يمكنك أن تقول ما تشاء عن سبب اعتداء شباب جماعة الإخوان المسلمين على الإعلاميين والنشطاء أمام مقر جماعتهم فى المقطم مساء السبت الماضى. سيقول الإخوان إن النشطاء استفزوهم وحاولوا تشويه مقرهم بالجرافيتى وإن الإعلاميين تخلوا عن حيادهم وانضموا للمتظاهرين، وسيرد النشطاء والإعلاميون بأن الإخوان جماعة فاشية تحاول القضاء على معارضيها بكل السبل.
لكن مشهد أحد شباب الإخوان وهو يصفع الناشطة دينا موسى، وآخرين وهم ينكلون بالصحفيين والمصوريين يكشف عن سبب جوهرى يفسر ما حدث وما سيحدث مستقبلا وهو أن الجماعة لا تؤمن فعلا بحرية وسائل الإعلام.
ليس هذا هجوما على الجماعة بل توصيفا، الجماعة صارت فى السلطة، وأى سلطة تسعى بكل السبل إلى تجنب الإعلام، لأن مهمته هو كشف المستور.
لكن فى هذه البلدان الديمقراطية المستقرة يحاولون الهرب من الإعلاميين، لكن لا يخطفونهم ويعذبونهم أو يقتلونهم.. يحدث ذلك فقط فى البلدان المتخلفة.
فى مصر هناك عامل آخر خطير وهو أن جماعة الإخوان ليست فقط فى السلطة، بل هى جماعة دينية ترى فى الإعلام شيطانا وشرا مستطيرا.
كل الجماعات ذات المرجعية الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية، تؤمن بأفكار اطلاقية وترى نفسها فى جانب الخير وخصومها فى جانب الشر. هى تؤمن أنها تنفذ شرع الله وأنها حزب الله والآخرين حزب الشيطان.
هذا العامل هو الوحيد الذى يفسر لنا سحر الكراهية المطلقة من التيار الإسلامى للإعلام. هذه الكراهية تكاد تكون العامل المشترك الحقيقى بين كل الفصائل والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
التيار الدينى لا يؤمن بالنسبية، وبالتالى فجميعهم يرون «برنامج» باسم يوسف ليس مجرد برنامج انتقادى ساخر، بل هو ضد الدين والأخلاق.
لا يستطيعون تفهم أن بعض الإعلاميين يمكنهم أن يشيدوا بهم مرة ويختلفوا معهم مرات.
هم مثل بوش الابن فى انغلاق فكرة: «من ليس معهم فهو ضدهم»، هم يريدون خداما ومطبلين فقط فى الإعلام، واسهل تهمة جاهزة عندهم لأى مختلف معهم أنه فلول او ناقص دين، فى حين أن غالبية الذين يختلفون معهم الآن كانوا يدافعون عنهم أيام قمع نظام مبارك لهم.
كراهية الإخوان للإعلام هى نتيجة منطقية لتعاليم وأفكار الجماعة ومناهج التعليم والتنظيم داخلها.
الصغار تتم تربيتهم باعتبار أن ما يقوله قادة الجماعة هو الصواب المطلق، وما يقوله غيرهم شر مطلق، وفى أفضل الأحوال، خير لكن حدث «بالصدفة». لهذا السبب قام الاخوان بتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية قبل شهور، ولهذا السبب وضعوا المواد الملتبسة والفضفاضة بشأن الإعلام فى الدستور، ولهذا السبب نفهم المضايقات المستمرة للفضائيات ومحاولة تطويعها أو تطويقها.
كتبت قبل شهور وأكرر اليوم ناصحا جماعة الإخوان بما أنها صارت فى الحكم أن تقيم دورات تدريبية لأعضائها تعلمهم فيها أنه لا أحد يحتكر الحقيقة، وأن الصحافة الحرة ميزة والاختلاف فى الرأى نعمة، حتى لا يصاب نظامهم بالسكتة المفاجئة بسبب تكلس شرايين كشف الفساد داخله.
لو أن الإخوان فكروا بهدوء لاكتشفوا أنهم ارتكبوا خطأ فاضحا حينما برروا الاعتداء على الصحفيين، كان بإمكانهم وقف هؤلاء المجرمين كى يبعثوا برسالة مفادها أننا لا نقبل الاعتداء على الصحفيين، لكنهم كالعادة كابروا ولم يروا فيما حدث شيئا يستحق الاعتذار.
مطلوب من اعضاء جماعة الإخوان البدء فى التعود على حرية الإعلام.. لأن العودة لتكميم الأفواه وتدجين كل الإعلام صار شيئا مستحيلا بفعل التطور التكنولوجى أساسا، وبالتالى، فعلى الجماعة أن تتغير هى فيما يتعلق بحرية وسائل الإعلام.