عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 بالصاغة    بريطانيا ترسل مقاتلات حربية إلى بولندا لمواجهة روسيا    إعلام عبري: العملية البرية بغزة ستنجز نهاية العام الجاري    نجم بيراميدز يكشف: تعرضت لحملة ممنهجة في الزمالك    هيرجع يلمع من تاني.. خطوات تنظيف حوض المطبخ    «باب مفتوح على مصراعيه للتلوث».. خبير تغذية يحذر من تحضير اللانش بوكس بهذه الطريقة    فتح باب القبول بكلية الطب بالقوات المسلحة للدفعة الأولى بالصفة العسكرية والمدنية من حملة الثانوية    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد المشاركة في قمة الدوحة    مصطفى البرغوثي: لابد من توحيد الموقف الفلسطيني وتشكيل قيادة وطنية موحدة لإدارة النضال ضد الاحتلال    تبدأ اليوم.. زيارة تاريخية للعاهل الإسباني وقرينته إلى مصر وسط عقوبات إسبانية على إسرائيل لوقف الإبادة في غزة    إسرائيل تزعم: استهداف قادة حماس في الدوحة تم بشكل مستقل    الدكتور محمد على إبراهيم أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري ل«المصري اليوم»: سياسات الصندوق جوهرها الخفض الخبيث للعملة وبيع الأصول العامة بأسعار رخيصة (الحلقة الخامسة)    تقرير: حفل موسيقي يمنع برشلونة من مواجهة سوسييداد في مونتجويك    سيطرة مصرية في ختام دور ال16 ببطولة مصر المفتوحة للإسكواش    4 أهداف مرشحة للأفضل في الجولة السادسة للدوري    بسبب مبلغ مالي.. زوج ينهي حياة زوجته في مدينة العبور بالقليوبية    «مشاكله كلها بعد اتنين بالليل».. مجدي عبدالغني ينتقد إمام عاشور: «بتنام إمتى؟»    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    حريق ب مطعم شهير بالدقي والدفع ب 5 سيارات إطفاء للسيطرة عليه (صور)    حبس زوج لاعبة الجودو في الإسكندرية لاتهامه بقتلها عمدا أمام طفليها التوأم    حي العجمي يزيل إشغالات سوق الهانوفيل وينقل الباعة إلى موقع بديل    لا تتردد في اتخاذ خطوة جديدة.. حظ برج الجدي اليوم 16 سبتمبر    القليل من التردد ومغامرات محتملة.. حظ برج القوس اليوم 16 سبتمبر    4 أبراج «معاهم ملاك حارس».. صادقون يحظون بالعناية ويخرجون من المآزق بمهارة    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    هدى الأتربي: فخورة بالمشاركة في "كلهم بيحبوا مودي" مع ياسر جلال برمضان 2026    الإسكان تطرح وحدات إدارية ومهنية للبيع بنظام المزاد    لأول مرة، الأعلى للشئون الإسلامية ينظم المعسكر الأول لطالبات جامعة الأزهر    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    مدير الرعاية الصحية بالإسماعيلية يتفقد مستشفى القنطرة غرب    تعرف على حكام مباريات الأربعاء فى افتتاح الجولة السابعة بالدورى المصرى    فتيات الميني فوتبول تتوجه لأربيل للمشاركة في كأس العالم للسيدات    تعرف على نتائج اليوم الثالث لبطولة إفريقيا لشباب الطائرة بالقاهرة    ضياء رشوان: الرئيس السيسي استخدم كلمة عدو ضد إسرائيل في خطابه لأول مرة    إسقاط الجنسية المصرية عن 3 متورطين في الاعتداء على البعثة الدبلوماسية بنيويورك    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 16سبتمبر 2025    أخبار 24 ساعة.. البيان الختامي لقمة الدوحة: تضامن وإشادة بقطر ورفض التهجير    جيفري ساكس: يجب الضغط على واشنطن لتتوقف عن التواطؤ مع «تل أبيب»    مدرب بيراميدز: لا نهتم بأنباء مفاوضات الأهلي مع ماييلي    صلاح عبد العاطى: الفلسطينيون يواجهون إبادة جماعية ومخطط التهجير لا يزال قائمًا    "اعرف فصلك واستلم كتابك".. مدارس الشرقية تستقبل الطلاب قبل الدراسة ب4 أيام - (تفاصيل)    كلمة الموسيقار الكبير عمر خيرت بمناسبة الاحتفال الأول باليوم المصري للموسيقى    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    جريمة تهز الوراق.. شقيقان ينهيان حياة شقيقتهما والسبب صادم    وزير الري: المياه عصب الحياة للمشروعات التنموية والعمرانية    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    القليوبية تدعم التأمين الصحي بعيادات ووحدات جديدة (صور)    «باطلة من أساسها».. خالد الجندي يرد على شبهة «فترة ال 183 سنة المفقودة» في نقل الحديث (فيديو)    أسامة السعيد: الجامعة المصرية اليابانية.. مكان من المستقبل يجسد شراكة مصر واليابان    تأجيل محاكمة 25 متهمًا بخلية القطامية لجلسة 12 نوفمبر    آلية الاستعلام عن وجود استئناف بالقضايا إلكترونيا    قرار وزاري بإصدار ضوابط وآليات إعتماد «الإستقالات» طبقًا لقانون العمل الجديد    الفريق أسامة ربيع ينعى 4 مرشدين رحلوا خلال عام 2025    نشر الوعي بالقانون الجديد وتعزيز بيئة آمنة.. أبرز أنشطة العمل بالمحافظات    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع يستدعى أسئلة المصير العربى
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 10 - 2012

شهدت القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية اجتماعا غير مألوف لمجموعة من المثقفين العرب لمناقشة سبل الخروج من أزمة الأمة العربية وكيفية لملمة عقدها الذى انفرط.

(1)

لولا الربيع العربى ما قدموا إلى مصر التى لم تكن ترحب بهم فى عصر الانكفاء، وبعضهم ظل يرد على عقبيه ولا يسمح له بالخروج من مطار القاهرة. ولولا «الربيع» لما مدوا ابصارهم إلى محيط الأمة متجاوزين حدود أقطارهم التى ظل خطاب تلك المرحلة يلح على أنها أولا وأخيرا، وما كان لهم أيضا ان يشدوا الرحال إلى القاهرة إلا بعدما تسلَّموا الرسالة التى دوت فى الآفاق فى العام الماضى، معلنة ان الشعوب العربية إذا كان وعيها قد غيب وتشوه إلا أنها لم تمت، وأن حلمها المؤجل لا يزال بعيدا حقا، لكنه ما عاد مستحيلا. خصوصا أن الذى وقع وقلب المعادلة رأسا على عقب كان يعد من المستحيلات عند كثيرين.

فى فضاء قاعة اجتماعاتهم ظلت الأسئلة الموجعة تتردد طوال الوقت. لماذا فشلت خطوات التكامل العربى، فمجلس الوحدة الاقتصادية تشكل عام 1957 (قبل نحو 65 عاما) وتزامن مع تأسيس السوق الأوروبية المشتركة، وما زلنا نقف عند نقطة الصفر فى حين أنهم وسعوا من نطاق السوق وأقاموا فوقه الاتحاد الأوروبى. ويستحى المرء أن يقول إن اتفاقية الدفاع العربى المشتركة وقعت فى عام 1950، بعد حرب فلسطين مباشرة، ولم يتم تفعيلها إلا بعد مضى ستين عاما، حين غزت العراق الكويت فى سنة 1990، الأسوأ من ذلك ان الاتفاقية لم تر النور إلا فى ظل الضوء الأمريكى الأخضر، ثم لم نر لها أثرا بعد ذلك. حتى سقطت من الذاكرة سواء حين اجتاحت إسرائيل لبنان فى عام 1982 وحين احتلت الولايات المتحدة العراق فى سنة 2003، الأنكى من ذلك والأتعس أن الدول العربية التى وقعت فيما بينها الاتفاقية المذكورة أصبحت تعيش تحت مظلة الحماية الأمريكية، حتى ذكر تقرير عرض على مجموعة المثقفين العرب ان الولايات المتحدة أقامت قواعد عسكرية أمريكية على أراضٍ أكثر من ثلث الأقطار العربية.



(2)

فى اليوم الذى بدأت فيه مشاورات المثقفين العرب (الثلاثاء 2/10) كانت جماعة الحراك الجنوبى فى اليمن قد دعت إلى اجتماع فى عدن للمطالبة بانفصال الجنوب وانسحابه من الوحدة التى تمت مع الشمال فى سنة 1990 يومذاك أيضا كانت دول الاتحاد المغاربى الخمس (تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا) قد انتهت من ترتيب القمة الناجحة مع الدول الأوروبية الخمس المقابلة لها (إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ومالطة والبرتغال) وهو ما يعرف بقمة 5+5. وقد أصدر رؤساء الدول العشر فى أعقاب مؤتمرهم الذى عقد فى مالطة بما أكد على «التراث الهائل المشترك من الثقافة والحضارة والتاريخ وتطلعات شعوب المنطقة لشراكة لتحقيق الديمقراطية والاستقرار والأمن والازدهار».

أصابتنى العبارة حين وقعت عليها بالغيظ والحسد. وكان تعليقى الوحيد عليها ان ما بيننا فى العالم العربى (روابط الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا) أوسع وأمتن مما بين الدول المغاربية الخمس وبين نظيراتها الأوروبيات التى تقابلها على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط.

مشاهد الانفراط والانقراض التى يعانى منها العالم العربى كانت أيضا حاضرة فى وعى الجميع. لم تكن بعيدة عن الأذهان، من فاجعة انفصال جنوب السودان عن شماله، إلى التشققات التى أصابت العراق حتى أصبح شماله مهيأ للانفصال لصالح الأكراد، إلى التداعيات المؤرقة التى يمكن أن تترتب على سقوط النظام السورى واحتمالات تقسيم البلد بين السنة والشيعة والأكراد، وهو ما ستكون له أصداء أخرى فى لبنان والعراق والأردن على الأقل، ذلك إذا مرت التحرشات العسكرية بين سوريا وتركيا بسلام. وكذلك التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد إيران. ومعلوم أن اغتصاب إسرائيل لفلسطين من الإشارات المبكرة لضمور العالم العربى التى يعد احتلال الجولان من تجلياتها أيضا.

كما كان مشهد انفراط العالم العربى وتشرذمه مائلا أمام الجميع، فإن فصل الخيبات الوحدوية أو التكاملية العربية لم يكن بعيدا عن الاذهان (الوحدة السورية المصرية نموذجا) و(التكامل بين مصر والسودان نموذج آخر)، بحيث لم يبق للعرب من التجارب الوحدوية سوى حالات ثلاث هى: دولة الإمارات العربية بمجلس التعاون الخليجى الاتحاد المغاربى. وهى لا تمثل تكاملا حقيقيا، ولكنها تختلف فى درجة هشاشتها.

(3)

هل قدر العالم العربى أن يعيش مشتتا ومتنابذا؟ ولماذا نجحت محاولات التكامل فى أوروبا وآسيا ولم تحدث فى العالم العربى؟ كان رأيى ولا يزال ان العالم العربى له خصوصيات تميزه عن أى منطقة أخرى فى العالم، وهذه الخصوصيات أسهمت بشكل كبير فى استهدافه والعمل على إبقائه ممزقا، لأن اجتماعه أو تكامله يهدد مصالح ويقلب استراتيجيات أطراف أخرى ذات مصلحة، على الصعيدين الدولى والإقليمى. ذلك أن موقعه الاستراتيجى بين الشرق والغرب وكونه يمثل بوابة لأفريقيا، يجعله مطمعا للدول الكبرى المهيمنة. وهى ذات الدول التى تطلعت لاختراقه واحتلاله منذ القرن الثامن عشر، ثم سعت إلى اقتسامه وإعادة رسم خرائطه من خلال اتفاقية «سايكس بيكو» التى عقدت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وإذا كان الموقع الاستراتيجى يشكل مطمعا مبكرا، فإن ظهور النفط فى المنطقة العربية شكل عنصر جذب آخر دفع الدول الغربية إلى محاولة تثبيت هيمنتها عليها واعتبارها ضمن مصالحها الحيوية التى تتشبث بفكرة الحفاظ عليها والدفاع عنها.

وإذا كان النفط قد ظهر فى العالم العربى فى ثلاثينيات القرن الماضى، فإن تأسيس دولة إسرائيل واغتصابها لفلسطين فى الأربعينيات بتوافق غربى بالدرجة الأولى، أضفى وضعا استثنائيا لخصوصية العالم العربى، لا مثيل له فى أى مكان آخر بالعالم. ذلك أنه لكى تبقى إسرائيل وتستمر كان لابد من إضعاف وتطويع العالم العربى الذى رفضت شعوبه جريمة الاغتصاب وحاربت لأجل صدها وايقافها منذ اللحظات الأولى. ولأن إضعاف العالم العربى ومصر فى المقدمة منها، يصب فى المصلحة المباشرة لقوى الهيمنة الدولية وإسرائيل، فقد كان منطقيا ومفهوما ان تقف تلك الدول فى صف معارضة أى تكامل عربى على مستوى، سياسى واقتصادى أو ثقافى، لهذا السبب أعربت الدول الغربية عن عدم رضاها عن الوحدة المصرية السورية، ولم يهدأ لها بال إلا حين تم الانفصال. ولهذا السبب تواجد الخبراء الإسرائيليون إلى جانب الملكيين الذين حاربوا الجيش المصرى الذى ذهب تأييدا للثورة فى اليمن، كما تواجدوا مع الجنوبيين فى السودان. ووقفوا إلى جوارهم حتى انفصلوا عن حكومة الخرطوم، وهناك أكثر من دراسة إسرائيلية تحدثت عن جهود «الموساد» لتأليب الأقليات العرقية والدينية فى العالم العربى (الأكراد مثلا) لتفكيكه وإضعافه.

(4)

هذا التحليل يظل منقوصا إذا لم نتحدث عن أزمة الداخل فى العالم العربى ذلك انه حين يعقد منذ تأسيس الجامعة العربية فى عام 1945 خمس وثلاثون مؤتمرا للقمة لبحث كافة هموم الأمة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، ثم يصبح حالنا على النحو الذى تعرفه، فمعنى ذلك انه لا توجد إرادة عربية حقيقية للتغيير أو التقدم. يعزز ذلك أن لدينا كمًّا من المجالس والاتفاقيات والمعاهدات يغطى كل صور التكامل العربى المنشود، فى السياسة والأمن والثقافة والتجارة والعمالة والسياحة والإدارة والطاقة الذرية... إلخ، حين يحدث ذلك أيضا فهو يعنى أن أزمة الأمة العربية هى أزمة إرادة أيضا. بكلام آخر فإنه إذا كانت العوامل الخارجية تشكل عائقا ضد التكامل المنشود فإن عجز سلطة القرار العربى يشكل عائقا آخر لا يقل خطورة.

عند هذه النقطة لا مفر من التوقف عند دور الاستبداد فى إعاقة النهوض بالأمة العربية، الأمر الذى أدى إلى إضعاف المجتمعات العربية وتشويهها، وإصابتها بلعنة «فساد العمران» التى تحدث عنها ابن خلدون فى مقدمته، هذا للتشخيص دفع أحد الفلاسفة الذين اشتركوا فى حوارات القاهرة الأخيرة إلى القول بأن التجربة أثبتت فشل جامعة الحكومات العربية. وأن رياح الربيع التى هبت على العالم العربى تهيئ فرصة مواتية لتأسيس ما أسماه جامعة الشعوب العربية. ورغم أن الفكرة لم تطرح للمناقشة التفصيلية، إلا أنها كانت بمثابة دعوة لإحياء دور الشعوب فى تقرير المصير العربى، بعد أن ظل ذلك الدور حكرا على حكومات لم تمثلها يوما ما.

إذا وسعنا دائرة النظر فى مشكلات الداخل فسوف نلاحظ أن غياب الديمقراطية يمثل سببا جوهريا لها، ولكننا سنجد أن الخلافات المحتدمة بين المثقفين، خصوصا الذين يمثلون التيارين العلمانى والإسلامى، تمثل عائقا آخر لا يهدد التقدم ويهدد الاستقرار فحسب، ولكنه أيضا يصرف الانتباه عن قضايا المصير التى تشكل تحديدا وجوديا للطرفين.



(5)

فى تقديمه لمذكرات جمعية «أم القرى» التى ضمنها خلاصة حوارات مؤتمر نهضة الأمة الذى انعقد فى مكة المكرمة سنة 1316هجرية 1898 ميلادية كتب عبدالرحمن الكواكبى يقول:

«لما كان عهدنا هذا عهدا عمّ فيه الخلل والضعف كافة المسلمين. وكان من سنن الله فى خلقه أن جعل لكل شىء سببا، فلابد لهذا الخلل الطارئ والضعف النازل من أسباب ظاهرية غير سر القدر الخفى عن البحر. (لاجل ذلك) دعت الحمية بعض أفاضل العلماء والسراه والكتاب السياسيين للبحث عن أسباب ذلك، والتنقيب عن أفضل الوسائل للنهضة الإسلامية».

هذا الكلام ينطبق على حوارات لقاء المثقفين العرب الذى انعقد فى القاهرة، والذى كان الدافع إليه هو ذاته ما دفع الكواكبى قبل 114 عاما إلى تحرى أسباب الضعف والخلل الذى أصاب الأمة الإسلامية، وإن تشابهت فى الدوافع وفى الكتمان الذى أحاط بالحوارات، وفى الحرص على تمثيل شعوب الأمة، إلا أنهما اختلفتا فى كون حوارات الكواكبى تحدثت عن أحوال الأمة الإسلامية أما ما شهدته القاهرة كان موضوعه أزمة الأمة العربية. وفى حين ان الكواكبى دعا المجتمعين إلى إجراء حواراتهم «بصورة خفية فى دار بأطراف مكة، استؤجرت باسم بواب داغستانى روسى، لتكون مصونة من التعرض»، فإن الاجتماعات التى عقدت بالقاهرة تمت فى قاعة بأحد الفنادق، بعيدا عن أعين وسائل الإعلام وآذانها. وتمت العملية كلها بترتيب من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لمغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (اسكوا) التى ترأسها الدكتورة ريما خلفا مساعدة الأمين العام، وتتخذ من بيروت مقرا لها.

ثمة فرق آخر بين ما عرضه الكواكبى وهذا الذى قدمته، يتمثل فى ان شيخنا الكبير عرض خلاصة ما تحدث به ممثلو العالم الإسلامى، فى حين أن ما كتبته هو من وحى المناقشات التى أجراها المثقفون الذين جاءوا إلى القاهرة من أطراف العالم العربى. والذى تحدث به هؤلاء وهؤلاء، يظل من قبيل أجراس التنبيه التى تتردد فى فضاء الأمة، وتنتظر من يستجيب إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.