ستحدد الاضطرابات التى تحدث فى إيران الآن مستقبل الجمهورية الإسلامية ولكنها لن تطيح بالنظام. وتشير المظاهرات التى أشعلتها نتائج الانتخابات الرئاسية التى جاءت لصالح محمود أحمدى نجاد إلى أن القوة السياسية لا يمكن أن تحتكرها الدولة فعلا. فالمجتمع المدنى يقاتل الآن فى إيران، فهو يضحى بدمائه مطالبا بالعدالة، إنه يظهر قوته، قوة الشعب. فاليوم تعتبر إيران واحدة من أكثر الديموقراطيات النابضة بالحياة فى العالم، لأنها تمتلك شعبا لا يسكت عن المطالبة بحقوقه، ويقتصر دور مؤيدى أحمدى نجاد على التقليل من رد فعل المجتمع المدنى، وهذا يفسر استمرارهم فى توجيه انتقادات عنيفة لهؤلاء الذين يطالبون بالشرعية. وفى ظل كل ذلك، يعتبر الاضطراب المدنى الذى يحدث فى إيران الآن اضطرابا تاريخيا، ليس فقط لأن هذا الاضطراب قد طالب الدولة بتقديم تنازلات، ولكن لأنه أيضا يوفر حتى الآن أكثر من دليل على أن الشعوب يمكن أن تمارس سلطتها متحدية كل المصاعب ومتخطية كل العقبات؛ أيا كانت. هؤلاء الرجال والنساء الشجعان فى شوارع إيران وأصفهان وشيراز ومدن أخرى يحملون نفس الروح المثالية التى ألهمت آباءهم وأمهاتهم منذ ثلاثة عقود. إنها روح العدالة. إنهم يؤمنون بأن التغيير ممكن، وأن التظاهر من أجل المطالبة بالحق والعدل ليس بغير جدوى، فقد كانت مواجهة غطرسة النظام واحدة من الأعمدة الأيدولوجية الرئيسية للثورة الإسلامية عام 1979. ولكن الوضع الحالى فى إيران يختلف تماما عن الوضع فى عامى 1978 و1979 لعدة أسباب، أولها أن الجمهورية الإسلامية أثبتت أنها ليست مستعدة للاستجابة للمطالب الاجتماعية ولا ترغب فى أن تكون مرنة أيديولوجيا. ولا أقصد أن أجادل فى أن ما يحدث الآن فى إيران يعكس إرادة الشعب بكل معنى الكلمة ، ولكنى أرى أن النظام الإيرانى ليس نظاما شموليا يحكم مجتمعا موحدا سياسيا. نحن نستطيع أن نرى شقوق السياسة الإيرانية فى كل أعمدة السلطة فى البلاد، وهذا يمكن أن يفسر لنا ما يحدث فى إيران. كما أنه فى حين كان شاه إيران عام 1979، قادرا على تمييز جميع الثوريين، ولكن فى إيران اليوم هذا التمييز غير واضح. ويثور تساؤل فى غاية الأهمية الآن: من هو الشرير فى هذه الدراما التى تحدث فى إيران؟ هل هو أحمدى نجاد الذى تظاهر الإيرانيون ضده ؟ أم أنه آية الله على خامنئى الذى يمنحه الكثيرون أقوى ولاء فى داخل البلاد وخارجها؟ أم أنه الحرس الثورى؟ أم الباسيج؟ أم أنه محسن رضائى واحد من مرشحى الرئاسة الإيرانية وخصم محمود أحمدى نجاد الذى يطعن فى صحة نتيجة الانتخابات الرئاسية. والقائد السابق للحرس الثورى الإيرانى؟ وتصبح الصورة أكثر تعقيدا إذا أخذنا فى الاعتبار أن بعض مؤسسات الدولة مثل البرلمان الإيرانى الذى يرأسه على لاريجانى، دعا إلى إجراء تحقيق شامل فى أعمال العنف التى ارتكبها بعض أفراد قوات الباسيج والشرطة فى مبانى الجامعة الإيرانية. ويتساءل لاريجانى «ماذا يعنى أن يهاجم الطلاب فى منتصف الليل فى السكن الجامعى؟» والحقيقة أنه قال «وزير الداخلية... يجب أن يجيب عن هذا التساؤل،» كما أنه ذكر أن «البرلمان يتابع باهتمام هذه القضية». وفيما يتعلق بثانى سبب رئيسى للاختلاف بين الوضع الإيرانى الحالى عام 2009 والوضع عام 1979، هو أن المعارضة حاليا خرجت من داخل النظام نفسه، فأفراد النظام الإيرانى يتقاتلون مع بعضهم البعض، فقد كان مير حسين موسوى رئيس وزراء إيران خلال الفترة التى كان فيها آية الله خامنئى القائد العلى هو رئيس البلاد. كما أن محمد خاتمى الذى يعد واحدا من أشد مؤيدى موسوى كان رئيس إيران فى الفترة ما بين عامى 1997 و2005، وآية الله هاشمى رافسنجانى رئيس مجلس الخبراء حليفا سياسيا آخر كما أنه كان رئيسا لإيران فى السابق. هؤلاء هم الذين قادوا الثورة الإسلامية، ولن يبددوا إطلاقا مشروعهم. لذلك يخطئ بعض المعلقين عندما يؤكدون أنهم يشهدون اندلاع ثورة فى إيران الآن، فالنقاش يدور الآن حول الطريق الذى ستمضى فيه الجمهورية الإيرانية ومعنى إطلاق كلمة «ثورة» على ما يجرى فى إيران، لا يعنى الإطاحة بالنظام الإيرانى كله. فما يحدث هناك يندرج فى إطار لعبة السياسة، ويبدو أن هؤلاء الذين يعرضون حياتهم للخطر يعلمون ذلك، بمعنى آخر؛ إنهم يعلمون أنهم أكثر قوة مهمة على الإطلاق فى أيدى هؤلاء الذين يسعون للسيطرة على السلطة. لهذا؛ فإن النظام الإيرانى يظهر وكأنه قادر على التعامل بكياسة مع الأزمة الحالية، وهؤلاء الذين نظموا ثورة الآن يعرفون كيف يبقون على أنفسهم. الدولة تظهر قوتها السياسية من خلال مزيج من الحوافز والضغوط والوصول إلى التسوية واللجوء إلى الاعتقال. علاوة على ذلك، إذا اقتضى الأمر، فإن قادة المعارضة المحيطين بموسوى لن يهاجموا النظام الذى قاموا ببنائه بأنفسهم، كما أن موسوى نفسه قال فى الخطاب الخامس الذى وجهه للشعب الإيرانى «نحن لسنا ضد نظامنا المقدس، وهياكله القانونية، تلك الهياكل تحمى استقلالنا وحريتنا والجمهورية الإسلامية». الجارديان للأخبار والإعلام لمتد (2009)