يجتمع محمود، المحاسب بأحد البنوك، مع أصدقائه من بولاق الدكرور وأرض اللواء ليتوجهوا مساء كل أربعاء إلى ملعب «تشيلسي» لكرة القدم الذى يوجد بشارع ترعة الزمر ببولاق الدكرور، ملعب «الخماسي» المصنوع من النجيل الصناعى والذى يبلغ طوله حوالى 40 مترا وعرضه حوالى 20 مترا، تحيطه المبانى السكنية والمقاهى، وتمر أمامه الميكروباصات والتكاتك الذاهبة والعائدة إلى أرض اللواء، ليمثل الملعب أكثر المساحات أناقة فى المكان، عمر الملعب حوالى عشرة شهور فقط، ورغم ذلك أصبح المكان سريعا مقصدا روتينيا أسبوعيا عند محمود وأصدقائه، يقول محمود: «قبل وجوده كنا متوقفين تماما عن لعب الكرة». الملعب مفتوح لأهل المنطقة للحجز، بحيث يمكنك أن تدفع 50 جنيها فى ساعات الصباح و80 جنيها فى ساعات المساء، يشرح محمود أن قيمة الحجز ليست كبيرة خاصة أنه تتم قسمتها على عدد المتقدمين للعب، وبالتالى يدفع كل فرد مبلغا محدودا للغاية. يشير محمود أيضا إلى أن قرب الملعب من بيته هو وأصدقائه وفر عليهم الذهاب إلى نادى، ما جعلهم يتوقفون تماما عن ممارسة الكرة، وأتاح لهم حلا بديلا أيضا غير الجلوس على المقاهى.
تبدأ حكاية ملعب «تشيلسي» بأن صاحب الملعب كابتن أشرف شاهد ملاعب نجيل صناعى بالمقطم فقرر أن يكرر التجربة فى بولاق الدكرور، الأرض التى يستأجرها أشرف قبل أن تصير ملعبا كانت جراجا للسيارات، وكان يعمل به، يقول أشرف: «أنا ألعب كرة من زمان وأحب الكرة، وعندما شاهدت التجربة قررت تكرارها، خاصة أننى عرفت أن النشاط لأنه رياضى فلن تطالبك الدولة بضرائب». يشير أشرف إلى أن الملعب بمثابة مشروع حلال ومساحة لأهل المنطقة كلهم، وإنه هو نفسه يفضل أن يكون ممتلكا لملعب أفضل من الجراج الذى كان يمتلكه، يقول: «الجراج مشاكله كثيرة، ولكن هنا أنا أشعر بأننى أقوم بخدمة للجيران، وهم سعداء بالمكان»، المشروع أيضا يستلزم وجود عمالة تستقبل الحجوزات وتشرف على الملعب، هذا غير نشاط الأكاديمية (أكاديمية الموهوبين) التى تستقبل أطفال الحى وتدربهم على كرة القدم. يقول أشرف إن الدخل الذى يجلبه الملعب شهريا قد يتجاوز 20 ألف جنيه، ولكن ترخيص ممارسة النشاط وأجور العمال وفواتير الكهرباء المرتفعة والصينية قد تأكل الكثير من هذا الدخل ليبقى هامش ربح صغير جدا.
المشروع وفقا لأشرف قد تتجاوز تكلفته 120 ألف جنيه، يتعامل أشرف مثلما يتعامل معظم أصحاب مشاريع ملاعب المنطقة مع شركة بعينها تجلب لهم النجيل الصناعى التركى، الذى تلصقه على الأرض. ويشير أشرف إلى أن هناك أنواعا من النجيل الصناعى المستورد منه الألمانى أو الصينى، فى حين تلتزم الشركة بصيانة الملعب من آن لآخر.
يعلق أشرف على جدران الملعب من الداخل لافتات تطالب بعدم التدخين، خوفا على نجيلة الملعب أولا وأخيرا، ويحرص ألا يرفع اللاعبون صوتهم أو يطلقون ألفاظا نابية خوفا من امتعاض أهل المنطقة، هذا هو السبب أيضا فى رفضه تنظيم أو استضافة دورات فى ملعبه، يقول: «الدورات مشاكلها كثيرة، سواء من جهة الخلافات التى تحدث بين اللاعبين أو من يأتون ليشجعوهم». ويشير إلى أن سبب تسميته للملعب ب«تشيلسي» هو حبه لهذا النادى الإنجليزى الذى صادف وفاز ببطولة أوروبا للأندية فى نفس العام الذى افتتح فيه النادى.
ملتقى أسر الحى
يقف أحمد، صديق المحاسب، خارج نطاق ملعب «تشيلسي» صباح يوم الجمعة ليتابع طفليه وهما يتدربان على كرة القدم وسط مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين خمسة وعشرة أعوام، يدفع لكل طفل 50 جنيها شهريا لأكاديمية المواهب التى تستأجر الملعب ليتدربوا يومين فى الأسبوع، يقول أحمد صديق: «المكان هنا مفيد لأنه قريب من الأولاد، إذا توجهت لملعب أو ناد بعيد سيأخذ من وقت مذاكرتهم». ويشير أيضا أنه لم يكن ليجد هذا الاهتمام بمهارات الأطفال فى النوادى الكبيرة. يقول هذا وهو يتابع بعينيه أداء ابنيه فى الملعب، ينظر إلى الصغير الذى يقف حارس مرمى ويصد الكرات بمهارة رغم قصر قامته، والأكبر الذى يتحرك فى الهجوم. الوقت الذى يجتمع فيه الأطفال للتدريب يكون هو أيضا الوقت الذى تتجمع فيه بعض الأسر لمتابعة أطفالهم، لذلك فرغم الحس الذكورى الذى يفرضه ملعب كرة القدم فى مصر، تجد أمهات وأخوات للأطفال يتابعونهم وينتظرن انتهاءهم من التدريبات.
بالاستعانة بتوك توك من أمام ملعب «تشيلسي» ببولاق الدكرور وفى حوالى 15 دقيقة متوجها إلى منطقة أرض اللواء المجاورة لبولاق الدكرور يمكنك أن تصل إلى ملعب نجيل صناعى آخر يدعى ملعب «العميد» بمنطقة تسمى «الصفطاوي»، سألت أحد أصحاب الملعب كابتن هشام عن سبب تسمية الملعب بالعميد وهل هذا له علاقة باللاعب المعتزل حسام حسن الذى كان عميدا سابقا للاعبى العالم، ولكنه أجاب أن الملعب اسمه «العميد» لأن صاحب الأرض عميد شرطة واشترط أن يسمى الملعب باسمه. ويشير أن ملاعب النجيل الصناعى أصبحت منتشرة فى كل أنحاء مصر خاصة بعد الثورة، موضحا: «مراكز الشباب كانت تؤخر لك الحجز كثيرا، وينتهى عملها قبل الساعة الثانية عشرة مساء»، لذلك كانت هذه الملاعب ضرورة، ولكن كابتن هشام مع ذلك يقول إن المشروع كان مربحا جدا فى البداية قبل أن ينتشر، فمنطقة بولاق الدكرور وأرض اللواء قد يتجاوز فيها عدد الملاعب أكثر من 20 ملعبا، فالملاعب ذات النجيل الصناعى منتشرة فى أنحاء مصر كلها. يتحدث كابتن هشام عن أن الضغط على الملعب يكون فى الليل أكثر من الصباح خاصة أن معظم الناس يكونون قد انتهوا من عملهم، وإن كان يذكر أيام انقطاع الكهرباء فى رمضان هذا الذى أفسد أرباح الشهر كله، لأنها كانت تنقطع فى الساعات ما بين الثامنة والثانية عشرة ليلا، وهى الأوقات الوحيدة التى من الممكن أن يلعب فيها الصائمون.
ربما كثرة هذه الملاعب مؤخرا جعلت أصحابها يقللون أسعار الحجز بقدر الإمكان ليظلوا فى المنافسة، وإن أشار كل من كابتن أشرف وكابتن هشام أن عمر التجربة سيبقى قصيرا بالنسبة لهم حتى مع غياب الضرائب، بسبب كثرة الملاعب وتناقص الأرباح، ولكن كابتن أشرف يشير مع ذلك أن مثل هذه الملاعب تستحق دعما أكبر من الدولة، خاصة لأنها تقدم خدمة للحى من حولها.