رغم أن مساحة مستشفى الشفا بوسط غزة ليست كبيرة، لكنه المكان الوحيد الذى لم يتم إخلاؤه وقت العدوان الإسرائيلى، كل شىء انتقل اليه، الأمن الداخلى، وزارة الصحة، الإعلام بمختلف وسائله، الجميع ينتظر سيارات الاسعاف المحملة بالمصابين والشهداء على مدار الساعة. يتكون المستشفى من 4 طوابق، بالإضافة إلى مبنى إدارى مكون من طابقين ومبنى به المشرحة يتكون من طابق واحد ومبنى تحت الانشاء لم يتم تجهيزه بعد، ورغم حالة الحرب والظروف التى عاشها قطاع غزة إلا أن النظافة فى المستشفى لا تعبر عن ذلك مطلقا، فعمال النظافة يواصلون العمل ليل نهار لإزالة القمامة من مختلف طرقاتها، ولافتات منع التدخين تتواجد فى كل دور فلا يسمح مطلقا بإشعال السجائر.
حالة الحرب جعلت طوابق المستشفى جميعها تستقبل الحالات المصابة من العدوان، الرجال فى جانب والسيدات فى الجانب الآخر، غرف صغيرة مساحتها لا تتجاوز 3 فى 4.5 متر، تضم ما بين 4 و5 أسرة، يفصل بينها ستارة خضراء اللون، بينما يجلس بجوار كل مريض أحد أقاربه.
الحركة داخل المستشفى سريعة، أطباء يهرولون إلى المرضى فور وصولهم، وممرضون يتنقلون بين الغرف، بينما يستقبل المستشفى أقارب المصابين نهارا، ثم يقضى المرضى ليلهم على أصوات القصف التى لا تنقطع، فيما يتنقل الاطباء بين طوابق المستشفى لمتابعة الحالات الصحية.
بعدة شظايا فى الوجه واليدين والعمود الفقرى، يحكى فارس سامى النحال، 56 عاما، عن الغارة التى أصابته قائلا «فى التاسعة وعشر دقائق صباح السبت الماضى قصفتنا بارجة إسرائيلية من البحر وأيضا فى نفس التوقيت قصفتنا الزنانة وراح ضحية هذه الغارة شهيدان و9 مصابين منهم ابن أخى أحمد عصام النحال، واستشهدت بنت عمى تسنيم زهير، وهى طفلة لم تكمل عامها العاشر بعد، وكل ذنبنا أننا كنا نجلس سويا أمام منزلنا بمخيم الشاطئ، ففوجئنا بالصاروخ يستهدف منزلنا».
فى نفس الغرفة يجلس شاب فى العقد الثانى من عمره يدعى مصطفى فؤاد حجازى طالب بالمرحلة الثانية مصابا من غرة استهدفت منزله، حيث يتذكر لحظات الرعب التى عاشها قائلا «أنا من مخيم جباليا الموجود فى غزة، وكنت أشاهد برنامجا تحليليا على إحدى القنوات التليفزيونية الفلسطينية ونحو الساعة الثانية والنصف فجرا قصفت الطائرة الإسرائيلية منزلنا بصاروخ ولم نعرف انه سقط اعلى المنزل، وعندما صعدت لأعلى لأرى أين القصف كانت الطائرة الأخرى تقترب ونزلنا بسرعة أنا ووالدى وباقى افراد عائلتى، لكن والدى استشهد ومعه اثنان من اشقائى الصغار وجاءوا بى المستشفى.
رغم أن جنازة والده وأشقائه لم تكن خرجت بعد إلا أن مصطفى لم يبك عليهم وأضاف قائلا «أريد أن نكمل المقاومة.. الله أكبر من اليهود.. أنا أتمنى أن أكون فى المقاومة وكتائب القسام».
علاء غبن، 25 عاما، من سكان النصيرات فى المنطقة الوسطى لقطاع غزة وهى منطقة سكنية يقول «كنت أسير فى الشارع وفجأة تم قصف أرض زراعية وكنت بجانبها، وأصبت عدة إصابات بالغة حيث تم نقلى إلى المستشفى وعلاجى وقال لى الاطباء إننى سأخرج قريبا».
أبو ملك هو أحد رجال المقاومة، 35 عاما، لديه 5 أولاد فكانت إصابته بجميع جسمه نتيجة شظايا صاروخ أطلق عليه وسط الشارع، حيث أصيب يوم السبت الماضى فى منطقة الشيخ رضوان أو حى النصر بوسط غزة وهى منطقة سكنية.
تقول زوجته «كان رايح يشترى لنا فطار وكان يسير فى الشارع وتم استهدافه وقصف المكان الذى يسير فيه والحمد لله أنه أصيب فقط».
وبالرغم من أن أبوملك لا يتحرك ولا يتكلم إلا أنه قال لنا بصعوبة «سنظل نقاوم ولن نستسلم أبدا».
ومن أحد شباب المقاومة الذين أصيبوا فى الحرب وتم بتر ساقه، عز الدين أبوحمام، 19 عاما، فى السنة الثانية من كلية التجارة فأصيب مساء السبت الماضى فى الساعة العاشرة مساء وهو من مخيم الشاطئ حيث أصابته طائرة استطلاع عندما كان يقود دراجة بخارية وسط الشارع».
لم يرد عزالدين أن يفصح عن وجهته التى كان يريدها قائلا «شىء سرى»، مشيرا إلى أنه يعرف أن العدو يستهدفه وكان هناك تحذير له لكنه فى نفس الوقت قال «الحمد لله.. عزيمتنا تزيد.. ومهما يعملوا فينا سنظل مستمرين فى الطريق الذى نسير فيه.. هم لا يستهدفون المقاومة فقط لكنهم يستهدفون كل شىء حتى المدنيين.. تم قصف البنك الوطنى وسط غزة أمام عينى ورأيت طفلا صغيرا يطير فى الهواء من شدة الانفجار».
يشير الدكتور زهير الجرو أستاذ جراحة الاطفال والموجود فى المستشفى إلى أن إصابات الاطفال إما أن تكون بسيطة أو إصابات بالغة أدت إلى استشهادهم لذا لا يستغرق وجودهم فى المستشفى فترة طويلة، موضحا أن أغلب الإصابات البسيطة تكون فى الرأس.
وأضاف الجرو أن أصعب المواقف هى التى تجد فيها أبا فقد أولاده وزوجته أو أن يصل الطفل إلى المستشفى شهيدا وهو فى حضن والدته، أو أبا يجد ابنا مصابا بينما استشهدت زوجته لافتا إلى أن الاطباء لا يستغربون أحيانا وجود أقارب لهم وسط المصابين.
من جانبه قال الدكتور أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة ومدير مستشفى الشفاء ل«الشروق» أنه تم تحويل أكثر من 22 حالة لمصر تتراوح إصابتهم ما بين الإصابات الخطيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن الحالات التى يتم إرسالها لمصر حالات تحتاج إلى عناية ووقت للعلاج