ونحن صغار كنا نسأل ببراءة كيف لدويلة صغيرة مثل إسرائيل لا يزيد سكانها على أربعة ملايين «وقتها» وجنودها لا يزيدون على 300 ألف شخص أن تتفوق على ربع مليار عربى لديهم أكثر من ثلاثة ملايين جندى؟!. كنا نعتقد وقتها أن من يملك جنودا أكثر ينتصر استنادا إلى مفهوم الخناقات فى القرى أو الساحات الشعبية. كبرنا قليلا وبدأنا نعتقد أن حسم المعارك يكون بمن يملك دبابات أو طائرات أو صواريخ أكثر، ثم انهار هذا المفهوم لأن ما نملكه على الورق من أسلحة أكبر بكثير مما يملكه العدو الصهيونى.
الآن وبعد أن بدأ الشعر يشيب أدركنا أن الانتصار فى مثل هذه المعركة المصيرية مع العدو الاستراتيجى وغيره يكون بامتلاك القوة الشاملة وليس فقط أن يكون معك الحق.
فى ظل الحقيقة السابقة هل يصبح تثبيطا للهمم إذا خرج كاتب ليقول إن الأفضل الآن أن نركز على بناء قوتنا الشاملة وأن مواجهة إسرائيل عسكريا أو أمريكا سياسيا ليست هى الأولوية فى الوقت الراهن؟.
بعض المراهقين سياسيا قد يصدمهم مثل هذا الرأى وقد يصنفوا قائله باعتباره انهزاميا وانبطاحيا وخائنا!.
قد يسأل البعض وما مناسبة الكلام السابق؟!. المناسبة هى أن بعض المتطرفين الذين يحاربون الدولة فى سيناء أو يحاولون اقتحام السفارة الامريكية يصدرون بيانات تتهمنا جميعا شعبا وحكومة ومعارضة، بأننا متقاعسون عن نجدة إخوتنا فى فلسطين، أو نصرة رسولنا الكريم ما يعد خيانة لله ولرسوله!!.
نقول لمن يصدق هذا الكلام الغوغائى إن هؤلاء المتطرفين أشبه بمن يلقى «البمب» على إسرائيل دون أن يفكروا للحظة هل نحن مستعدون لمواجهتها إذا فكرت فى الرد أم لا؟!. هؤلاء يفعلون مثلما يفعل أمثالهم فى غزة، يطلقون صاروخا على سديروت أو غيرها من المستوطنات يصيب خمسة إسرائيليين بالهلع فقط، وبعدها تقوم الطائرات والدبابات الإسرائيلية بتدمير ما تشاء من بنية تحتية ومنازل ومنشآت ناهيك بالطبع عن قتل الشعب الفلسطينى.
لا يوجد وطنى ضد المقاومة أو رفض التبعية لأمريكا، وإسرائيل لن تترك الارض المحتلة بالمفاوضات العبثية ولكن بالمقاومة فقط.
السؤال فقط من الذى يقرر موعد المقاومة أو موعد الحرب؟!. هل هى الدولة فى مصر أو فلسطين عبر البرلمان المنتخب ومعهم الرأى العام، أم عشرة أو عشرون شخصا موجودون فى جبل الحلال فى سيناء أو فى مخيمات غزة أو مخيمات دمشق أو بعض أجهزة المخابرات فى دمشق وطهران وغيرها؟!.
لا يدرك هؤلاء المتطرفون وبعضهم صادقون ومثاليون وغيورون على وطنهم ودينهم أنهم بأعمالهم العشوائية ينفذون فقط ما تريده إسرائيل وكل أعداء الوطن والأمة.
لن ننتصر على إسرائيل بإطلاق بضعة صواريخ فشنك أو إطلاق نار على سيارة سياحية أو عسكرية على الحدود أو خطف جندى أو اقتحام سفارة.
مثل هذه العمليات مهمة جدا إذا كانت فى إطار اجماع وطنى أو شبه اجماع لكنها مع كل التقدير لها هامشية ولن تقضى على إسرائيل أو تردع الصهاينة الجدد فى أمريكا.
ما لم تكن جبهتك الداخلية محصنة، ولديك برلمان منتخب وحكومة قوية، وكرامة شعبك مصونة، واقتصادك قويا، فلن ننتصر على إسرائيل.
لا يمكن للشعب السورى أن يسترد الجولان بينما نظامه يقتله صباح مساء.
كل ما سبق قد يكون صادما، لكن علينا أن نتحلى بالشجاعة ونعرف أن الواقع صعب جدا.. هو ليس مستحيلا.. ويصبح مبشرا عندما نبدأ فى تصحيح الخلل.
عندما ننهض فى كل المجالات، بما فيها العسكرية، لن نحتاج لقتال إسرائيل بالأسلحة كى نحرر الجولان والضفة والقدس.. ستعيد إسرائيل الأرض من دون قتال.