من المفجع أن نرى بلدا مارقا، كليبيا، يطلق النار على المحتجين المطالبين بالديمقراطية. لكن الأكثر إيلاما أن نشهد حليفا لأمريكا، هو البحرين، يحذو حذو القذافى ويستخدم الدبابات والبنادق والغازات المسيلة للدموع الأمريكية الصنع وكذلك المرتزقة الأجانب لسحق حركة مطالبة بالديمقراطية بينما نحن ملتزمون الصمت. فى البحرين، شاهدت، خلال هذه الأسابيع، جثث محتجين أطلقت عليهم النار من مسافات قريبة، وبنات فى سن المراهقة تتلوين ألما بعد ضربهن بالهراوات، وعمال إسعاف يتعرضون للضرب لمحاولتهم إنقاذ المحتجين وفى الأيام القليلة الماضية ازدادت الأمور سوءا. وقد وجهت السعودية صفعة إلى الجهود الأمريكية لنزع فتيل الأزمة، بإرسالها قوات إلى البحرين للمساعدة فى قمع المحتجين. وكانت النتيجة خمسة قتلى جدد، حسب إحصاء وكالة أسوشيتد برس. وهناك شريط فيديو من البحرين يظهر قوات الأمن وهى تطلق قنبلة مسيلة للدموع على رجل أعزل فى منتصف العمر من مسافة عدة أقدام. وسقط الرجل وحاول النهوض. وعند ذلك، ألقوا قنبلة أخرى على رأسه. والمدهش أن الرجل بقى على قيد الحياة. والولايات المتحدة اليوم فى محنة ممزقون بين حلفائنا وقيمنا. والمشكلة مع أصدقائنا فى البحرين لا تقتصر على إطلاق النار على المحتجين بل وكذلك تحويل البلد إلى ما يشبه دولة فصل عنصرى. فالمسلمون السنة يحكمون البلاد، والآن يحاولون بصورة ممنهجة قمع حركة احتجاجية قوامها الشيعة بالأساس. وقد احتجزت قوات الأمن البحرينية زميلى فى نيويورك تايمز، مايكل سلاكمان، قبل عدة أسابيع. وقال إنهم صوبوا البنادق نحوه وانتابه الخوف من احتمال إطلاق النار عليه وهو يخرج جواز سفره ويصرخ بأنه صحفى أمريكى. وعندها، كما يقول، تغير المزاج على الفور وتقدم قائد المجموعة من السيد سلاكمان وصافحه وهو يقول بحرارة: «لا تخف! نحن نحب الأمريكيين!»، وأضاف: «لست المقصود. إننا نطارد الشيعة»، ويعلق سلاكمان بقوله «يبدو الأمر كما لو كانوا يطاردون جرذانا». وكل هذا أمر مأساوى لأن أسرة خليفة الحاكمة يكفيها فخرا ما حققته للبلاد، بما فى ذلك مجتمع مزدهر وحيوى، وقوة عمل عالية التعليم ومجتمع تحظى فيه المرأة بمكانة أفضل كثيرا من جاراتها السعوديات. وفى عهود الاستقرار، تشعر كأن البحرين واحة للتحديث وسط منطقة وعرة. على أنك يمكنك التمييز وأنت مغمض العينين بين الأحياء السنية والشيعية فى البحرين. فالأولى تتمتع بطرق وخدمات عامة أفضل. كما يحظر على الشيعة الالتحاق بالجيش أو الشرطة. ألا يذكرك هذا بنظام الفصل العنصرى؟ والحقيقة أن المحتجين فى البحرين يتصرفون بطريقة تضر بقضيتهم. فقد رددوا هتاف «الموت لعائلة خليفة»، وهو هتاف سام يغضب حتما أى شخص. كما استهدف بعض المحتجين الباكستانيين وغيرهم من مواطنى بلاد جنوب آسيا الذين يعملون عادة بأجهزة الأمن. إن هذا الانزلاق نحو التصعيد والعنف لم يكن له ما يبرره. فقد كان يمكن للملك أن يقبل ببعض مطالب المحتجين مثل إبعاد رئيس الوزراء والانتقال إلى ملكية دستورية على الطراز الأردنى أو المغربى. وكان يمكن أن يقبل معظم المحتجين بمثل هذا الحل الوسط. لكن الأسرة الملكية تحدثت بدلا من ذلك عن الحوار دون أن تقدم تنازلات معقولة، وظلت قوات الأمن على وحشيتها شأن كل القوات الأمنية فى المنطقة. وقد كتبت قبل عدة أسابيع عن جراح التجميل المتميز، صادق العكرى، الذى تعرض للضرب من قبل قوات الأمن. ولم أستطع وقتها إجراء مقابلة مع د. العكرى لأنه كان فاقد الوعى. لكنى عدت فيما بعد وتمكنت من الحديث معه، وتعطى قصته لمحة عن المأساة البحرينية. ود. العكرى شيعى معتدل يقول إن أفضل أصدقائه سنى. وقد تغيب د. العكرى عن العمل لعدة أسابيع لمرافقة هذا الصديق إلى هيوستون لتلقى العلاج. وعندما هاجمت قوات الأمن البحرينية المحتجين، شارك العكرى فى علاج المصابين. وقال إنه كان يحاول إنقاذ طفل تاه أثناء المصادمات عندما قيدت الشرطة يديه. وحتى بعد أن تأكدوا من هويته، ضربوه بالهراوات، كما يقول، وأصابوا أنفه. ثم قاموا بخلع سرواله وهددوه بالاغتصاب كل هذا وهم يسبون الشيعة. إن ربيع الديمقراطية العربى الذى بدأ بتلك البهجة فى تونس ومصر يشهد الآن شتاء قاسيا فى ليبيا والبحرين والسعودية واليمن. والولايات المتحدة تحتفظ بأسطولها الخامس فى البحرين، وتربطنا علاقات وثيقة بالحكومة فى البحرين. وليس ثمة نية لسحب قاعدتنا البحرية من هناك. وقد استنكرت وزيرة الخارجية، هيلارى كلينتون، بصورة قاطعة العنف الذى شهدته البحرين، ويجب أن تتبنى الإدارة ككل هذا الموقف بقوة. وإذا كان نساء ورجال البحرين من الشجاعة بحيث تكلموا، فينبغى أن نكون مثلهم.