انتهى الأسبوع قبل الماضى بحدث جوهرى يمس المستقبل الحقيقى لحل قضايا الوطن وخاصة تنمية البلاد والقضاء على الفساد، قرار المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب الذى به نعود إلى 12 فبراير 2011. كنا قد تصورنا اننا بدأنا مسار التحول الديمقراطى، فبغض النظر عن صحته أو منطقه الخاطئ فإنه مسار، انتخبنا منه برلمانا ورئيس جمهورية وفى الطريق إلى كتابة الدستور. فجأة يصدر قرار المحكمة وتتركز كل السلطات مجددا خاصة التشريعية فى يد المجلس العسكرى بدون أى رقابة من اى نوع مما يمثل متاهة شرعية جديدة ومنحنى آخر خطيرا فى مسار التحول الديمقراطى لمصر الثورة.
●●●
بحل البرلمان تفتقد مصر الآن إلى جهة تشريعية منتخبة تصدر القوانين وتعدلها ومن المؤكد بعد هذا الإعلان الدستورى ان الرئيس المنتخب يدرك انه حتى بتشكيل الحكومة كلها من الإخوان، لن تستطيع الحكومة إحداث تغييرات جوهرية بدون اصدار قوانين ربما لا يوافق عليها المجلس العسكرى.
الأهم من ذلك أن مصر كانت تحتاج عدة تشريعات فورية وجوهرية لانقاذ ما يمكن انقاذه بعدما ضرب الفشل والفساد فى جذور الدولة ولكن للأسف كان لأعضاء البرلمان رأى آخر.
على سبيل المثال وليس الحصر، طالب الكثيرون بتعديل فورى لقانون التعاونيات وأيضا قانون المناقصات ولكن من أهم ما طالبنا به هو قانون جديد للمحليات أو على الأقل تعديله ليكون أداة حقيقية لتنمية المجتمع ومراقبة الأجهزة التنفيذية للقضاء على الفساد بدلا من أن يكون حصنا لها.
المحليات وخاصة المجالس الشعبية المحلية فى الثلاثين سنة الماضية كانت مفصل الفساد الأساسى فى الدولة حتى إنه كان لها نصيب الأسد فى معدل الرشاوى داخل أجهزة الدولة،61%.
المجالس الشعبية المحلية كانت شكلية بموجب القانون، بدون اى صلاحيات للجهة المنتخبة وكل الصلاحيات للجهة التنفيذية المعينة التى من المفترض أن تُراقب من جهة المجالس الشعبية.. هل يذكرنا هذا بالرئيس الجديد!
كانت أيضا كلها من أعضاء الحزب الوطنى الفاسد( 51500 عضو من أصل 52000 فى انتخابات 2008) وكان كل ما يفعلونه هو العبث بمقدرات البلاد بطولها وعرضها دون أى محاسبة، مسئولين فقط عن افقار المصريين بدلا من العمل لخدمتهم ولذلك أول ما طالبت به القوى الوطنية هو حل المجالس الشعبية المحلية.
كنا قد بدأنا نرى بادرة أمل فى تعديل القانون واقرار اللامركزية وبالفعل تنبه الأحزاب والبرلمان لأهمية المحليات وبدأ يتم التداول على أهمية تعديله وأهمية تمكين الشباب فيه ولو بشكل غير رسمى لكن الآن لا يوجد برلمان لمناقشة القانون أو تعديله ويبقى الحال على ما هو عليه!
بعد سنة ونصف من الثورة والوحدات المحلية فى نزيف مستمر للموارد والفساد ينمو باضطراد، المبانى آخذة فى الارتفاع بدون تراخيص والبناء على الأراضى الزراعية متواصل على مدار اليوم. أكوام القمامة تزداد ارتفاعا، ولا توجد رقابة على ميزانيات الوحدات المحلية، اما الصناديق الخاصة فمازالت خاصة ولا نعرف عن ملياراتها شيئا!
●●●
أظن ان انتخاب الرئيس ما هو إلى عملية مد للفترة الانتقالية بزيادة فرد اسمه «الرئيس» دون اى صلاحيات عملية مد لا تخسر فيه إلا مصر ولا يتضرر منها إلا الشعب بخسارة مقدراته الشحيحة أصلا، مثلها مثل السماح بتهريب الاموال للخارج وتخبط متخذى القرار فى عدة أمور يمكن ان تتحسن بقرار بسيط ينقذ عظائم الامور.
فاتورة الفساد آخذة فى الارتفاع والتضخم وتلقى على كهول المصريين وعلينا الانتهاء من الفترة الانتقالية سريعا أو تشريع خاص للمجالس الشعبية المحلية لانقاذ مفاصل الدولة من الغرق فى مزيد من الرمال المتحركة.
انقلوا شباب الميادين للمحليات وسوف ترون وطنا جديدا.. الراحل جلال عامر