لا يلوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا نفسه، وهو يرى الجماهير الغاضبة فى الشوارع تطالب برحيله فورا عن السلطة. لو أن هذا المجلس استمع لصوت الناس بعد تنحى مبارك عن السلطة، ونفذ المطالب الرئيسية للثورة، ما وصلنا إلى هذا الوضع المأساوى.
أدرك أن الوضع لم يكن مثاليا، وأن الأمور لم تكن «أبيض واسود» حتى يتم اختيار الافضل وترك الاقبح، لكن المشكلة التى يكاد يتفق عليها الجميع الآن أن هذا المجلس ارتكب أخطاء كارثية فى إدارة البلاد.
المجلس كان لديه رصيد هائل من تأييد غالبية المصريين يوم 11 فبراير الماضى، الآن صار كثيرون ضده، خصوصا الشباب الذين أسقطوا مبارك. هو يقول إنه لم يخطئ، أو أخطأ بحسن نية، لكنه لا يدرك أنه عندما تتواصل الخسارة بحسن نية، فالكارثة أكبر من أن تكون سيئ النية أو متآمرا، لأن المعنى الوحيد لذلك أنه كلما ظللت فى السلطة فإن الخسائر القادمة مؤكدة.
الآن الجماهير الغاضبة تواصل حصار مبنى الإذاعة والتليفزيون باعتباره الدليل الساطع أن الثورة لم تصل إليه.
منذ 25 يناير قبل الماضى، والجميع يدرك أن التليفزيون أحد اهم ذراعين الامن والسلطة، وإنه كان ينبغى تطهيره.
للموضوعية فإن غالبية الموجودين داخل الجهاز من مذيعين ومعدين يؤمنون بالثورة وبأهدافها، والمهنيون المتميزون منهم أضيروا من فساد النظام السابق، لكنهم ينفذون سياسة يصنعها الكبار.
المجلس العسكرى فهم التطهير على انه مجرد تغيير رئيس الاتحاد أو رئيس القطاع أو رئيس القناة بآخرين معينين فى حين أن الشعب اراد إعلاما متحررا.
قابلت كثيرين داخل المبنى وخارجه خصوصا غالبية فى قناة النيل للأخبار، وهؤلاء بح صوتهم للمطالبة بتحويل القناة إلى محطة تشبه البى بى سى، لكن كل ذلك اصطدم بحوائط صلدة.
بالطبع تطهير أو إعادة هيكلة الإذاعة والتليفزيون ليس عملا سهلا، ويحتاج لفترة طويلة، لكننا لم نبدأ ولو خطوة واحدة إلى الأمام.
أحد المسئولين قال لى إننا لا نستطيع طرد عامل مؤقت يعمل فى وزارة هامشية فى اقصى الصعيد فكيف تريدنا أن نتخلص من معظم العاملين بالإذاعة والتليفزيون وعددهم يزيد على 45 ألف شخص؟!.
قلت له لم يطلب أحد منكم طرد الناس، بل ابدأوا بإدارة الإذاعة والتليفزيون بصورة مهنية باعتباره جهازا مملوكا للشعب وليس بوقا للسلطة.
الذين تظاهروا أمام مبنى ماسبيرو لا يريدون إلا إعلاما يعبر عن الوطن بأكمله، ولا يضع الكاميرا مرة أخرى فوق كوبرى قصر النيل بينما ميدان التحرير مشتعل!!. وهذا يعنى ضرورة وجود عقول متحررة تؤمن أن هناك ثورة فعلا.
من حسن الحظ أنه صار لدينا الآن مجلس شعب منتخب، ولو كنت من المجلس العسكرى لأصدرت بيانا عاجلا للشعب خلاصته: إن التشريع لم يعد فى أيدينا، اذهبوا إلى البرلمان واقنعوهم بما تريدون من قانون ينظم عمل التليفزيون وسنقبل بما تتوصلون إليه».
المجلس يمكنه أن يشكل لجنة تطلع على كل الآراء والدراسات الموجودة الجاهزة بشأن التليفزيون والتى لم يجرؤ أحد على تطبيقها لأسباب متعددة.
قد لا نتمكن من إعادة هيكلة فورية للاتحاد ليدار بطريقة اقتصادية، خوفا من ثورة العاملين داخله، لكننا نستطيع إصدار قانون يفصل للأبد بين هذا الاتحاد والسلطة القائمة، بحيث إن ولاء رئيسه يكون للشعب الذى اختاره عبر مجلس أمناء مثلا أو لجنة منتخبة، وليس لرئيس الجمهورية أو لوزير أو أى رئيس آخر.
تطهير هذا الجهاز يعنى بدء تغيير الذهنيات المتكلسة.. والأهم تفكيك حزب الكنبة ذلك المنجم السحرى الذى يعتمد عليه كل الطغاة.