فعلا، فى الأجواء القلقة، المتجهمة، نحتاج لشىء من نسيم الكوميديا، وهو ما يتوافر بسخاء عند الشعب المصرى، فحتى فى أشد اللحظات إظلاما، تسطع الفكاهة ليبدد شيئا من توتر عتمة الواقع. وهذا ما يفسر غلبة روح الكوميديا على أفلام العيد، بصرف النظر، مؤقتا، عن مستواها، الأمر الذى يثبت أن المصريين، كعادتهم، يتمسكون بالابتسامة، والضحكة، والبهجة، أيا كان حجم متاعبهم.
«تيتة رهيبة» فيلم خفيف، لطيف، يتمتع بقدر كبير من المرح، ولا يخلو من السخرية، وروح الدعابة.. ولكن، فى ذات الوقت، يبعث على الغيظ، ففكرته الجميلة، التى تستحق التأمل، والتى تشع بالمعانى، تأتى مبتسرة، مكبلة بضيق الأفق، مسطحة.. هنا، يثير العمل واحدة من قضايا الساعة: سطوة جيل دبت الشيخوخة فى شرايينه، تمثله الجدة القاسية، راوية، بأداء سميحة أيوب، تفرض على حفيدها، رؤوف محمد هنيدى نمطا من حياة تعيسة، مليئة بالنواهى والممنوعات، يعبر عنها الفيلم، تعبيرا سينمائيا مبتكرا، عن طريق السلويت، حيث يمتد صوت الجدة الصارم إلى آذاننا، وهى تأمر حفيدها، الأقرب للشبح، بما يأكله، ويشربه ويعمله.. ثم ها هو الحفيد وقد وصلت سنه إلى الأربعين. أى أنه ولد قبل تولى المخلوع الحكم بعشرة أعوام.. هنيدى، بقصر قامته يبدو كما لو أن نموه قد توقف، وأصبح ألثغا، منطويا على نفسه، رعديدا.. وهو فى هذا يعبر عمن عاش حياته مقموعا.. وبدلا من أن ينطلق كاتب السيناريو، يوسف معاطى، من هذه الفكرة الذهبية، ويوسعها، ويعمقها، يتخبط فى حواديت تقليدية، وبقع فى براثن شخصيات أحادية، ويهدر طاقة الفكرة فى اسكتشات قد تكون مسلية، ولكن بلا ضرورة.. رؤوف. يعمل فى سوبر ماركت، يخفق قلبه بحب زميلته منار، بأداء فاتر من إيمى سمير غانم. يذهب لخطبتها، حيث يلتقى شقيقها البلطجى، بأداء حماسى من باسم سمرة، يلعب بالمطواة والسنجة، ينغمس فى المفاسد، من دون أن نعرف، ولو بإشارة، ما الذى جعله يغدو، على العكس من شقيقته، من شذاذ الآفاق.. كذلك الحال، بالنسبة للعديد من أبطال الفيلم، لا يهتم بهم الكاتب، فى حد ذاتهم، بقدر استخدامهم فيما يشبه الفواصل الضاحكة.
أخيرا، تأتى الجدة من ألمانيا، معها كلبان ضخمان، تثير بهما مزيدا من الرعب، وقبل حضورها، يندفع الحفيد، محموما، فى تنظيف الشقة، وفى لمسة جيدة، استثنائية من المخرج سامى عبدالعزيز، نرى رؤوف، فى مشهد واحد، وقد تحول إلى عدد من «رؤوف»، ينهمك كل منهم فى تنظيف جانب من الشقة.. تمارس «راوية» سطوتها، لكن إما حسب توجيهات المخرج، أو برغبة سميحة أيوب، لا تتجلى السيدة فى جبروتها الذى سمعنا عنه، طوال الفيلم.
تندلع خلافات بين «رؤوف» وزوجته من ناحية، والجدة من ناحية ثانية، تصل إلى حد إقامة الحفيد دعوى قضائية للحجر على الجدة. الفيلم، بهذا الموقف، يضع نفسه فى مأزق، فإذا انتصر للجيل الجديد سيخدش الإحساس بقداسة الأسرة، وإذا انتصر للجيل القديم سيكون مروجا لممارسة التسلط.. وفيما يبدو أن يوسف معاطى قرر الجرى فى الاتجاهين: الجدة تسقط، شبه ميتة، فى قاعة المحكمة، بعد أن تعلن تنازلها عن الشقة إلى حفيدها، ولكن ها هى فى المستشفى، تتماثل سريعا للشفاء.. نهاية تتسم بالميوعة، تطمس أبعاد القضية التى بدا أن الفيلم سيناقشها «تيتة رهيبة»، أطفأ وهج فكرته.