حينما تطأ قدمك مخيم عايدة يصدمك جدار الفصل العنصري الإسرائيلي المترامي ذات اليمين وذات اليسار يتحدى صمود أكثر من 4 آلاف من لاجئي الداخل الفلسطيني بمدينة بيت لحم، ناهيك عن صور المعتقلين في مظاهرات سلمية ضد الجدار منذ شرع الاحتلال في بنائه بأغسطس 2002.
صور لأسرى فلسطينيين محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة هنا وهناك.. هذا خالد الأزرق قضى 27 عاما في السجون الإسرائيلية، وهذا ناصر أبو سرور ومحمود أبو سرور منذ 20 عاما، وعلى طول الجدار تنتشر كاميرات وأبراج المراقبة حمالة جنود الاحتلال يراقبون سكان المخيم ليلا نهارا.
وفي تحد يعبر عن مدى صمود ساكنو المخيم.. زينوا الجدار وواجهات منازلهم برسومات "جرافتي" تخلد بطولاتهم، هنا رسم لفيديو شهير لكلب من شرطة إسرائيل يلاحق ذراعا فلسطينية تحاول الهرب منه، وهنا طفل يقذف حجارة على الجنود الإسرائيليين، وذاك معتقل فلسطيني معصوب العينين في قبضة جنود إسرائيليين، وعلى أحد المنازل صورة للمناضلة ليلى خالد أول فدائية تختطف طائرة إسرائيلية.
في المخيم لا تزيد المنازل عن ثلاثة طوابق تعلوها خزانات مياه لا تملأ إلا مرة واحدة بالشهر، لكنك تفزع حينما ترى الديدان ترعى داخلها وسط الصدأ الذي يملأ جنباتها، وحين تجول بنظرك قليلا تقع عينيك على مدرسة أنشأتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا) صماء دون أدنى نوافذ تفاديا لإصابة التلاميذ في حال حدوث أي اعتداء من الجانب المحتل.
أمام أحد المنازل يقف حبشي يوسف أحد ساكني المخيم يقول: "هنا في 2002 تم اقتحام المخيم كباقي مخيمات المدن الفلسطينية.. وضعوا قنبلة على المنزل وطرقوا عليه، فتحت ربة المنزل وانفجرت فيها القنبلة أمام 6 من أطفالها وأسروا طفل عمره سنه وأكبرهم كان عنده 6 سنوات".. ومنزل آخر حطموا حائطه للانتقال من بيت لآخر.
ويستطرد حبشي.. واصفا رحلة عذاب صبحا مساء يعيشها أطفال المخيم: "قبل الجدار الأطفال كانوا يطلعوا من البيت للمدرسة، الآن بيطلعوا من 5 الصبح بيطلعوا على الطريق للقدس ومن القدس لمحسوم كيلو، ومن محسوم لبيت لحم ومن بيت لحم للمدرسة بدهم لذلك 6 ساعات، كل يوم الصبح 3 ساعات وبعد الظهر 3 ساعات.. بين مواصلات ومشي ليوصلوا البيت ويوصلوا المدرسة، وفي الأول كانوا يحتاجون من 5 إلى 10 دقائق".
وبينما المستوطنون في مسافة لا تبعد 5 دقائق يمكنك النظر إليهم من أعلى منازل المخيم، يتمتعون بالمياه في حمامات السباحة والاستخدامات الحياتية على مدار 24 ساعة يوميا، يعاني سكان المخيم من شح المياه خصوصا في فصل الصيف، إذ لا تملأ خزانات المياه سوى مرة واحدة شهريا.
ويتحمل سكان المخيم قسوة الحياة في مساحة لا تزيد عن ثلاثة أرباع كيلو متر على أرض استأجرتها الأنوروا من الحكومة الأردنية، منذ فرارهم من 17 قرية في مدينتي بيت لحم وبيت جالا في أعقاب حربي 1948 و1967.
وفي الذهاب والمجيء لا يزال "مفتاح العودة" متربعا بكل عزة على إحدى بوابات المخيم يشهد معاناة وتشرد استمرا أكثر من 64 عاما، يمنحه ضوء الشمس بريقا يعكسه على لاجئي المخيم "إنكم حتما عائدون".