فى كل مرة يشتبك فيها الإسلاميون والتيار المدنى ينفتح الباب واسعا أمام جحافل الفلول كى تطل برأسها وتملأ الدنيا ضجيجا، ولعلك تتذكر أنه كلما اشتعلت معارك الدستور وتأسيسيته يحضر الفلول ويتسلقون المشهد متمسحين فى هذا الطرف أو ذاك. ولو عدت بالذاكرة إلى الأسبوع الأول من أبريل الماضى حين اندلعت أولى المعارك القضائية حول الجمعية التأسيسية جاء فلول مبارك فوق قارب الدولة المدنية، بل إن بعضهم اندمج فى الدور معلنا أنه حامى حمى الثورة ومدنية الدولة.. حتى أن المشهد بدا فى قاعة محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة يوم 11 أبريل الماضى أشبه بلوحة عبثية، حيث كان فريقان من معسكر الثورة يتنازعان قضائيا بشأن الجمعية التأسيسية وبينهما وجوه من فلول النظام السابق وجدوا فى الصراع تربة خصبة لكى يتواجدوا ويتكاثروا ويتشدقوا بالدفاع عن مدنية مصر وثورتها.
وقد كتبت فى هذا المكان آنذاك ما يلى «لتتذكر قوى الإسلام السياسى جيدا أن هذه الأزمة كانت بمثابة الباب الكبير الذى دخل منه ذيول مبارك إلى مسرح الأحداث، حيث رأينا اختلاط الحابل بالنابل والغث بالثمين، والحقيقى والمزيف فى هذه المعركة، ومن الواضح أمام الجميع أنها كانت الثغرة التى تسلل منها عمر سليمان ظل مبارك لكى يتجرأ ويعلن فى خضمها خوض انتخابات الرئاسة.
وأيضا «إن خطيئة قوى الأغلبية البرلمانية المنتشية بكثرتها وفرت مادة ثرية للغاية لكى يرطن بها عمر سليمان وأحمد شفيق وغيرهما من خصوم الثورة لكى يطرحوا أنفسهم فى هيئة الفرسان المدافعين عن مدنية الدولة، رغم أنهم كانوا أول من دهس هذه المدنية بأحذيتهم وحوافر خيولهم وموقعة الجمل ليست بعيدة عن الأذهان.. والأخطر أنها فتحت المجال أمام البعض ليفكر فى الاستقواء بديكتاتورية عسكرية ضد ديكتاتورية دينية، بينما كلتا الديكتاتوريتين هما معكوس المدنية وضدها على طول الخط».
وما أن خرج سليمان من اللعبة بحجة عدم صحة التوكيلات حل بديله شفيق مستثمرا المناخ ذاته، وهو ما يحدث هذه الأيام على وقع الاشتباك حول التأسيسية الثانية، وتحول مصر إلى فسطاطين يتناحران بكل اندفاع، حيث عاد وجه شفيق، وبدلا من إحضاره أمام العدالة فى قضايا الفساد المتهم بها، ها هو يسجل حضوره مشعلا الحرائق بتسريبات أشبه بتسريبات ويكيليكس عن الذين ذهبوا إليه وذهب إليهم من السلفيين والإخوان والليبراليين.
واللافت أن القوى الوطنية لا تريد أن تعى الدرس أبدا، بهذا الإصرار العجيب على بقاء موضوع تأسيسية الدستور لغما يكاد ينفجر فى الجميع، ويعصف بما تبقى من إمكانيات للتوافق والتعايش المحترم.
غير أن المسئولية الأكبر فى هذا المأزق الذى انحشرت فيه مصر كلها تقع على عاتق من يمتلكون الأغلبية، ويحكمون البلاد، ذلك أن عليهم وحدهم يقع عبء طمأنة جميع فئات الشعب المصرى بأن الدستور القادم للمصريين جميعا وليس لفصيل أو تيار بعينه.
وأحسب أن أعضاء التأسيسية العائدين قد أثبتوا حرصا هائلا على التوافق وإعلاء المصلحة الوطنية، لذا تبقى الكرة الآن فى ملعب الأغلبية الحاكمة.