تخيلوا لو أن الصحف وكاميرات الفضائيات لم تكن موجودة أمام قصر الاتحادية ليلة الجمعة الماضية؟!. الاجابة ببساطة أن عملية سحل المواطن حمادة صابر كانت ستمر من دون أن ندرى بها بالمرة، كان سيتم سحله وربما نقله إلى أقرب سجن أو مركز شرطة وهناك يتم تعذيبه وانتهاك عرضه، وربما يقتل، وبعدها يتم احضار أهله واقناعهم بالذوق أو بالعافية أن قريبهم مات فى حادث تصادم أو مقاومة للسلطات أو بأى تهمة جاهزة. الكاميرا الحرة فقط هى التى منعت كل ما سبق.
المثال السابق ليس وليد الخيال لكننا شهدنا أمثلة قريبة منه فى السابق كما حدث للشهيد السلفى سيد بلال فى الإسكندرية وكثيرون ماتوا أو قتلوا من دون أن نشعر بهم.
هناك آلاف المواطنين يتم سحلهم وانتهاك كرامتهم بطرق متنوعة كل لحظة ليس فقط فى الشرطة لكننا لا نشعر بهم، والسبب انه يصعب تسليط كاميرا على كل واحد منهم كى يتعاطف معهم المجتمع ويهب لنجدتهم كما فعل مع حمادة صابر، أو كما حدث مع عماد الكبير من قبل أو القصاص لخالد سعيد بعد مقتله.
الآن عليكم أن تتخليوا كيف أن أجهزة الأمن تريد منا أن نصدق انها لم تسحل حمادة صابر رغم وجود دليل دامغ يتمثل فى شريط الفيديو، والسؤال ماذا كانت ستفعل معنا هذه الأجهزة لو لم يكن شريط الفيديو موجودا؟!.
السؤال السابق يقودنا مباشرة إلى جوهر الحكاية، وهى أن السلطة أى سلطة لا تحب وجود إعلام حر حقيقى.
كل سلطة تتمنى أن تحكم بصورة مطلقة من دون رقابة ولذلك فإن أى سلطة مستبدة تكره الإعلام الحر، هى تريد إعلاما «ملاكى» يتلقى تعليمات فينفذها من دون نقاش.
إذن المعنى الوحيد الذى يجب أن نخرج به من قصة حمادة صابر هو انه ينبغى علينا القتال حتى النفس الأخير من أجل وجود إعلام حر فعلا لانه الأمل الكبير الذى سيكشف لنا أى فساد أو استبداد خصوصا فى ظل أن الأحزاب والقوى السياسية لاتزال ضعيفة.
أى سلطة شعبية تريد النجاح من مصلحتها وجود إعلام حر حتى لو كان يسبب لها صداعا، لانه سيكشف لها مصادر الخلل أولا بأول ويجعلها تعالجه فورا بدلا من تراكمه وتحوله إلى ثورة تطيح بها تماما.
لو أن وزارة الداخلية تريد تطهير نفسها فعلا وتبنى عقيدة أمنية جديدة فعليها أن تشكر الشاب الذى التقط فيلم حمادة صابر وكل القنوات الفضائية التى بثته لان هذا الإعلام يخلصها من المرضى النفسيين فى صفوفها.
المؤكد أن بعض وسائل الإعلام تتجاوز أحيانا هذه الأيام، لكن أمر هذه الوسائل يمكن معالجته بالقانون أولا بأول، وعدم وضع كل الإعلام فى «سلة واحدة» ودمغه بالتضليل.
وجود إعلام حر سيجعل كل فرد شرطة يتريث مليون مرة قبل أن يفكر فى ضرب أى مواطن على قفاه أو سحله أو قتله.
الكاميرا المفتوحة وكل وسائل الإعلام هى التى نقلت لنا العديد من المشاهد التى لولاها ما عرفنا الكثير من الحقائق، وما عرفنا التناقض الذى يقع فيه معظم السياسيين وهم يقولون الشىء وعكسه.
خطورة سلاح الإعلام هى التى تجعل أى مستبد أو جماعة أو حزبا تعتبره عدوها الأول. وليس مصادفة أن الشاغل الأول لأى حكومة غير ديمقراطية هو وضع القوانين المكبلة للحريات، ومطاردة الإعلاميين والتلويح لهم دائما بسيف المعز وذهبه.
الكاميرات المفتوحة والأقلام الشريفة هى أكبر ضمان ألا تقع مصر فى مستنقع دولة الاستبداد.
تحية للشخص الذى التقط فيديو حمادة صابر وعرى الداخلية وعرى كل الطغاة صغارهم وكبارهم.