كان القضاء المصري، فيما مضى بمعزل تام عن التناول في وسائل الإعلام المختلفة أو بين عامة الناس، سواء في التعقيب على أحكامه أو في نقد أحد رجاله، وكانت "القدسية المطلقة" هي السمة الغالبة عليه، ولكن الأمر اختلف بعد الثورة، حيث أصبح في مرمي نيران النقد اللاذع من الجميع، محامون، وسائل إعلام، أو حتى من جموع الشعب. وواجه القضاء العديد من الاتهامات، أبرزها أن أحكامه أصبحت "مسيسة" وتخدم مصالح بعينها، واستدل أصحاب هذا الاتهام بالعديد من القضايا، وبخاصة القضايا التي اتهم فيها رموز النظام السابق أو تلك المتعلقة بمحاكمة المتهمين بقتل متظاهري الثورة.
"تطهير الداخلية والقضاء والإعلام، من أهم مطالب الثورة، لأن النظام السابق توغل كثيرا في هذه المجالات، حيث كانت تخدم في المقام الأول، بقاء سطوة النظام، وأكبر دليل على ذلك أحكام القضاء ضد الكثير من رموز نظام مبارك وما شابها من محاباة ومجاملة لهم، ولنا في الحكم بالسجن المؤبد على مبارك والعادلي، عبرة، كما أن معظم أحكام القضاء الآن تتسم بالطابع السياسي، والقضاة أنفسهم هم من اقتحموا السياسة، بما انعكس بالسلب على أدائهم داخل المحاكم"، هكذا عبر محمود سامي، الذي وصف نفسه بأنه أحد الثوار، عن رأيه في القضاء.
ويقول المحامي ناصر العسقلاني، عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين "تحصن القضاء قبل الثورة كان مبالغ فيه للغاية، حيث استغل بعض القضاة هذا التحصين في تحقيق منافع شخصية أو في فرض النفوذ واستغلال المنصب، وبالرغم من أن هذا حدث من قلة منهم، إلا أن تلك التجاوزات مسجلة بالفعل".
وأضاف العسقلاني: "ليس هناك ما يسمى بالأحكام القضائية المسيسة الآن، هذا كان يحدث قبل الثورة، وكان معلوما للجميع، للحد الذي دفع بالبعض لإطلاق لفظ «القاضي الملاكي» على بعض القضاة ولكن بعد الثورة الأمر اختلف كثيرا، فانحياز القاضي الأول والأخير للقانون فقط وما هو ثابت من أدلة وبراهين في أوراق القضية".
وحول اتهام البعض لقرار محكمة جنايات بورسعيد بإحالة أوراق 21 متهما في قضية «مجزرة بورسعيد» للمفتي، بأنه قرار مسيس لامتصاص غضب جماهير الأهلي، يقول "هذا كلام عار تماما عن الصحة، لأنه في تلك القضية خصيصا، قامت لجنة الحريات بنقابة المحامين بتشكيل فريق تقصي حقائق عن الحادث وأثبتنا بالدليل القاطع تورط جميع المتهمين في الجريمة وهيئة المحكمة أصدرت قرار صحيحا مئة بالمئة، لأنه لو كان هناك شبهة في «تسييس» القضية لكان القاضي قرر تأجيل الحكم".
وأشار إلى، أن أحكام القضاء لن ترضي الجميع مهما كانت، مضيفا "ليس من القبول أن يؤيد البعض الأحكام التي تأتي على هواه في حين أنه يهاجم بشدة أحكام أخرى لا يرضى عنها، بل ويذهب في بعض الأحيان لاتهام القاضي بأنه غير عادل، وأنا أرفض بشدة أي اعتداء على القضاء بالقول أو الفعل، لأن القضاء هو الحصن المنيع لتحقيق العدالة في مصر وبدونه ستكون هناك فوضى كبيرة ومن المهم لنا جميعا أن نحافظ على هذا الكيان، كما أنه يجب على القضاء حل مشاكله داخليا".
ومن جانبه، استنكر نجاد البرعي، المحامي والناشط الحقوقي، الاتهامات التي توجه للقضاء، قائلا "شيء مخجل للغاية أن يقال مثل هذا الكلام في مصر، وخطأ أن يصل بنا الحوار السياسي لمثل تلك المهاترات، لأن القضاء المصري مستقل وعادل وعظيم وأحكامه معروفة في جميع أنحاء العالم ولا يخاف في الحق لومة لائم".
"القضاء أصدر من قبل أحكاما بالبراءة ضد الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين، فهل هذا أيضا تسييس ولمصلحة من سيكون مسيسا، فإذا صدرت أحكام بالبراءة في قتل المتظاهرين أصبح القضاء مسيس وإذا أصدر أحكاما بالإدانة اتهم أيضا بالتسييس، فماذا يفعل القضاء، هل مطلوب منه أن يقوم بسؤال الجميع بماذا أحكم لكي يرضيهم"، هكذا أضاف البرعي.
وأوضح أن القضاء مثله مثل كافة مرافق الدولة يتعرض لأزمة ومحاولات لإسقاطه، تندرج تحت هدف أكبر وهو تفكيك الدولة، مضيفا "جزء من هذا التفكيك للقضاء تقوم به جماعة الإخوان المسلمين بهدف إحلال عناصرها مكان العناصر المستقلة المتواجدة الآن، وجزء آخر يقوم به مدعي الثورية، بلا أدني هدف، سوي أنهم بذلك يقتلون الدولة القديمة".
وأكد المحامي، عصام البطاوي، أن "القضاء وحده هو من يتحمل نتيجة الاتهامات التي توجه إليه، لأن صمته على التجاوز في حقه، شجع كل من «هب ودب» في أن يوجه إليه اتهامات وصلت في بعض الأحيان إلى حد التجريح ولم يحرك ساكنا في سبيل الدفاع عن نفسه وعن مهنته التي تعد من أشرف المهن في الكون".
وشدد البطاوي، على أن القضاء لا يمس ولا تعقيب على أحكامه، قائلا "القاضي له قدسيته التي يجب على الجميع احترامها، في حدود عمله وإذا تم المساس به دون اتخاذ إجراء رادع، جعل منه مطمعا لكل الصغار ليصعدوا على أكتافه، ويجب الحسم والحزم مع كل الأمور الخاصة بالقضاء والقضاة ودون ذلك لن ترتفع قامه للقضاء".
ونفى أن تكون أحكام القضاء "مسيسه"، لأنه إذا صدر حكم أول درجة فهناك درجات أخرى من التقاضي، فلا يجب أن يقال أن هناك توجيها للقاضي لإصدار حكم معين.