أكد الناقد الدكتور يسري عبد الله أن اللحظة الراهنة تبدو بتنويعاتها السياسية والثقافية دالة وفارقة في عمر الأمة المصرية، حيث تتعرض الثورة لتهديد حقيقي، يحاول اجتثاث أحلامها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فهناك قوى سياسية تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية، محاولة تغيير الهوية الحضارية للمصريين، تلك الهوية ذات الطبيعة المتراكبة والمتنوعة. وقال عبد الله إن تيار الإسلام السياسي يحاول تغليب صيغته الأحادية وتعميمها على الوضع الراهن المصري، مستعيرًا أشكالا مستوردة للتدين في تحدٍ غريب للسياق الحضاري المصري، الحامل داخله جينات التجدد والحداثة والتنوع والإبداع.
وأضاف: "بعد مرور عامين على الثورة، فإنني أرى أنها لم تزل تسعى إلى تحقيق مطامحها التي أريقت من أجلها دماء الآلاف من الشهداء الأبرار، خاصة وأن صيغة التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية والتي ظهرت في نظام مبارك القمعي، لا تزال مستمرة حتى الآن.
وأوضح أن الثقافة تخوض الآن صراعها الضاري للتأسيس لوعي جمالي ومعرفي جديد، يتأسس على قيم التقدم والاستنارة والحداثة والإبداع، ويرتكن على قيم الثورة، ويسعى إلى بلورة مقولاتها الكبرى في صيغ إبداعية وفنية مغايرة، تنتصر لإنسانية الإنسان وتنحاز إلى المهمشين والبسطاء من ناسنا وأهلينا، وبما يعني حتمية استعادة دور المثقف العضوي الفاعل في مجتمعه، والمسكون بواقعه، والساعي إلى عالم أكثر عدلا وإنسانية.
وذكر أن الكتابة الأدبية مثلت صياغة جمالية لواقع مأزوم ومعقد ومتشابك قبل الثورة، وسعى الإبداع الحقيقي إلى محاولة تحرير الوعي الإنساني، فكان بمثابة التعبير الجمالي عن أشواق الحرية، مثلما كان النص الأدبي أداة فاعلة لمساءلة القمع والاستبداد، وكان الفعل الثوري فعلا إبداعيا بامتياز تكتشف فيه مصر صوتها الخاص، وتبلور حاضرها، وتستشرف غدها، غير أن صعود تيار الإسلام السياسي حمل معه ممارسات تعيسة؛ مثل محاولة بعض مثقفي هذا التيار تديين النقد الأدبي، مستندين إلى أيديولوجيا دينية محضة، وضاربين عرض الحائط بذلك الخلق الجمالي للممارسة النقدية ذات الطبيعة العلمية الحرة والمتسائلة.
ورأى الدكتور يسري عبد الله أن الإبداع تعاطى مع الثورة عبر أكثر من منظور؛ الأول، وهذا هو الغالب، انفعل بها وتفاعل معها من زاوية مباشرة، فجاء أقرب إلى الرصد والتسجيل، وحاول الثاني تحليل البنيات الأساسية للفعل الثوري بما حواه من اختلاف ومغايرة، فيما سعى الثالث إلى استشراف المستقبل مستندا إلى وعي جمالي حاد باللحظة الراهنة، وقدرة على التقاط الجدل الحادث ما بين السياسي والثقافي.