شعبية كرة القدم تضاعفت فى العقود الأخيرة بصورة واسعة، لأسباب كثيرة، منها ظهور مواهب استثنائية ألهبت حماس الملايين للدخول فى قائمة المشجعين المهووسين باللعبة وفنونها. فى مصر ظهرت تبدو قائمة الأسماء طويلة، لكننا نختار من بين من صنعوا «تاريخا» فى مسيرة الكرة أسماء صالح سليم وحمادة إمام ورضا الإسماعيلاوى. وفى باقى دول العالم، كان هناك من صنع شعبيتها ليس فى بلده، بل فى سائر أنحاء العالم، مثل مارادونا الذى لا يتكرر، وسانتانا المدرب البرازيلى العقلية الكروية التى منحت العالم المتعة وحدها فأصبحت مبارياته الأكثر متابعة حتى الآن رغم مرور أكثر من 27 عاما. المايسترو أول سوبر ستار مصرى.. صالح سليم لاعب فذ، ارتدى قميص الأهلى فى الفترة بين 1948و1967، وكان دوره فى المستطيل الأخضر كصانع ألعاب موهوب، يجيد دور المايسترو وسببا فى هيمنة الأهلى على لقب الدورى العام منذ انطلاقه ولمدة تسعة مواسم متتالية، أحبه الجمهور فى عصر ما بعد ثورة يوليو، بعد أن لمس به الكاريزما والقيادة التى كانت تتوافر فى زعماء الثورات. وذات يوم قالت «بى.بى.سى» فى أحد تعليقاتها إن مصر يحكمها ثلاث شخصيات يعشقها الشعب، ويذهب خلفها أينما وجدوا، وهم جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية، وأم كلثوم سيدة الغناء العربى، وصالح سليم نجم الكرة. كاريزما صالح سليم جعلت منه أول نجم فى عالم كرة القدم المصرية، ولا أحد ينسى سيطرة اسمه على مانشيتات الرياضة فى الصحف خلال الخمسينيات والستينيات، وساهم بشكل لامع مع عنصر البطولات فى صناعة شعبية الكرة فى النادى الأهلى، التى تصاعدت فى عقود بعد اعتزاله. ملياران من المعجبين فى العالم له .. مارادونا أعتبره رجل مافيا.. لكنه فى النهاية يبقى أعظم من لعب الكرة عبر العصور.. قدمه اليسرى الساحرة لم تكن عادية بل خارقة.. حضوره كان ولايزال طاغيا.. هو دييجو أرماندو مارادونا أسطورة الأرجنتين وجيفارا الكرة العالمية.. يرى فى نفسه أنه صاحب رسالة مثل رسالة جيفارا الثائر الأرجنتينى فى الخمسينيات والستينيات. يهاجم على طول الخط القوى العظمى.. يعشق صداقة رؤساء الدول خارج السلام مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفى مقدمتهم فيدل كاسترو وهوجو شافيز وغيرهما. مارادونا هو سوبر ستار خارق، ظهر فى المستطيل الأخضر بالنصف الثانى من عقد السبعينيات.. ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية مشواره فى النصف الثانى من عقد التسعينيات بقى ظاهرة كروية مثيرة للجدل. بصمة مارادونا الحقيقية لم تكن فى إحرازه كأس العالم مع راقصى التانجو عام 1986، أو نيله ألقابا عديدة مع نابولى الإيطالى أو لحصوله على الكرة الذهبية.. بصمة الثائر مارادونا الكبرى هى الدور المؤثر والكبير فى صناعة شعبية الكرة بالعديد من البلدان ممن لم تكن الكرة ذات أهمية لها.. الولاياتالمتحدةالأمريكية والهند والصين وغيرها من البلدان ذات التعداد السكانى الطاغى لم يبدأ ارتباطها بالكرة سوى مع قدوم أسطورة دييجو أرماندو مارادونا للملاعب.. قدمه اليسرى خطفت الوجدان وهزت المشاعر وتلاعبت بالقلوب.. مارادونا ساهم فى صناعة قاعدة حقيقية للكرة. ارتبطت باسمه.. فهو فى عز سقوطه مريضا بالقلب وهدفا لاتهامات بالتورط مع المافيا فى جرائم مختلفة، ومعاناته من إدمان الكوكايين، لم يقبل الملايين بعدم اختيار الاتحاد الدولى لكرة القدم فيفا له كأفضل لاعب كرة فى القرن العشرين.. الفيفا اختارت بيليه البرازيلى لكن على الصعيد الشعبى انهالت الرسائل من مختلف البلدان تختار مارادونا نجما أوحد للكرة فى القرن ذاته.. واضطر الفيفا إلى تسليم جائزة بهذا المضمون إلى الأسطورة الأرجنتينية.. ودائما ما يتصدر اسم مارادونا تقارير الميديا الرياضية، وتظهر صورته على أغلفة الصحف والمجلات فى سائر البلدان وليست الأرجنتين وحدها.. وهو صاحب سياسات ثورية على طريقة جيفارا ضد الفيفا وهو ما ساهم فى امتلاكه أرضية وشعبية بين دول لا تحظى برضا المؤسسة الأكبر كرويا. وسيبقى مارادونا هو النجم الذى صنع للكرة أرضية وشعبية فى دول لم تكن فيها اللعبة مدرجة ضمن اهتمامات شعوبها على الإطلاق، وعلى الرغم من مرور نحو 12 عاما على وداعه المستطيل الأخضر فإن شعبيته لم تتراجع بل تتصاعد.. مارادونا قدم نفسه للجماهير فى سائر أنحاء العالم عبر قصة كفاح لفتى يتيم، لم يكن يملك سوى قدم يسرى هى السبب فى تأمينه مستقبله وتحوله إلى مليونير، بالإضافة إلى انتشال أسرته من دائرة الفقر المدقع. أول لاعب مصرى تهتف له الجماهير.. حمادة إمام لا ينكر التاريخ دوره فى صناعة اسم الزمالك وشعبيته، ولا ينكر التاريخ عراقة تاريخه القصير فى الملاعب كلاعب أسطورى، ولا ينكر التاريخ أنه أول من هتفت الجماهير باسمه فى كل مكان وتغنت به أيضا، صاحب هذه الأسطورة هو حمادة إمام، هداف الزمالك فى الستينيات. وأحد أفضل من لعب الكرة فى القلعة البيضاء، ويعد الثعلب الكبير علامة فارقة فى صناعة شعبية الكرة بفضل أهدافه التى كان فيها الخداع والمكر نكهة جديدة على للمهاجمين، بالإضافة إلى دوره الكبير فى افتتاح مدرسة الفن والهندسة وهو اللقب المحبب الآن للزمالك. أسطورة حمادة إمام الحقيقية تمثلت فى وصوله سريعا إلى قلوب جماهير الزمالك، بالإضافة إلى استقطابه فئة جديدة من عشاق ناديه، بعد أن أسهمت أهدافه فى كسر الزمالك لهيمنة الأهلى على لقب الدورى العام. وظهر لأول مرة فى المدرجات المصرية من يهتف باسمه وليس للنادى كما كانت العادة، «بص شوف حمادة بيعمل إيه»، وكان الأول من نوعه فى المدرجات المصرية، وهو هتاف صنع نجومية حمادة إمام، ولكنه زاد فى نفس الوقت من شعبية نجوم الكرة فى قلوب الجماهير. ساحر الدراويش وصانع المجد الأول.. رضا ثالث من نتحدث عنهم فى الدائرة هو الراحل رضا، أعظم من لعب الكرة فى تاريخ نادى الإسماعيلى، رضا هو أول سوبر ستار من خارج الأهلى والزمالك، موهبته كانت خيالية، يمكنه مراوغة أى لاعب يصنع الأهداف ويسجلها، كان أيضا أصغر كابتن فى تاريخ الأندية المصرية، فحمل راية القيادة وهو فى العشرين من عمره. أنقذ الإسماعيلى من الضياع فى عالم المظاليم بالخمسينيات، وأعاده إلى عالم الأضواء، وظل لأعوام منافسا قويا شرسا للأهلى والزمالك، أحبته الجماهير فى محافظته فتحول إلى أسطورة لا تموت فى القلوب رغم وفاته المفاجئة فى مطلع الستينيات. رضا أسهم فى صناعة شعبية كرة القدم داخل الأقاليم والمحافظات ومن خلاله باتت هناك قاعدة للأندية الشعبية من خارج الأهلى والزمالك، ولكن الأهم من ذلك أنه بطل أول رواية بوليسية فى عالم الكرة، رواية شهدت تهديدات بالقتل والخطف والإضراب والتظاهر. وغيرها من الجرائم المخيفة التى ظهرت عندما حدث خلاف بين رضا والنادى الإسماعيلى أدى إلى ذهابه إلى إبرام اتفاق مع النادى الأهلى بين عامى 1962و1963 وما إن انتشر نبأ الصفقة حتى اشتعلت الإسماعيلية، وخرجت مجموعة تطالب جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية بالتدخل شخصيا لمنع الانتقال وذهبت مجموعة أخرى لما هو أبعد من ذلك، وتم توجيه رسائل إلى مسئولى القلعة الحمراء فى ذلك الوقت تهدد باختطاف صالح سليم أبرز نجوم الأهلى وقتها وقتله فى حال إتمامهم الصفقة. وبعد جدل كبير تدخلت القيادة السياسية حفاظا على الهدوء وأتمت اتفاقا وديا بين رضا وإدارة الإسماعيلى اشتهر من خلالها لاعب الكرة الأول فى المدينة الهادئة حتى اختطفه الموت مبكرا، وأطلق اسمه على الشارع الذى يحتضن استاد المدينة، والأجيال الجديدة تعشقه بالرغم من مرور أكثر من 40 عاما على رحيله. رائد الكرة الجميلة لمنتخب راقصى السامبا.. سانتانا لم يرتبط العالم بالبرازيل كأفضل منتخب يلعب الكرة عندما فازت بألقاب كأس العالم أعوام 1958، 1962، 1970، ولم يرتبط العالم بالبرازيل فى سائر البلدان حبا وعشقا بنجومية أو مهارات الأسطورة بيليه، التى هيمنت على المستطيل الأخضر فى الستينيات والسبعينيات. البرازيل أصبحت المنتخب الأفضل ورمز الكرة الجميلة فى عيون دول العالم خارج أمريكا الجنوبية وأوروبا اعتبارا من عام 1982. فى ذلك العام عشقت الجماهير فى كل مكان البرازيل وبات الطلب على حضور راقصى السامبا بمختلف الأجيال للعب فى قارات العالم المختلفة يبدأ منذ ذلك العام. لم يكن بيليه هو صاحب الفضل بل غيره من اللاعبين كبار الموهبة، بل مدير فنى لم يكن نجما كلاعب فى يوم من الأيام. نتحدث هنا عن تيلى سانتانا المدير الفنى الراحل ومؤسس مدرسة الكرة الجميلة.. سانتانا هو المدير الفنى الذى قاد راقصى السامبا فى أواخر السبعينيات، ومع 6 أعوام فى عقد الثمانينيات. سانتانا هو من اكتشف جيلا كاملا أذهل العالم فى مونديال إسبانيا عام 1982 بتقديم كرة جميلة تسعى فى المقام الأول إلى تقديم المتعة للجماهير. قدم سانتانا جيلا ضم من المواهب زيكو وإيدر فى الهجوم وسقراط وفالكاو فى الوسط وجوينور فى الدفاع. كان جيلا يجيد بأكمله مراوغة المنافس وتسجيل الأهداف. وانتهج سانتانا تكتيك الكرة الهجومية الشاملة وكان لا يهتم سوى بتقديم المتعة معتبرا لاعبيه جواهر تجيد هز الشباك فى أى وقت.. وهو ما قدمته البرازيل فى مواجهات أمام الاتحاد السوفيتى واسكتلندا أو الأرجنتين وغيرها.. تألقت وقدمت كرة جميلة وسجلت العديد من الأهداف.. وشعار سانتانا فى مبارياته: سجل فى مرمانا هدفا نسجل هدفين وهكذا. كان من الممكن أن تفوز البرازيل بالمونديال لولا أنها اصطدمت بمنتخب إيطاليا صاحب الدفاع الحديدى.. عانت البرازيل ونجومها منا ضربا وهجمات سريعة مرتدة وخسرت.. وودعت المونديال...فى نهاية الأمر كسب سانتانا إعجاب العالم بأكمله من خلال المونديال. وأظهرت دراسة قدمتها صحيفة فوتبول البرازيلية عند تأبين سانتانا، أن شعبية البرازيل فى آسيا وأفريقيا بدأت من مونديال إسبانيا وقدمت نفس الدراسة أن لقاءات البرازيل فى البطولة ظلت الأكثر طلبا فى الميديا بالقارة الآسيوية لنحو 25 عاما متصلة عن تجديد حقوق نقلها. وكانت الدراسة بمثابة خير تأبين لتيلى سانتانا بعد وفاته.