صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : الرئيس ينصف المصريين؟؟؟    تحليل سياسي شامل لبيان الرئيس عبد الفتاح السيسي كما ورد في نصه، مع تفكيك المعاني والرسائل الضمنية، وقراءة سياق البيان وتأثيراته المحتملة.    قلق إسرائيلي بعد إعلان جاهزية الجيش المصري لأي حرب    تراجع أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    2.4 تريليون جنيه قيمة 1.1 مليار معاملة نفذت عبر تطبيق «إنستاباي»    وزير التموين يتوجه إلى لبنان للمشاركة في المؤتمر الاستثماري «بيروت وان»    ترامب لا يستبعد عملا عسكريا ضد فنزويلا رغم بوادر انفتاح دبلوماسي    اليوم.. بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد المشاركة في كأس العين الدولية    أميركا تمنح حاملي تذاكر المونديال أولوية في مواعيد التأشيرات    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية وليس لي علاقة    ترامب: احتمال استبعاد كاليفورنيا من استضافة مباريات المونديال وارد    الطقس اليوم.. ارتفاع تدريجي بالحرارة وشبورة صباحية والصغرى في القاهرة 17 درجة    اليوم.. نظر محاكمة 70 متهما بخلية اللجان الإدارية    اليوم.. الحكم على إبراهيم سعيد في قضية سداد متجمد نفقة طليقته    حالة الطرق في القاهرة الكبرى، زحام مروري متقطع على الطرق والمحاور الرئيسية    رانيا فريد شوقي: «دولة التلاوة» يعيد الروح للمدرسة المصرية    في لحظة واحدة، أشهر فنانتين توأمتين في ألمانيا تتخلصان من حياتهما بعد كتابة وصيتهما    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استقيموا يرحمكم الله !?    عندما يتحدث في أمر الأمة من لم يجفّ الحليب عن شفتيه ..بقلم/ حمزة الشوابكة    دراسة: أمراض الكلى المزمنة تاسع أبرز سبب للوفاة على مستوى العالم    دراسة: زيادة معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    ترامب: العالم كان يسخر من أمريكا في عهد بايدن لكن الاحترام عاد الآن    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 فى المنيا    ترامب لا يستبعد إرسال قوات إلى فنزويلا.. ومادورو: مستعد للحوار وجها لوجه    مصرع وإصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم بالمنوفية    وزير الزراعة: خفضنا أسعار البنجر لإنقاذ الفلاحين من كارثة.. وأي تلاعب بالأسمدة سيحول للنيابة    موضوع بيراوده منذ 3 أيام، كامل الوزير يكشف كواليس ما قبل بيان السيسي بشأن الانتخابات (فيديو)    حبس المتهم بالتعدي على مسنة بالعجوزة    دون مساعدات مالية، صندوق النقد الدولي يطلق "برنامج تعاون مكثفا" مع سوريا    ورشة عمل لخبراء "سيشيلد" تكشف عن نماذج متقدمة للهجمات السيبرانية    حازم الشناوي: بدأت من الإذاعة المدرسية ووالدي أول من اكتشف صوتي    فاروق جعفر: أتمنى أن يستعين حلمي طولان باللاعبين صغار السن في كأس العرب    تعرف على المنتخبات المتوّجة بلقب كأس العالم منذ انطلاقه عام 1930    السيطرة على حريق داخل مستودع بوتاجاز في أبيس بالإسكندرية دون إصابات    وزارة الداخلية: فيديو شخص مع فرد الشرطة مفبرك وسبق تداوله في 2022    روسيا تنتقد قرار مجلس الأمن بشأن غزة    الهيئة الوطنية للانتخابات تُعلن اليوم نتائج الجولة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025    إثيوبيا تؤكد تسجيل 3 وفيات بفيروس ماربورج النزفي    عادل عقل ل حسام حسن: ركز في أمم افريقيا 2025 ولا تنظر للمنتقدين    عاجل – حماس: تكليف القوة الدولية بنزع سلاح المقاومة يفقدها الحياد ويحوّلها لطرف في الصراع    "هواوي كلاود" و"نايس دير" توقعان عقد شراكة استراتيجية لدعم التحول الرقمي في قطاعي التكنولوجيا الصحية والتأمين في مصر    اتجاه لإعادة مسرحية الانتخابات لمضاعفة الغلة .. السيسي يُكذّب الداخلية ويؤكد على التزوير والرشاوى ؟!    شبيبة القبائل: الأهلي وبيراميدز وصن داونز الأوفر حظا للتتويج بدوري أفريقيا    قتلوه في ذكرى ميلاده ال20: تصفية الطالب مصطفى النجار و"الداخلية"تزعم " أنه عنصر شديد الخطورة"    شاهين يصنع الحلم.. والنبوي يخلده.. قراءة جديدة في "المهاجر"    شاهد.. برومو جديد ل ميد تيرم قبل عرضه على ON    صدور ديوان "طيور الغياب" للشاعر رجب الصاوي ضمن أحدث إصدارات المجلس الأعلى للثقافة    عاجل – مجلس الأمن الدولي يقر مشروع القرار الأمريكي حول غزة ويسمح بنشر قوة دولية لمرحلة ما بعد الحرب    التأهل والثأر.. ألمانيا إلى كأس العالم بسداسية في مرمى سلوفاكيا    فلسطين.. مستعمرون يطلقون الرصاص على أطراف بلدة سنجل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية بالأردن تستقبل وفدًا من قادة كنائس أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة    رئيس حي شرق شبرا الخيمة بعد نقل مكتبه بالشارع: أفضل التواجد الميداني    الصحة ل ستوديو إكسترا: تنظيم المسئولية الطبية يخلق بيئة آمنة للفريق الصحي    مستشفى الشروق المركزي ينجح في عمليتين دقيقتين لإنقاذ مريض وفتاة من الإصابة والعجز    أفضل أطعمة لمحاربة الأنيميا والوقاية منها وبدون مكملات    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيم أخطأ جلال أمين؟
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 12 - 2011

فى مقاله المنشور بجريدة «الشروق» تحت عنوان «كيف نجمع بين التدين والتقدم؟» وبتاريخ 21/10/2011، يتناول د. جلال أمين إشكالية الجمع ما بين التدين والتقدم باعتبارهما ظاهرتين اجتماعيتين. فالتدين «كسلوك إنسانى واجتماعى ينطوى على جرعة كبيرة من العاطفة»، على حد تعبير جلال أمين، مما قد يؤدى إلى غلبة العاطفة على العقل وإخضاعه «لتفسيرات لا عقلانية لما يأمر به الدين أمر ينهى عنه لمجرد انها التفسيرات التى قبلها عدد كبير من الناس الأعلى صوتا والأشد حماسا». أما التقدم فيشترط العقلانية ومن ثم يبزغ التناقض الذى يؤسس لإشكالية الجمع بين التدين والتقدم فى وحدة واحدة على الرغم من التناقض.

وفى تقديرى، أن د.جلال أمين يقصد بمن يسميهم «الأعلى صوتا والأشد حماسا» أصحاب التيار الأصولى الإسلامى أو كما اصطلح على تسميته بتيار الإسلام السياسى.

ثم يخلص د. جلال أمين إلى أن الشك فى قدرة ذلك التيار على تحقيق نهضة اجتماعية وسياسية هو الذى دفع بالمثقفين إلى تبنى العلمانية على أمل أن تقوم العلمانية بحماية النشاط السياسى من الانحراف والاستبداد واللاعقلانية، على حد تعبير د. أمين فى مقاله سالف الذكر.

وبناء على هذا الاستنتاج يحذر د.أمين من الخطر الذى وقع فيه بعض المثقفين عن غير وعى، ويتمثل هذا الخطر فى الاستغناء عن ما يتصور د.جلال أنه «شرط أساسى من شروط نجاح النشاط السياسى ونجاح الجهود المبذولة لتحقيق النهضة». ويحدد د.جلال أمين هذا الشرط الأساسى بأنه «الحمية الدينية القوية التى يمكن أن تقوى روح المعارضة والمقاومة وتسهم فى إنجاحها». وبناء عليه يستطرد د.أمين فى بيان مخاطر العلمانية وذلك بتقرير الآتى: «وغنى عن البيان أن العلمانية ليست كافية لحماية النشاط السياسى من الوقوع فى الشطط واللاعقلانية. فالنشاط السياسى القائم على أسس علمانية بحتة لم ينجح دائما فى أن يحمى نفسه من الشوائب والانحرافات، بل وقد تقترب العلمانية أيضا بما يشبه التقديس فى موقفها من زعمائها فتعتبرهم بمثابة «السلف الصالح» وتنتهى إلى درجة عالية من الاستبداد والتسلط، كما نعرف جيدا من تاريخ الستالينية والنازية والفاشية.

●●●

وأتساءل: هل يتصور د.جلال أمين أن الشعوب الأوروبية التى سادت العلمانية مجتمعاتها تخلص من تحليل د.جلال أمين إلى مسألتين: أولا، أن العلمانية منافية للدين وللتدين وتقصيهما تماما من الواقع الاجتماعى والسياسى. ثانيا، أن العلمانية تؤدى إلى الاستبداد والدكتاتورية. والمسألة الثانية لازمة من الأولى ونتيجة منطقية لغياب الدين والتدين عن المجتمع. فإذا كانت العلمانية مضادة للدين والتدين فهى بالضرورة تقف ضد الحرية والديمقراطية والعقلانية وتقود. إلى الفاشية. وكل ذلك بطبيعة الحال لا يؤدى إلى التقدم بل يقود إلى دمار الحضارة الإنسانية والدليل على ذلك الدمار الشامل الذى لحق بالعالم من جراء الحرب العالمية الثانية باعتبارها من منتجات العلمانية، أى النازية والفاشية.

واستقرت فى وعيها الجمعى وتجسدت فى قوانين ومؤسسات، هل تلك الشعوب برمتها ملحدة ومخاصمة للتدين؟ إذا كان الجواب بالنفى، وهو بالقطع كذلك، ود.أمين على وعى بذلك، تنتفى صفة اللادينية عن العلمانية. فالشعوب التى تبنت العلمانية مازالت شعوبا متدينة تمارس شعائر دينها وتستقى منه قيمها الروحية والاجتماعية، إلى جانب القوانين والتشريعات الوضعية.

وأتساءل: هل انحرفت هذه الشعوب عن العقلانية وعن التفكير العلمى المنطقى الملازم لها؟ الجواب بالنفى حيث إن الثورة العلمية والتكنولوجية التى أفرزت مجتمع المعرفة، والتى ننعم نحن باستهلاك منتجاتها، هى من إنتاج هذه الشعوب العلمانية.

وأتساءل: فإذا كانت العلمانية لا تعنى اللا دينية ولا تنفى التدين ولا تؤدى إلى اللا عقلانية، فلماذا إذن بزغت النازية والفاشية فى تلك المجتمعات؟

السبب وراء بزوغ تلك الظواهر السلبية ليست العلمانية ولكنه شىء آخر. وهذا الشىء الآخر الذى يؤدى إلى ما يسميه د. أمين ما يشبه تقديس الزعماء، هو الدوجماطيقية.

الدوجماطيقية تعنى الإيمان الأعمى يعتقد إلى حد التعصب. واللفظ مشتق من كلمة يونانية doxa وتعنى الرأى أو الفكرة. ولكى نفرق بين العلمانية والدوجماطيقية أشير إلى تعريف د.مراد وهبة للعلمانية بأنها «التفكير فى النسبى بما هو نسبى، وليس بما هو مطلق». العلمانية، بهذا المعنى، حالة ذهنية تفرز منهجا للتفكير فى أمور الواقع النسبية طبقا لمعطيات تلك الأمور والمسائل النسبية والمتغيرة ابدا. وبناء على ذلك، تدرك الذهنية العلمانية الحدود الفاصلة بين ما هو نسبى ومتغير وما هو ثابت وأبدى، مما يعنى أنها تدرك وجود المطلق وتعترف به بينما تظل على وعى بأن العقل الإنسانى المتناهى ليست لديه القدرة على الوصول إلى المطلق اللامتناهى مهما حاول العقل الإنسانى، ولكنه بالرغم من هذا الوعى يظل يحاول. وتدرك الذهنية العلمانية طبيعتها النسبية من خلال وعيها بوجودها على كوكب الأرض الذى يتسم بعدم الثبات، فهو يلف ويدور مع دوران الأرض.

وهذا الوعى يلزم منه أن يدرك الإنسان أنه ليس مركز الكون لأن الأرض التى يحيا عليها ليست مركز الكون. ولكنها واحدة من ضمن كواكب ونجوم ومجرات تسبح فى فضاء الكون. وبناء على ذلك الوعى يدرك الذهنية العلمانية أنها لا يمكن أن تمتلك الحقيقة المطلقة. ولذلك لا يمكن أن تقع فى براثن الدوجماطيقية.

أما الأمثلة التى ذكرها د.أمين للتدليل على ارتباط العلمانية بالدكتاتورية، فهى تقدم الدليل على نفى صفة العلمانية عن تلك الظواهر وارتباطها بالدوجماطيقية.

●●●

إذن، الذهنية العلمانية لا تقع بالضرورة فى الدوجماطيقية ولا تتعصب لفكرة أو معتقد لدرجة التقديس كما يتصور د.أمين. فالذهنية العلمانية التى تدرك الواقع النسبى فى نسبيته ولا تحيله إلى ما هو مطلق، هى ذهنية عقلانية بطبيعتها ولا تنطوى على أى نوع من الحمية أيا كان نوعها، مما يؤدى إلى التعصب. كما أن الذهنية العلمانية تؤمن بالأديان وبالتدين المؤسس على العقلانية على النحو الذى نادى به الفيلسوف المسلم العقلانى ابن رشد فى كتابه الشهير «فضل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال».

وبناء عليه، فالعلمانية ليست ضد التدين، كما انها ليست ضد التقدم. فالمسلم المؤمن من الممكن أن يكون علمانيا ومؤمنا بالتقدم المؤسسى على التفكير العلمى من جهة، ومن جهة أخرى على القوانين والتشريعات التى تقوم عليها مؤسسات المجتمع الذى يعترف بحرية التدين وبممارسة تلك الحرية مع عدم فرض معتقد دينى، أو غير دينى على باقى المجتمع احتراما لمبدأ حرية الاعتقاد.

ولذلك علينا أن نفرق بين الدين والتدين من جهة، والحركة الأصولية الدينية من جهة أخرى. فالخلط بينهما يوقعنا فى وهم التنافض بين التدين والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.