كلمة المستشار أحمد رفعت قبل النطق بالحكم فى قضية مبارك أشارت إلى توقع صدور حكم لم يخطر على البال، الكلمة أدانت نظام مبارك إدانة كاملة، كانت إعدامًا لهذا النظام، كما قال الدكتور محمد الجوادى فى تعليقه لإحدى الفضائيات، لكن الأحكام بعد هذه الكلمة اعتبرها البعض صدمة؛ حيث لم تكن بمستوى جريمة قتل المتظاهرين السلميين التى ارتكبها المتهمون، لكن من المعلوم بالضرورة أن القاضى لا يحكم من عنده، بل بموجب أوراق القضية وأدلة الاتهام المقدَّمة له من النيابة، وبموجب القانون الذى يحكم على أساسه، كما أن هناك دفاعًا للمتهمين يحشد أسانيده لإقناع المحكمة ببراءة موكليه، وهنا يصعب لدى التشكيك فى نزاهة هيئة المحكمة، فأنا أعتبرهم فدائيين؛ لأنهم يتصدون لمثل هذه القضية الخطيرة التى تستحوذ على اهتمام ليس المصريين فقط، إنما العالم الخارجى، وإذا كانت هناك أدلة تدين المتهمين، قد أُخفيت أو أتلفت أو تم التصرف فيها بشكل سلبى ولم تتعاون بعض أجهزة الدولة لضبطها وتحريزها وتقديمها للنيابة، فماذا يفعل المستشار رفعت وزملاؤه فى هيئة المحكمة؟!، وإذا كان القانون لا يمكّن القاضى من الحكم بغير ما قضى به، فكيف يتصرف؟، فإذا كان القانون يقول: إن الدعوى الجنائية الخاصة بقضايا الفساد لمبارك ونجليه وحسين سالم قد انقضت بمرور 10 سنوات على حصول واقعة الفساد، فماذا بأيدى هيئة المحكمة غير تبرئتهم؟!، رغم أن ضميرهم القانونى والإنسانى قد يكون غير راضٍ عن مثل هذا الحكم؟. هُتافات تطهير القضاء التى رفعها البعض داخل قاعة المحكمة لا يجب أن توجَّه للقاضى رفعت وزملائه، إنما إلى مَن بيده القيام بعملية إصلاح جذرى للقضاء، وإعطائه استقلالية كاملة وحقيقية وصارمة، وإصلاح منظومة القوانين لتنقيتها من كل ما يشوبها؛ حتى لا تمكِّن أى مجرم من الاستفادة من ثغراتها بواسطة محامين ماهرين للإفلات من العقاب، إذ مثلاً كيف لا تكون تهم الفساد لا تسقط بالتقادم مثل جرائم التعذيب، وذلك حتى لا يفلت أى فاسد من العقاب مهما طالت المدة، وحتى يفكر الفاسد ألف مرة قبل أن يرتكب جريمته؟. أظن أن الغضب لا يجب أن يوجَّه للمحكمة رغم ما يقال عن شبهة سياسية فى حكم مبارك والعادلى، إنما يوجه إلى منظومة القضاء والقوانين التى أكدت القضية عجزها، كما يوجه للأجهزة المتهمة بإخفاء أو تدمير الأدلة، بحيث تكون القضية هشة ولا تجد النيابة ما تقدمه للقاضى؛ ليستند إليه فى إصدار الأحكام التى تسمو إلى بشاعة الجرائم التى ارتكبها المتهمون، وقد اشتكى القاضى من ذلك فى جلسة النطق بالحكم. الأمر غير المفهوم فى الحكم أن مساعدى العادلى الستة يحصلون على البراءة من تهمة قتل المتظاهرين، بينما مبارك والعادلى يحصلان على المؤبد فى نفس القضية، وكان المنطقى أنه إما أن يحصل الجميع على المؤبد أو البراءة؛ لأنهم مرتبطون جميعًا فى هذا الجرم، وهذا ما يجعل البعض يقول إن الحكم مسيَّس، وتقديرى أن القاضى ربما استند فى إدانة مبارك والعادلى إلى كوْنهما مسؤولين وأصحاب قرار بحكم المنصب التنفيذى والسياسى الذى يمكّنهما من إصدار الأوامر، أما قيادات الداخلية فإنهم مجرد أدوات تنفيذية، وإذا لم يكن قد ثبت وجود تعليمات صريحة بقتل المتظاهرين فيكون القاضى قد عاقب مبارك والعادلى باعتبار مسؤوليتهما السياسية والتنفيذية لامتناعهما السلبى عن حماية المتظاهرين. ولذلك فإن العاجل الآن والذى تأخر كثيرًا هو ضرورة فتح تحقيق حول العبث بالأدلة لتفريغ القضية من مضمونها للتوصل إلى كل مَن ارتكب هذه الجريمة ومحاسبته، فلا بد من هيئة تحقيق خاصة مستقلة تحقق فى هذه القضية وتشمل كل المسئولين فى السلطة منذ 25 يناير وحتى إحالة المتهمين للقضاء. الحقيقة أننى لم أكن أتوقع المؤبد لمبارك، إنما سجنه عدة سنوات أو السجن مع إيقاف التنفيذ أو البراءة تأسيسًا على أنه لا توجد أدلة اتهام تُدينه، علاوة على شهادات كبار المسئولين فى نظامه التى قيل إنها برَّأت مبارك من إصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، ومع ذلك فإن حكم المؤبد ليس مطمئنًا؛ لأنه أمام محكمة النقض يمكن أن يحصل مبارك والعادلى على البراءة بسهولة، تأسيسًا على أن مساعدى العادلى الستة حصلوا على براءة فى نفس التهمة، والدفاع سيجتهد أمام النقض للمطالبة ببراءة مبارك والعادلى أو تخفيف الحكم عنهما، وقد يحدث ذلك بالفعل. [email protected]