الحكومة الجديدة خلال ساعات؟.. مصطفى بكري يكشف مفاجآت عن التشكيل وإجراءات حلف اليمين    أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى .. تعرف على موعدها    موسم الحج.. السياحة تتعهد باتخاذ الإجراءات القانونية ضد أي شركة لم تلتزم بالإجراءات المتفق عليها    طلب إحاطة بخصوص قطع المياه في قنا    تعرف على أبرز برامج الذكاء الاصطناعي    القسام تعلن عن كمين ثان وتدمير دبابة للاحتلال ومقتل طاقمها برفح    لفتة طيبة.. لاعبو الأهلي يتبرعون بجزء من رواتبهم لأسرتي مشجعتي النادي    ما سبب ارتفاع حصيلة الوفيات والمفقودين في صفوف الحجاج غير النظاميين؟ .. وزيرة الهجرة توضح    مصرع أم وطفلتها أسفل عجلات القطار بمركز ديروط بأسيوط    احتفالات عيد الأضحى.. عروض الفنون الشعبية تزين ممشى أهل مصر بالسويس    خالد النبوي يوجه الشكر لعمال السينما: «الكنز الحقيقي لظهور أهل الكهف»    الخارجية الأمريكية: بلينكن سيبحث اليوم مع الوفد الإسرائيلى الوضع على الحدود    الشباب والرياضة: أكثر من 13.5 مليون مواطن ترددوا على مراكز الشباب في عيد الأضحى    وزير إسرائيلي : إذا انقطعت الكهرباء لساعات في إسرائيل فسينقطع التيار الكهربائي لشهور في لبنان    زعيم «الحوثيين»: البحرية الأمريكية تواجه أعنف قتال لها منذ الحرب العالمية الثانية    منها «الجوزاء».. مواليد 4 أبراج فلكية من السهل إرضائهم    بعد توجيهات الرئيس السيسي بترميمه.. "البوابة نيوز" داخل ضريح الشيخ الشعراوي    توفيت بالحج، زوج ينعي زوجته بكلمات مؤثرة: كانت ملاكًا تسير على الأرض    معظمهم غير مسجلين.. عدد الوفيات في صفوف الحجاج يتجاوز الألف    «القارئ الباكي».. أقارب الشيخ محمد صديق المنشاوي يحيون ذكرى وفاته من أمام مقبرته بسوهاج (فيديو)    ضربة الشمس القاتلة.. كيف تسببت درجات الحرارة في وفاة مئات الحجاج؟    انفراجة فى توافر الأدوية بالصيدليات.. تحرير سعر الصرف ساعد فى تأمين النواقص    رئيس البحوث الزراعية يتفقد معامل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات.. صور    مجازر الغربية تستقبل 1186 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى المبارك    جيش الاحتلال: إصابة جنديين بجروح خطيرة جنوبي غزة    «خناقة شوارع».. إمام عاشور بطل واقعة اعتداء على أفراد أمن أحد المولات (فيديو)    فرحة العيد لسه مكملة.. إقبال على الملاهي بحدائق كفر الشيخ للاحتفال    الأقصر.. توقيع كشف طبي على المواطنين في أرمنت ضمن خدمات عيد الأضحى    الرئيس السيسى يوجه بتشكيل خلية أزمة لمتابعة حالات وفاة الحجاج المصريين.. إنفو    ما حكم زيارة أهل البقيع بعد الانتهاء من أداء مناسك الحج؟.. الإفتاء توضح    نتائج الصف التاسع اليمن 2024 صنعاء وزارة التربية والتعليم بالاسم ورقم الجلوس بالدرجات.. موقع www yemenexam com    انقطاع الكهرباء أزمة مزمة في الكويت.. الصحة توجه إداراتها بإغلاق المصابيح بنهاية الدوام    "تجاهلوا الرد".. أتشمبونج يهدد الزمالك بشكوى جديدة    تنسيق الجامعات.. برنامج الرسوم المتحركة والوسائط المتعددة بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان    سرايا القدس: نخوض اشتاباكات عنيفة مع جنود الاحتلال في رفح    عودة بطولة الأفروآسيوية.. مواجهة منتظرة بين الأهلي والعين الإماراتي    هيئة الدواء المصرية توضح العلاقة بين تناول اللحوم والإمساك    وفاة رجل الأعمال عنان الجلالي مؤسس سلسلة فنادق هلنان العالمية    رومانيا: تبرعنا لأوكرانيا بمنظومة باتريوت مشروط بحصولنا من الناتو على مثلها    إنهاء قوائم الانتظار.. إجراء مليونين و245 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة    ياسر الهضيبي: ثورة 30 يونيو ستظل نقطة مضيئة في تاريخ مصر    عمرو السولية يقترب من الظهور في تشكيل الأهلي أمام الداخلية    رصد وإزالة حالات بناء مخالف وتعديات على الأراضي الزراعية بالجيزة - صور    إجراء اختبارات إلكترونية ب147 مقررًا بجامعة قناة السويس    ضبط عاطلين بحوزتهما كمية من مخدر الحشيش بالمنيرة    7 ضوابط أساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس    مصدر: لا صحة لإعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات    في يومهم العالمي.. اللاجئون داخل مصر قنبلة موقوتة.. الحكومة تقدر عددهم ب9 ملايين من 133 دولة.. نهاية يونيو آخر موعد لتقنين أوضاعهم.. والمفوضية: أم الدنيا تستضيف أكبر عدد منهم في تاريخها    تركي آل الشيخ عن فيلم عمرو دياب ونانسي عجرم: نعيد ذكريات شادية وعبدالحليم بروح العصر الجديد    حرمان 39 ألف طالب فلسطيني من امتحانات الثانوية العامة في غزة    كولر يمنح اللاعبين راحة سلبية السبت المقبل    بالأسماء.. ارتفاع عدد الوفيات في صفوف حجاج سوهاج ليصل إلى 7    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات سلمان رشدى مع أول ليلة بدون حراسة الشرطة
زوجته لم تعد مستعدة للمزيد من تحمل هذه الحياة الخائفة.
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 09 - 2012

يواصل الكاتب البريطانى سلمان رشدى فى مذكراته التى نشرها هذا الأسبوع الكشف عن وقائع سنوات الهروب، عشرة أعوام تحت حراسة الشرطة بعد صدور فتوى الإمام الخمينى بإهدار دمه، ثم الحياة بدون شرطة منذ عام 1999 حتى الآن. فى الجزء الثانى من هذا التقرير يحكى عن الطلقة التى انطلقت بالخطأ من طاقم الحراسة، وعن ليلة اختفاء ابنه ظفار، وصيغة الاعتذار التى وجهها للمسلمين، ورفضها الخمينى من جديد.








هذه القراءة أيضا ملاحظات ومعلومات وردت فى تقارير لصحف غربية كتبت عن المذكرات، منها ما نشرته «نيويوركر» بقلم سلمان رشدى أيضا، وتقرير لصحيفة «ديلى ميل»، وبعض الكتابات العربية عن رشدى.




رشدى يرفض صيغة اعتذار جاءت فى ورقة صغيرة بخط اليد

«أنا مكمم وسجين، لا أستطيع حتى أن أتكلم».

هكذا كتب سلمان رشدى عن أعوام وضعه تحت الحراسة، «أريد أن أركل كرة القدم مع ابنى فى الحديقة. الحياة العادية هى حلمى المستحيل».

يوم 12 فبراير 1989، تجمع نحو ألفى متظاهر فى إسلام آباد ليحتجوا على رواية سلمان رشدى. كان هذا عددا محدودا بالنسبة للمظاهرات الحاشدة المعتادة فى باكستان.

لم يكتف المحتجون هذه المرة بالتعبير عن رأيهم فى أماكنهم، ولم يتوجهوا كما هو متوقع للسفارة البريطانية، بل توجهوا إلى المركز الثقافى الأمريكى الملحق بالسفارة، محاولين اقتحامه!

منعتهم قوات الشرطة بالقوة، وأطلقت النار عليهم، بينما تتصاعد منهم صيحات «الموت لأمريكا» «أشنقوا سلمان رشدى». سقط خمسة قتلى.

يرى الكاتب السورى صادق جلال العظم أن غرض المظاهرة الحقيقى كان إحراج رئيسة الوزراء بينظير بوتو، فالإسلاميون الذين حكموا البلاد من خلف ستار الجنرال ضياء الحق، لم يصدقوا أنه يمكن أن تفوز بالانتخابات امرأة، وغير منضبطة الحجاب أيضا. لذلك توجهوا نحو المصالح الأمريكية لا البريطانية.

فى هذا الوقت كان ذلك الإمام الخمينى راقدا فى غرفة هادئة مظلمة، يشرف على الموت فى سرير مرضه الأخير، كان تقريبا يحتضر.

المشهد يحكيه سلمان رشدى متخيلا دخول الابن الصغير لآية الله الخمينى، ليخبره أن المسلمين يموتون فى باكستان بسبب رواية كتبها مؤلف هندى تطعن فى ثوابت الإسلام، فطلب من ابنه أن يكتب ما سيمليه عليه، وكانت الفتوى التى أهدرت دم «المؤلف الهندى».

كان سلمان يثق فى رأى أخته المحامية سامين.

قالت له إن كل ما يحدث له تفسيرات سياسية، فقادة المسلمين فى بريطانيا يضخمون الموضوع من أجل زيادة نفوذهم على أتباعهم الذين يعتنق الكثير منهم العلمانية والاشتراكية، أما الخمينى فقد أطلق فتواه لأنه يريد أن يستعيد حماس الشباب الإيرانى، بعد أن أجبر على «تجرع السم» بتوقيعه على اتفاق لإنهاء الحرب مع عراق صدام بلا انتصار.

تخيل سلمان صور الشباب الإيرانى المتحمس الذى ذهب إلى الحرب بالآلاف رابطا شارات خضراء مكتوب عليها (شهيد كربلاء)، وبدا له أن توجيه حماسهم للقضاء عليه مفزعا.


بعد أيام كان قد انتقل للإقامة المؤقتة فى فندق صغير، أتاه رجلا الشرطة اللذان يحرسانه، ستان وبيلى، وكان مع ستان ورقة صغيرة عرضها عليه.

قال له بأن على خامنئى، رئيس إيران وقتها، قد قال بأنه يمكن تخفيف حدة الموقف الإيرانى لو اعتذر سلمان رشدى.

كان مع ستان صيغة جاهزة للاعتذار. سأله سلمان عما إذا كان هذا رأى الشرطة أم الحكومة، فقال له إنه رأى الجميع.

فكر سلمان خائفا فى رد فعلهم لو رفض التوقيع، هل سيكفون عن حمايته؟

قرأ الورقة واعتبر ما بها مهينا، كأنه اعلان هزيمة، كأنه ينزل على ركبتيه ويتوسل.

لكن ستان أخبره أن هناك مفاوضات تجرى باسمه، وأن التوقيع قد يساعد على تحسين موقف الرهائن البريطانيين والأمريكيين المأسورين من حزب الله فى لبنان، وأيضا موقف رجل الأعمال البريطانى روجر كوبر المسجون فى طهران بعد ضبطه متسللا.

ودون أن يسجل صيغة الاعتذار التى اقترحها عليه رج الشرطة، يحكى سلمان رشدى أنه قرر أن يكتب صيغة مخففة، يعتذر فيها عن الضرر الذى سببته الرواية، لا عما كتب فى حد ذاته، «يؤسفنى بشدة المعاناة التى سببها نشر روايتى للمسلمين الصادقين».

لم يجد هذا نفعا، فقد صدرت فتوى صارمة أخرى من الخمينى، «حتى لو تاب سلمان رشدى وأصبح الرجل الأكثر تقوى فى كل العصور، فإنه يتعين على كل مسلم أن يوظف كل ما يمكنه، حياته وماله، لإرساله إلى الجحيم».


حتى 1998 الحريق جلس على الأرض يحتضن الهاتف ويطلب الرقم كل ثلاثين ثانية

تصاعدت الأحداث خلال الشهر التالى، تظاهر المسلمون الغاضبون فى العديد من الدول عبر العالم وأحرقوا دُمى عليها صور سلمان، أو شنقوها أو مزقوها، تم إلقاء قنابل حارقة على مكتبات فى لندن وسيدنى، ثم سالت الدماء.

اقتحم شاب شيعى موال للخمينى مسجدا فى بروكسل ببلجيكا، وقتل إمامه الشيخ السعودى عبدالله الأهدل، ومساعده التونسى سالم البحير، لانهما قالا إن فتوى الخمينى للاستهلاك المحلى فى إيران فقط، اما أوروبا ففيها حرية تعبير.

فيما بعد سيتم قتل المترجم اليابانى للرواية، هيوتشى إيجاراشى، كما ستتم محاولة قتل مترجمه الإيطالى إيتور كابريولو من قبل رجل إيرانى ركله وطعنه محاولا إجباره على الاعتراف بمكان سلمان.

كتب سلمان فى مذكراته إنه شعر بالذنب الشديد لتسببه فى كل هذه الأضرار. وأرسل رسالة لمترجمه الإيطالى كابريولو معربا عن أسفه الشديد وتمنياته له بالشفاء العاجل، فلم يرد عليه. عرف أنه قد أخبر دار النشر برفضه العمل على أى من كتب سلمان فى المستقبل.

لم تمنعه كل هذه الأحداث من الالتزام التام بوعده لابنه بالاتصال يوميا فى تمام السابعة مساء، لكنه فى ذلك اليوم عندما اتصل لم يرد أحد.

ظل يحاول مرارا، حتى وصلت الساعة إلى الثامنة والربع وكان هو قد وصل إلى حافة الجنون، جالسا على الأرض ووجهه للحائط، يحتضن الهاتف، ويطلب الرقم كل ثلاثين ثانية .

أبلغ رجال الشرطة الذين يحرسونه، فكلموا رفاقهم فى لندن، ورد احدهم بانه عندما ذهب إلى المنزل وجد بابه مفتوحا ولا يسمع صوتا بالداخل، فلم يدخل حتى يستدعى المزيد من رجال الشرطة تحسبا لأى ظرف.

تخيل مشهد جثتى ابنه ووالدته مغطاتين بالدماء، فامتلأ قلبه بالفزع . قال لرجل الشرطة أنه لو كان هؤلاء خاطفين احتجزوا زوجته السابقة وابنه، فهو سيسلم نفسه لهم.

عن هذه اللحظة كتب يقول: هذا هو ما يحدث عندما تعيش تحت حماية الشرطة. العذاب الأشد قسوة هو العجز عن الاندفاع للبحث عن ابنك بينما تخشى على حياته من الخطر.

فجأة أتاه على الهاتف صوت ابنه ظفار مندهشا من تواجد الشرطة، اخبره أنه خرج مع والدته التى نست ان تضبط جهاز الرد الآلى، أنسرنج ماشين، كعاتها، وأن البيت ذا الباب المفتوح بيت آخر قصده رجال الشرطة بالخطأ.

كان سلمان يشعر بالبلل على وجهه.

عرف أنه يبكى.

بعد ذلك تعاون معه رجال الشرطة ليساعدوه على ممارسة بعض الأنشطة العادية، اصطحبوه للسينما وأدخلوه بعد اطفاء الأنوار وأخرجوه قبل فتحها.

اصطحبوه مع ابنه إلى نادى رجبى خاص بالشرطة ولعبوا معهما.

يشعر سلمان بعرفان شديد لهؤلاء الرجال على هذا الصنيع. يشعر بالعرفان لهم أيضا لأنهم تطوعوا لمهمة حمايته، التى كانت لخطورتها متروكة لإرادة من يرغب بذلك من رجال الشرطة دون أوامر لأحد، كما كتب فى مذكراته.

وعد ابنه بأن يكتب كتاب حكايات له، وهكذا كان أول أعماله بعد «آيات شيطانية» هو كتاب قصص الأطفال «هارون وبحر الحكايات « عام 1990 . كان سيسميه باسم ابنه مباشرة «ظفار وبحر الحكايات» ثم رأى أن من الأفضل ترك مسافة للخيال، فاختار اسم هارون لأنه ترجمة اسم ابنه فى الشرق.

كانت تطلب منه الانتقال إلى موطنها، أمريكا، وكان دائما يرفض، حتى أتى ذلك اليوم عام 1993.

أخبرته زوجته بأنها تلقت اتصالا ممن قال بأنه عميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وأنه يعرف مكانهما.

قالت إن هذا يعنى حدوث اختراق فى سرية اجراءات الشرطة البريطانية، لذلك سيكونان أكثر أمنا فى أمريكا. أبلغ رجال الشرطة الذين قاموا بتحقيق رفيع المستوى كان رئيس الوزراء البريطانى بنفسه مطلعا عليه، وتأكدوا من كذب الزوجة. تحير بين أن يمضى فترة احتجازه وحيدا، أم يمضيها مع من كذبت عليه؟. وفضل الوحدة على الكذب.

لكن الوحدة لم تدم، فقد تعرف سلمان على إليزابيث ويست التى تعمل بدار نشر كان يتعامل معها، وتزوجا عام 1997 .

لقد أتى الحب تحت الحصار.


بلاد الجبروت فى الغرب

حين بدأت إدارة ريجان حربها على نيكاراجوا تعرفت بداخلى على انتماء اعمق إلى هذا البلد الصغير فى قارة لم تطأها قدمى من قبل فى أمريكا الوسطى. زاد اهتمامى يوميا بشئون هذا البلد لأننى، فى نهاية الأمر، لست أنا نفسى إلا ابنا لتمرد ناجح على قوة عظمى هى بريطانيا،كما أن وعيى ليس إلا نتاجا لانتصار الثورة فى الهند. ربما يصح القول أيضا إننا نحن الذين لا ترجع أصولنا إلى بلاد الجبروت فى الغرب أو الشمال نملك شيئا ما مشتركا بيننا مثل معرفتنا، إلى هذا الحد أو ذاك، بمعنى الضعف، وإدراكنا لكيف تبدو الأشياء من منظور الدرك الأسفل، وإحساسنا المتولد نتيجة وجودنا فى هذا القاع ونحن نحدق بالطيور الجارحة النازلة علينا».

عن كتاب ابتسامة الجاجوار- سلمان رشدى

رحلة إلى نيكاراجوا1987



الكاتب ضد رجل السياسة

لا يوجد إجماع حول طبيعة الواقع بين دول الشمال ودول الجنوب. مثلا يختلف ما يقوله الرئيس ريجان حول ما يجرى فى أمريكا الوسطى اختلافا جذريا عما يقوله الساندنيستا (جبهة التحرر الوطنى فى نيكاراجوا) إلى درجة الغياب شبه الكامل لأى أرضية مشتركة بينهما. لهذا يتوجب علينا الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك وتبيان ما إذا كنا نعتقد أن نيكاراجوا هى الحديقة الامامية للولايات المتحدة، بعد أن كانت فيتنام حديقتها الخلفية . يبدو لى أنه لا سبيل أمام الأدب إلا الدخول فى مثل هذه النزاعات لأن المتنازع عليه ليس إلا ما هو الواقع بحد ذاته؟ أى ما هى الحقيقة؟ وما هو الكذب؟ إذا ترك الكتَّاب مهمة رسم العالم لرجال السياسة سيقترفون بذلك واحدا من أكثر أعمال الاستسلام خسة فى التاريخ.

من كتاب أوطان متخيلة - سلمان رشدى - 1992



الفيم المسىء يوقظ الفتوى
تحدث سلمان رشدى فى أكثر من وسيلة إعلام غربية فى الأسابيع الأخيرة ، منتقدا الفيلم المسىء للرسول الكريم وصانعيه.
كرر رشدى موقفه الغاضب من مقارنة ما كتب، كعمل أدبى قيم وبحسن نية كامل، بما يراه عملا رديئا بدون أى قيمة فنية، وبسوء نية متعمدا «أعتقد أن ما فعله شئ ضار، وهذا أمر مختلف تماما عن كتابة رواية جادة، لقد تعمد الاستفزاز بشكل واضح من مشاكل حرية التعبير أنك تجد نفسك مضطرا للدفاع عن أشخاص ترى أنهم مشينون، وباعثيون على عدم السرور والإشمئزاز» لكن هذا لم يمنعه من القول بأن ردة الفعل على الفيلم كان مبالغا فيها بشدة الأمر الذى أدى إلى انتشار الفيلم «التصرف الصحيح هو القول بأن هذه قمامة وغير مهمة وبالتالى يجب تجاهلها». رغم كل ذلك لم يمنع هذا أحد الخمينيين من استهدافه مرة أخرى فقد رفع حسن صانعى رئيس احدى المؤسسات الدينية الايرانية مكافأة قتل رشدى إلى أكثر من 3 ملايين دولار، مبررا ذلك بقوله «بالطبع لو كان حكم الخمينى قد نفذ لما كانت ستحدث الاهانات الأخيرة».
سلمان رشدى هذه المرة لم يطلب أى حراسة


البقرة لا تطلع الشجرة

العديد ممن كتبوا عن الرواية تعاملوا مع سلمان كأنه مؤرخ وعالم فقه وخبير سياسى ولاهوتى وواعظ بدلا من كونه فنانا وأديبا روائيا فقط، كما يقول الكاتب صادق جلال العظم.

المثال الذى يسوقه هو ما كتبه الأردنى نبيل السمان بأن الرواية «تتعارض مع الحقائق التاريخية والدينية والسيرة النبوية ومنطق العقل.. تحلل رشدى من أى منهج علمى وأى توثيق مصادرى، فروايته أبعد ما تكون من التاريخ وأقرب ما تكون إلى الوهم والخرافة»

ظهر هذا عند القوى المحافظة فى أوروبا ايضا، كإعلان اللورد جاكوبوفيتز كبير حاخامات يهود بريطانيا إدانته «تزوير الرواية للتاريخ» وكتعجب سيد أشرف مدير الأكاديمية الإسلامية فى كامبريدج من امكانية ان يسقط بشر من هذا الارتفاع الشاهق من الطائرة ويصل الأرض سالما!




خبر فتوى الخومينى على غلاف تايم فبراير 1989
يسخر صادق العظم من هذا المنهج، فالراوية مصنفة تحت تصنيف الخيالى fiction، ينطبق علها كعمل فنى قول ابن الأثير «أصدق الشعر أكذبه». يطلب العظم من هؤلاء إخضاع بيت المتنبى «وكنت إذا أصبتنى سهام تكسرت النصال على النصال» للتحليل العلمى.

«لماذا لم يخبر أحد نقادنا توفيق الحكيم عندما استخدم «يا طالع الشجرة.. هاتلى معاك بقرة» فى مسرحيته بأن الحقائق العلمية تثبت أن الأبقار لا تنمو على الأشجار».



1998 الحرية شعر بالراحة بدلًا من الخوف ونام بعمق حتى الصباح

قالت له إليزابيث إنها ترغب بشدة فى انجاب طفل، تردد فى الموافقة، لكنه استجاب لها فى النهاية.

فى إحدى الليالى أثناء فترة حمل إليزابيث فزع سلمان من صوت مرعب. جرى نحو الحراس واكتشف أن أحدهم كان ينظف سلاحه حين انطلقت منه رصاصة بالخطأ. فكر «هل سيولد ابنى هنا، حيث يتطاير الرصاص؟».

قرر حينها أنه اكتفى من الحراسة المشددة، وسيعيش بشكل عادى.

كانت ليلة الاثنين 26 يناير 1998 أول ليلة له بدون حراسة.

حين ذهب إلى سريره لينام، شعر بالراحة بدلا من الخوف. لم يمكنه التوقف عن الابتسام ونام بعمق هذه الليلة.

كان المستقبل يدخر له ما سيدفعه للابتسام أكثر.

فى 22 سبتمبر 1998، ذهب سلمان إلى بيت زوجته السابقة كلاريسا ليحفتل معها ببداية حياة ابنهما ظفار الجامعية، وهناك كانت مفاجأة سارة تذاع على CNN . كان وزير الخارجية البريطانى روبن كوك يتحدث عن صفقة مع رئيس إيران الجديد الإصلاحى محمد خاتمى.


متظاهرون فى تايلاند ضد رشدى بعد الفتوى الاوروبية

«سوف نحصل على ضمانات، لكن لن يتم إلغاء الفتوى رسميا، لأنهم يقولون أنه لا يمكن الغاؤها لأن الخمينى قد مات».

بعد ظهر ذلك اليوم ذهب سلمان إلى وزارة الخارجية ليتلقى البشرى «إن الصفقة حقيقية، وقد التزم الإيرانيون، ووافقت جميع قطاعات قياداتهم».

فى هذه اللحظة انفجرت عواطفه. قال لهم بتأثر بينما الدموع فى عينيه «شكرا لكم. شكرا لكم جميعا».

فى يونيو 2007 كرمت ملكة بريطانيا سلمان رشدى، بمنحه لقب (الفارس). مرة أخرى ثار العالم الإسلامى واندلعت المظاهرات فى كل مكان.

فى باكستان طلب المجلس الاسلامى من بريطانيا سحب التكريم، وقرر المجلس فى خطوة للرد منح بن لادن لقب «سيف الله».

أما مصر فكانت على موعد مع جلسة تاريخية فى مجلس الشعب، حيث اجتمع نواب الحزب الوطنى ونواب الإخوان على قلب رجل واحد لإدانة ما حدث بكل حماس، ونشرت المصرى اليوم الخبر فى اليوم التالى تحت عنوان «الغضب يوحد الوطنى والمعارضة».

وصف فتحى سرور ما حدث بأنه أخطر من نشر الرسوم المسيئة فى الدنمارك، بينما ألقى مفيد شهاب وزير شئون مجلسى الشعب والشورى خطبة عصماء قال فيها بحماس «إن الحكومة تنضم لمجلس الشعب فى موقفه الرافض تقدير من يهين الرسول والدين الإسلامى»، مما أثار عاصفة من تصفيق كل النواب أمامه.

أما المفتى على جمعة فقد استنكر أيضا التكريم البريطانى قائلا إنه يسىء إلى مليار ونصف المليار مسلم، وهو ما جلب له الكثير من التأييد.

أثبت سلمان طوال رحلته الغرائبية أنه يصلح دائما للتوظيف السياسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.