إنه شهر أغسطس، الأمور هادئة، أوان موجة أخرى من الهستيريا بشأن هجوم إسرائيلى وشيك على إيران. لقد ظللنا نشاهد هذا الفيلم لمدة عشر سنوات، وأثبت «الخط الأحمر» الإسرائيلى بشأن البرنامج النووى الإيرانى أنه يتسم بالمرونة. أتصور أحيانا حجم الانفجار الذى قد ينجم، إذا تم وضع جميع الكلمات المتعلقة ببرنامج إيران النووى منذ عام 2000، فى وعاء كبير ثم تفجيره.
وتحفل الصحف الإسرائيلية بالتقارير التى تفيد بأن الاستعدادات غير كافية على الجبهة الداخلية. وأن 53 فى المئة فقط من الإسرائيليين لديهم أقنعة واقية من الغازات. وأخيرا، عين رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو آفى ديختر، وهو رئيس سابق لجهاز الأمن العام المعادل الإسرائيلى لمكتب التحقيقات الفيدرالى وزيرا جديدا للداخلية من أجل معالجة هذه المخاوف.
ويتفق ديختر، مع مجموعة من مسئولى الأمن والاستخبارات السابقين فى أن أى هجوم تشنه إسرائيل ضد إيران سيكون «خطأ تماما».
وهى كلمات حكيمة، ولكنها لم تفعل شيئا للتخفيف من حدة الانتقادات الهجومية التى تلوح فى الأفق مع حالة ركود هذا الصيف، واقتراب الانتخابات الأمريكية التى لم يتبق عليها سوى أقل من مائة يوم. وهناك رأى يتردد فى القدس، يعتبر فترة ما قبل الانتخابات فى 6 نوفمبر، لحظة جيدة للهجوم، لأن الرئيس أوباما، على الرغم من مخاوفه، لن يكون لديه خيار سوى الوقوف وراء الدولة اليهودية وإلا خسر أصوات اليهود.
ولا يبذل نتنياهو جهدا لتبديد الشائعات. وليس هناك ما يدفعه لذلك، فهى تدعم فكرة تشديد العقوبات على إيران، وليس لها تأثير سلبى عل إسرائيل، سوى خلق انطباع عن تحذيرات وهمية.
•••
ولنتأمل هذا الموضوع الذى نشره أخيرا موقع تابع لصحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون نقلا عن مدونة روزنر شموئيل المحرر السياسى فى صحيفة جويش جورنال: «وصلت إلى المنزل مساء الاثنين، لأجد فى صندوق بريدى مذكرة رسمية: هل لدينا أقنعة غاز تكفى لجميع أفراد الأسرة؟»
وتابع روزنر: «تتنافس وسائل الإعلام الإسرائيلية على نشر قصص مرعبة: هل توجد ملاجئ فى القدس تكفى جميع السكان؟ وهل يعمل نظام الرسائل النصية للإنذار من الهجمات الصاروخية جيدا؟
وتسعد حكومة نتنياهو للغاية مع هذه الحالة من الخوف: فهى تسعى إلى عدم الوضوح، كما أنها تتشكك بحق فى محادثات برنامج إيران النووى الدائرة بين إيرانوالولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وقد تجاوزت هذه المحادثات ما هو مألوف حيث تعرض إيران وقف التخصيب إلى 20 فى المئة، والقضاء على مخزونها من هذا النوع من اليورانيوم فى مقابل رفع العقوبات، والاعتراف بحقها فى التخصيب إلى مستوى أقل من ذلك بكثير من دون تحقيق تقدم.
فلنكن واقعيين: لا تعتبر أى صفقة فى عام الانتخابات الأمريكية أمرا واردا. فلن يقدم أوباما للجمهوريين السلاح الذى يحاربونه به.
فضلا عن أن إيران بقيادة آية الله خامنئى الذى يماثل برجينيف، عاجزة عن اتخاذ القرار بوضوح. فهى أمة فى صورة رئيسها الصاخب، محمد أحمدى نجاد (هل تذكرونه؟)؛ الكثير من الضجيج على لا شىء يذكر. وهو ما يصفه جيمس بوكان بأنه «عناد البكائين». ويحاول خامنئى السبعينى المفترض أنه خليفة للنبى تفعيل ذلك النظام.
وكما قال لى كريم سجادبور من مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ليس من الوارد إبرام صفقة، لأن «من الصعب للغاية التوفيق بين الحالة النفسية للإسرائيليين، والأيديولوجية الإيرانية والجدول السياسى الزمنى الأمريكى».
•••
فما الذى ينبغى أن تفعله إسرائيل؟ فمن المعروف أن أمن إسرائيل لا يتفق مع وجود إيران ذات سلاح نووى، تقول إنها تعتزم تدمير الدولة اليهودية: وتلك، هى حقيقة الوضع، مع اعتبارات التاريخ و علم النفس.
ولكن، أى هجوم إسرائيلى أحادى الجانب على إيران اليوم سيكون كارثيا. فسوف يوحد الغضب ايران؛ ويجعل الجمهورية الإسلامية تعيش فى انغلاق لفترة جيل، ويعطى دفعة كبيرة لنظام الأسد المتقلقل فى سوريا، كما يؤدى إلى تطرف فى العالم العربى فى لحظة تحول حساسة، ويؤجج حزب الله على الحدود اللبنانية، ويدعم حماس، ويعرض القوات الأمريكية فى المنطقة للخطر؛ ويشعل الإرهاب، ويرفع أسعار النفط على نحو حاد، ويزعزع الاقتصاد العالمى الضعيف، ويتسبب فى حرب إقليمية محتملة، ويمد شريان الحياة لإيران بمجرد أن تلدغها العقوبات، ويضيف ثأرا فارسيا لن ينسى يضاف إلى الثأر العربى ضد إسرائيل، وربما يعطل طموحات ايران النووية بضع سنوات فى أحسن الأحوال، أو فى أسوأها تسريع برنامجها ودفعه حتى يصل إلى صنع قنبلة، وطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وربما لا يصل مثل هذا الضرر إلى حد تهديد وجود إسرائيل وهى عبارة مبالغة. ومن شأن ذلك أن يكون خطأ استراتيجيا مدمرا.
وأنا لا أرى هذا أمرا هينا. فالحديث الزائد عن الأقنعة الواقية من الغازات يعكس المخاوف الاسرائيلية الحقيقية، حتى لو كان هذا الحديث يتم تأجيجه بدهاء. ويجب على إسرائيل أن تأخذ فى الاعتبار أن أى رئيس أمريكى لا يمكن أن يقبل امتلاك النظام الإيرانى الحالى قدرة نووية: وكان أوباما صريحا حول هذا الموضوع.
•••
لا تقوم إيران كما تدعى بتخصيب اليورانيوم، لتعزيز محطة توليد كهرباء. ولكنها أيضا لم تجمع حتى الآن العناصر المختلفة اللازمة لصنع قنبلة. وإذا قررت القيام بذلك فى أى وقت، أتوقع أن يكون رد الولاياتالمتحدة العسكرى سريعا ومدمرا. ومن ثم، يكون الصبر هو الخيار الحكيم لإسرائيل.