترتب عليها إيفاد بعثة مراقبين ثم تعليق مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية فى اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وحث المنظمات الدولية على الاعتراف بالائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل شرعى للشعب السورى مع تقديم جميع أشكال الدعم المطلوب للشعب السورى للدفاع عن نفسه، وصولا إلى دعوة الائتلاف الوطنى إلى تشكيل هيئة تنفيذية لتسلم مقعد سوريا فى مجلس الجامعة بناء على القرار رقم 7595 بتاريخ 6 مارس 2013، وهو ما تم فى قمة الدوحة.
●●●
ولعل الدفاع عن أهمية التفرقة فى التعامل بين الحالة السورية والحالتين العراقية والليبية يرجع إلى عدة عوامل، أهمها أن النظام السورى لم يسقط ولم تدخل قوى المعارضة دمشق وتكون سلطة حاكمة. كذلك فإن الاجماع الدولى حول طريقة حل المسألة السورية يغيب حتى فى داخل المعسكر المؤيد للمعارضة مما ينذر بأن الأزمة قد تطول. لذلك فإن تعامل الجامعة العربية مع الحالة السورية بنفس منطق التعامل مع الحالتين العراقية والليبية يثير عددا من التساؤلات: لماذا لم ترحب الدول العربية بتعامل إدارة بوش الابن مع المعارضة العراقية فى 2003 ومازالت تتعامل بفتور مع الحكومة العراقية فى حين لم تضع المعارضة السورية فى نفس الخانة على الرغم من تشابه كل من بشار وصدام فى سوء علاقاتهما مع الدول العربية الكبرى؟ هل يرجع ذلك لكون المعارضة العراقية تم احتضانها أمريكيا وأن المعارضة السورية تم احتضانها عربيا؟ أو ليس للولايات المتحدةالأمريكية وغيرها من الأطراف غير العربية دورا فى ميلاد ومساندة هياكل المعارضة السورية؟ أولم تنتصر المعارضة الليبية بفضل العون العسكرى الخارجى؟ وماذا عن منح مقعد لكيانات سياسية أخرى كحماس وحزب الله؟
●●●
ليس الهدف من هذه التساؤلات هو التشكيك فى المعارضة السورية، ولكن يجب لفت النظر إلى أن الاعتراف الخارجى بسلطة سياسية جديدة لا يكسبها الشرعية الداخلية كما تعلمنا من درسى العراق وليبيا. فالمسألة إذا ليست مسألة مقاعد خصوصا فى ظل تصريحات السيد الأخضر الإبراهيمى القائلة بأن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسى. فهل يخدم منح مقعد سوريا إلى المعارضة الصراع فى سوريا؟
أما بالنسبة لجامعة الدول العربية، أين هى حجج القانون الدولى العام التى استند إليها قرار الجامعة؟ وهل سألت الممالك والدول التى أيدت قرار منح المقعد للمعارضة السورية ماذا سيكون مصيرها لو كانت فى نفس موقف نظام بشار الأسد؟ هل الأهم هو صك قاعدة قانونية جديدة لإدارة الأزمات فى إطار جامعة الدول العربية، أم التعامل مع كل حالة صراع بحسب موازين المصالح والقوى بعلة أنه حتى الأممالمتحدة تدير الأمور على هذه الشاكلة؟ لماذا لا نتميز ولو مرة؟