إذا أردت فهم القوى الإسلامية التى تزداد قوة فى مصر وتخيف الناس هنا وفى الخارج، اسمحوا لى أن أحدثكم عن دعوة عشاء حضرتها فى منزل نشطاء من الإخوان المسلمين. أقدم لكم أولا مضيفتى: سندس عاصم، امرأة فى الرابعة والعشرين من عمرها، تختلف كثيرا عن الصورة النمطية لناشطى الإخوان الملتحين. وهى من أبناء الطبقة المتوسطة خريجة الجامعة الأمريكية، التى درست فيها أنا شخصيا فى أوائل الثمانينيات. قالت لى بتعجب أحسسنى بتقدم السن ذلك قبل أن أولد أنا. وهى تتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة، وتعد أطروحة الماجستير فى وسائط الاتصال الاجتماعى، وتساعد فى إدارة صفحة تويتر باللغة الإنجليزية الخاصة بالإخوان.
وقد برز حزب الاخوان المسلمين باعتباره الحزب السياسى المهيمن فى الانتخابات البرلمانية بسبب أشخاص مثل سندس وعائلتها. وتوضح المقابلات التى أجريتها مع أنصار الاخوان المسلمين أن الجماعة أكثر تعقيدا بكثير، من الصورة الكاريكاتيرية التى تخيف الكثير من الأمريكيين.
وترفض سندس الفرضية الغربية التى تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تضطهد المرأة. وتشير إلى أن أمها، منال أبو الحسن، واحدة من العديد من مرشحات الإخوان المسلمين للبرلمان. وتقول «فكرة أن جماعة الإخوان المسلمين تهمش المرأة، تصور خاطئ بدرجة كبيرة» وتضيف «يمثل النساء خمسين فى المائة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين».
قلت لسندس إن الغربيين يشعرون بالخوف جزئيا لأنهم شاهدوا السلطات تقمع النساء باسم الإسلام فى بلدان مثل السعودية، وإيران، وأفغانستان. فأجابت «أعتقد أن مصر لا يمكن مقارنتها أبدا بالسعودية أو إيران أو أفغانستان» وتابعت «نحن، كمصريين، معتدلون للغاية دينيا». وقالت إن تركيا تمثل مثالا أفضل كثيرا لمصر، حيث يترأس حزب إسلامى طفرة اقتصادية.
سألت عن ختان الإناث، الذى تعانى منه الغالبية الساحقة من الفتيات فى مصر. وهو أمر شائع خاصة فى الأسر الدينية المحافظة، ويحسب لنظام مبارك أنه بذل بعض الجهد لوقف هذه الممارسة، ويخشى الكثيرون ألا تقف حكومة أكثر ديمقراطية فى وجه ممارسة تحظى بتأييد واسع النطاق. قالت سندس بصراحة «الإخوان المسلمون ضد الممارسة الوحشية لختان الإناث». وأكدت أن المرأة سوف تستفيد من سياسات الإخوان التى تركز على الفقراء: «نحن نؤمن بأن حل مشاكل المرأة فى المجتمع المصرى يكون عبر حل القضايا الحقيقية، التى هى الفقر والأمية وضعف التعليم».
سألت متشككا عن الخمور، والسلام مع إسرائيل، والحجاب. فأكدت سندس، التى ترتدى الحجاب، على أن الإخوان لا يفكرون فى أى تغييرات فى هذه المجالات وأن الأولوية ببساطة لخلق الوظائف. وقالت: «المصريون الآن مهتمون بالظروف الاقتصادية. إنهم يريدون إصلاح نظامهم الاقتصادى والحصول على وظائف. ويريدون القضاء على الفساد». وأضافت وهى تشير إلى أن الخمور تدعم صناعة السياحة: «لا أعتقد أن أى حكومة مقبلة سوف تركز على منع أى شىء».
قلت لها إننى كنت لأكون أكثر اطمئنانا، لو لم يكن أصدقائى الليبراليون منزعجين لهذه الدرجة من الإخوان. البعض يحذر من أن الإخوان يتصرفون بلطف اليوم، ولكن لديهم نزوع إلى العنف والتعصب كما أنهم يفتقرون إلى الخبرة اللازمة لإدارة اقتصاد حديث. بدت سندس غاضبة، وقالت: «نحن نتبنى الإسلام الوسطى. فنحن لسنا غلاة المحافظين كما يصورنا الناس فى الغرب».
سمعت تطمينات مماثلة من شخصيات التقيتها من جماعة الإخوان، ولست متأكدا من الأمر. لكن الآراء تتباين، وأنا مندهش من التفاؤل الذى سمعته فى بعض الأوساط العلمانية: من الدكتورة نوال السعداوى اليسارية ذات الثمانين عاما، وهى إحدى بطلات الحركة النسوية المصرية، ومن أحمد زويل، العالم المصرى الأمريكى الحائز على جائزة نوبل وهو مهتم بالتعليم. وكان عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، وأمين عام جامعة الدول العربية، وهو الأوفر حظا فى سباق الرئاسة، متفائلا بنفس القدر. وقال لى، مهما حدث، ستواصل مصر السعى لإقامة علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة، كما أنها سوف تلتزم من دون شك باتفاقيتها للسلام مع إسرائيل. وأضاف «لا يمكنك أن تتبع سياسة خارجية مغامرة عند إعادة بناء البلاد. ينبغى أن يكون لدينا أفضل العلاقات مع الولاياتالمتحدة». وعندما أثرت موضوع المخاوف الأمريكية من أن مصر فى ظل الإخوان المسلمين والسلفيين المتشددين ربما تكرر تجربة إيران، رفض قائلا: «تجربة إيران لن تتكرر فى مصر». وأعتقد أنه محق، فالثورات غالبا ما تثير الفوضى، وقد انتظر الأمريكيون سبع سنوات بعد انتصار الثورة الأمريكية فى يوركتاون قبل الحصول على الدستور. وكانت إندونيسيا، بعد ثورة عام 1998، تعانى إلى حد كبير مما تعانيه مصر اليوم. وتحملت الاضطرابات من تيارات إسلامية أصولية، غير أنها عبرتها.
ومن ثم، فلا بأس بقليل من التوتر، ولكن علينا ألا نغالى فى القلق أو نفقد الرؤية. فالموقف التاريخى فى مصر اليوم ليس أكثر من صعود طرف مع بطء بزوغ الديمقراطية فى قلب العالم العربى.