ارتبط اسم عميد الرواية العربية نجيب محفوظ بعدد من المقاهي في القاهرة التي كان يداوم الجلوس فيها، يلتقي فيها بأصدقائه وتلاميذه ومريديه مثل “قهوة عرابي” و”كازينو صفية حلمي” و”مقهى ريش”، الذي كان يذهب إليه كل يوم في الثامنة صباحا ليتناول فنجان القهوة، ثم يمضي إلى مكتبه في جريدة “الأهرام”، كان هذا تحديداً في فصل الشتاء، أما في فصل الصيف فكان محفوظ يقضي معظمه في مدينة “الإسكندرية”، وهناك لم يترك عادته اليومية في الجلوس على المقهى، واشتهرت عدة مقاه كان يلتقي فيها بأدباء الثغر الذين يأتون إليه ليتعلموا من تجربته في الحياة والكتابة، وليعرضوا عليه بعضاً مما كتبوا علهم يظفرون منه بنصيحة أو تحفيز . ومن تلك المقاهي التي كان يرتادها أديب نوبل مقهى “بترو” الذي كان يجلس فيه أيضاً توفيق الحكيم، حيث كان “محفوظ” و”الحكيم” يفدان إليه في الحادية عشرة صباحا، فيلتف حولهما الأدباء من الإسكندرية، والأدباء الذين قدموا من القاهرة لقضاء إجازة الصيف، أمثال ثروت أباظة وعبد الرحمن الشرقاوي وعباس الأسواني ومحمود تيمور وغيرهم من كبار الأدباء .
وفي الستينات كان يلتقي أدباء هذا الجيل في مقهى “النيل”، حيث كانوا يتحلقون حول رواد الشعر في الثغر أمثال عبد العليم القباني ومحمود العتريس وصالح المصري وكامل حسني ومحمود الكمشوشي وصبري أبو علم، وانضم إليهم بعد ذلك أمل دنقل وقت أن كان مقيماً في الإسكندرية .
أما مقهى فندق الشانزلزيه، فقد شهد حوارات ولقاءات فكرية وإبداعية مهمة، ويحكي الأديب محمود عوض عبد العال في شهادة حول تلك الفترة قائلا: “كنا نجلس إليه كل صيف، حيث يحضر إلينا توفيق الحكيم بعد العاشرة صباحا، وقبله كان يحضر نجيب محفوظ ثم يحكي بعض النوادر التي حدثت للحكيم أثناء سيره إلى المقهى” .
أما نجيب محفوظ الذي يصف هواء الإسكندرية قائلاً: “يعجبني جو الإسكندرية لا في صفائه وإشعاعاته الذهبية الدافئة، ولكن في غضباته الموسمية عندما تتراكم السحب، وتنعقد جبال الغيوم”، نجيب محفوظ كان بخلاف توفيق الحكيم الذي كان يحب أن يتحدث طول الجلسة، كان محفوظ يكتفي بمجرد التعليقات .
وعن ذكريات جلسات “سان استفانو” يقول الأديب السكندري محمد الجمل، كان الأستاذ محفوظ يتقبل من أعضاء الندوة بعض النكات والقفشات والنقد الزائد عن الحد . وعندما أبديت دهشتي قال لي بتلقائية الفنان الواعي: “نحن هنا في برلمان “سان استفانو”، وهو بديل برلماناتنا الزائفة . لا إبداع من دون حرية تعبير، ولا نهضة من دون صندوق انتخابات شفاف ونزيه، كل واحد يعبر عن نفسه من منظور ثقافته وإدراكه الخاص” .
وقد ظلت علاقة محفوظ قائمة بكازينو “سان استفانو” وندوته الصيفية، حتى بعد حصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988 فكانت هي الندوة الثانية التي يعقدها بعد لقائه الأسبوعي مع شلة “الحرافيش” في “كازينو قصر النيل” بالقاهرة .
ويؤكد الجمل أن علاقة محفوظ بأدباء الإسكندرية كانت علاقة قائمة على التقدير، فقد رشح ثلاثة أدباء منهم وهم سعيد سالم ونعيم تكلا ومحمد الجمل لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في رحلة ثقافية، زاروا خلالها عشر ولايات ونزلوا ضيوفاً على الكثير من المتاحف والمكتبات والجامعات والمواقع الأثرية والمراكز الثقافية .