وزير الخارجية يناقش مبادرات وأنشطة «القوم للمرأة» مع رئيسة المجلس    فى مؤتمره العام.."الحرية المصرى" ينتخب 5 نواب لرئيس الحزب وأمينا عاما    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بختام تعاملات السبت 10 مايو 2025    القوات الجوية تحتفل بمرور 45 عامًا على انضمام طائرة «كاتيك» الصينية للجيش المصري    السودان.. 21 قتيلا في هجوم للدعم السريع على سجن بشمال كردفان    «كاف» يعلن موعد مباراة بيراميدز وصن داونز في نهائي دوري أبطال أفريقيا.. وحكام المواجهتين    الأهلي يخطف صفقة سوبر من بيراميدز بعد تدخل الخطيب.. واستخراج التأشيرة    سام مرسي يقود تشكيل إيبسويتش تاون أمام برينتفورد في الدوري الإنجليزي    تخلص من زوجته لخلافات بينهما.. ماذا قررت «جنايات شبرا الخيمة» بشأن صاحب سايبر بالقليوبية؟    تعرف على استعدادات وزارة الداخلية لموسم الحج لعام 1446ه (تفاصيل)    الأرصاد: طقس غداً الأحد شديد الحرارة نهاراً معتدل ليلاً    أبرزها «وين صرنا؟».. 7 أفلام تنافس في مسابقة الفيلم الوثائقي بمهرجان «روتردام للفيلم العربي»    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    في يوم الطبيب.. وزير الصحة: الدولة تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    بوسي شلبي بعد أزمتها مع أبناء محمود عبد العزيز: "شكراً لكل الأصدقاء"    حجز محاكمة 19 متهم من أعضاء " خلية تزوير المرج " للنطق بالحكم    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    المشدد 3 سنوات لعاطل تعدى بالضرب على صديقه في القليوبية    بعد تحقيق مكاسب سياسية.. اتهامات التطرف ومعاداة الإسلام تطارد الإصلاح البريطانى    استعدادا لموسم الصيف..محافظ مطروح يتفقد مستشفى رأس الحكمة    جدول مواقيت الصلاة في محافظات مصر غداً الأحد 11 مايو 2025    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    قانون الإيجار القديم... التوازن الضروري بين العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية    وصول جثمان زوجة محمد مصطفى شردى لمسجد الشرطة    مهرجان SITFY-POLAND للمونودراما يعلن أسماء لجنة تحكيم دورته 2    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    بيتر وجيه مساعدا لوزير الصحة لشئون الطب العلاجى    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    «لوفتهانزا» الألمانية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    فيلم سيكو سيكو يواصل تصدر الإيرادات    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    جيروساليم بوست: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    أبرز ما تناولته الصحف العالمية عن التصعيد الإسرائيلي في غزة    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    محافظ أسوان: توريد 170 ألف طن من القمح بالصوامع والشون حتى الآن    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    تنظيم ندوة «صورة الطفل في الدراما المصرية» بالمجلس الأعلى للثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    «الصحة» تعلن تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يكبر الغضب وتولد العاصفة .. ليصنعا وطنًا من الفرح
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2011

آه لو قُدر لك الآن «يا بوعزيزى» أن تحيا بضع ثوانٍ أو بضع دقائق أخرى لترى كيف تحول صراخك وبكاؤك حين أشعلت النار فى نفسك إلى رعشة هزت قلب الأرض، لترى كيف تحول انتحارك إلى شرارة أخرجت المارد من ظلمات الحُفر، وأغضب شعبك الذى سرقوه ونهبوه وسقوه المر، وذلوه وزرعوا له المشانق فى كل مكان وكبلوا فمه بالحديد.
آه لو قُدر لك أن ترى كيف تمرد شعبك التونسى على إرث المشانق والمذابح والمنافى والهلاك، لترى كيف استيقظ شعبك من بؤس امتد كالهاوية من الجحيم إلى الجحيم ليهز قبة السماء الباهتة والريح الميتة ويقتلع الأيام الجهمة والحزن المقيم، خرج شعبك من مدن الحمامات والقيروان وسيدى أبوزيد وسوسة وبنزرت والصفاقس والقصريين وجميع مدن الجنوب وتونس العاصمة، آه لو قدر لك أن ترى كيف تحول الطاغية إلى فأر يرتعد ووقف يعانق خوفه ويلاطم لجة الرعب العميق بعد أن حكم قبضته وشيد قصوره وسجونه قرابة الربع قرن، صنع حكما ديكتاتوريا لصالح طغاة يمصمصون عظام الشعب التونسى ويسيطرون على الماء واليابس والعيش ويحكمون حكما بوليسيا يمنع الهواء عن الشعب التونسى وينهبون ثروات البلاد ويمارسون القمع الفكرى والإعلامى ويصادرون الحقوق والحريات ويسيطرون على الأجساد والأرواح.. والمفارقة المضحكة أن تونس صُنفت فى التقرير العالمى حول تكنولوجيات الاتصال والمعلومات الأخير الصادر عن منتدى دافوس الاقتصادى العالمى فى المرتبة الأولى مغاربيا وأفريقيا و39 عالميا من بين 133 دولة، إلا أن السلطات التونسية كانت تحجب المواقع الاجتماعية كاليوتيوب والفيس بوك وتويتر والدايلى موشن، ومواقع إخبارية شهيرة مثل «إيلاف» و«الجزيرة نت»، ومواقع المنظمات الحقوقية والدولية والمحلية والعديد من المدونات الفنية والثقافية وهكذا تم فرض العزلة على الشعب صوتا وصورة.
ليتك «يا بوعزيزى» شاهدته وهو يرعد ويقول: «لقد تمت مغالطتى من جانب بعض المسئولين.. وسأعطى التعليمات بخفض أسعار الخبز والحليب والسكر».. لكن الشعب التونسى المطعون فؤاده بسهام الغدر أخرج قوته الكامنة فيه، فالغاضبون والمحتجون غمغمت قلوبهم وصرخت حناجرهم ورفضت قلوبهم التى مازالت تفور بجراح ثخينة أن تنخدع بالوعود الكاذبة، رفضوا التنازلات وطالبوا برحيل الديكتاتور، الذى أوصل بشبابهم البطالة المقنعة وجعل الفجوة بين الأغنياء والفقراء تطول المحيط الأطلسى، وأطلق الفساد يرعى والفاسدون يمصون دماء الشعب التونسى. رحل الديكتاتور بدون عرش وأدوات قمع تحميه ولا سلطان يزهو به، أخذت طائرته تحلق فوق أوطان كانت بالأمس تسانده واليوم ترفض أن تستضيفه.
●●●
هل يتعظ حكامنا العرب، الذين يرفضون الإصلاح الديمقراطى والتغيير والذين لديهم قناعة عمياء بأن سلطتهم مطلقة وأن سلطانهم لا يزول وأن الشعوب ليست شريكة معهم فى الثروة وفى سلطة اتخاذ القرار، وأن أمد حكمهم يطول بتزوير الحقائق وتحطيم القيم وغسل العقول ومنع حرية التعبير والمشاركة السياسية، والمضى فى غيهم عن طريق تعظيم دور جهاز الشرطة والأدوات الأمنية والقمعية وفرض حالة الطوارئ التى تمنح السلطة التنفيذية سلطات استثنائية كاملة على عكس ما يوجبه الدستور من حيث الاعتقال والتحفظ والمحاكم العسكرية والاستثنائية وإصدار التشريعات، والهيمنة الكاملة لسلطة الدولة على النقابات العمالية والمهنية وفرض الحراسة عليها وتحكم بيروقراطى وأمنى من الوزارات المختلفة على الجمعيات الأهلية والجامعات والمؤسسات العلمية والتربوية وأجهزة الإعلام، وعدم تطبيق حقوق مواطنة متساوية بغض النظر عن الدين والعقيدة واللون والجنس، والتمسك بالسلطة مدى الحياة، وتزوير الانتخابات والاستئثار بالبرلمان من قبل حزب واحد، وتكفير أصحاب الرأى وإشعال حمم التطرف والمذهبية والقبلية ومصادرة التعددية والاجتهاد وتجويع الشعب ونهب ثرواته واعتقال الآلاف من النشطاء والحقوقيين والفقراء والزج بهم فى غياهب السجون.
سلسلة من الخطوات بدأت بانتحار «بوعزيزى» وامتلاء الشوارع والمدن بالمتظاهرين الغاضبين وإطلاق الرصاص الحى على المحتجين دونما رحمة أو شفقة، وانتهت بإقالة الحكومة والدعوى إلى انتخابات عامة. أحداث جسام لم يتوقعها أعتى المحللين السياسيين والنشطاء التونسيين. ومهما طالت عقود الحكم السلطوى فإنها لن تدوم والحماية الغربية للحكام لم تمنع يوما ثورة شعب، فالسخط والغضب يزدادان مع القمع ومع تفشى الفساد والبطالة ومصادرة الحريات، لأن الشعب عندئذ لا يمتلك شيئا يخاف عليه فقد جردوه من ثيابه ومن كرامته.
●●●
«بوعزيزى»، سلاما إليك وأنت ترقد فى قبرك الذى يتسع عليك الآن فقد تحول الشتاء المكفهر والبكاء الأخرس الضرير والبؤس الممتد فى ربوع تونس كلها إلى فرح ونور صباحى. فقد شعشعت سحب النور واندفعت هادرة، واندفع معها الشعب ضاحكا وفاتحا ذراعيه للنهار، نهار تونس الذى ضاع منذ سنوات.. الآن ابتل وجه الليل بالأنداء ورفرف وشاح الحرية وصار للصمت نبض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.