كان هناك دور لكل من تونس ومصر والبحرين واليمن، والآن تحتل سوريا صدارة المسرح. وهناك أكثر من ألف شخص قتلوا فى المعارك الأخيرة، بينما يخاطر مئات الآلاف بحياتهم متحدّين النظام. فى حين لا يكتفى العالم الخارجى المتخوف من البديل والمتورط فى ليبيا، بموقف المتفرج. وليس العنف فى سوريا سوى علامة جديدة على أن الربيع العربى الموعود أفسح الطريق لصيف طويل ساخن، تتأهب فيه الجغرافيا السياسية فى العالم العربى للأسوأ. فقد قرر بقية القادة المهددين فى أنحاء المنطقة عدم تقليد رئيسى تونس ومصر السابقين، اللذين استسلما بسهولة. فقد تعلموا من العنف، فضلا عن التهديد بالسجن والمحاكمات الدولية أن الفائز يفوز بكل شىء والخاسر يخسر كل شىء. وتعتبر أفضل الجماعات تنظيما فى المجتمعات العربية هى الجيش وغيره من التنظيمات الأمنية إلى جانب الكيانات الإسلامية. بينما الجماعات الليبرالية العلمانية (إذا وجدت) تكون ضعيفة أو مقسمة. وعلى نحو أوسع نطاقا، كشف جمود الربيع العربى الصدع فى العلاقات بين الولاياتالمتحدة والسعودية كما زاده اتساعا. فقد استهجن قادة السعودية ما اعتبروه تخليا من الولاياتالمتحدة عن النظام فى مصر؛ ولم يتقبل الأمريكيون قرار السعودية بالتدخل فى البحرين. ولكن يبدو أن مثل هذه القرارات المستقلة، التى لم يجر تنسيق بشأنها سوف تتكرر على نحو أكبر، خاصة إذا أخفقت مساعى وقف البرنامج النووى الإيرانى. وبالنسب لإيران بالذات فقد كسبت من الأحداث كما خسرت بسببها. حيث استفادت من ارتفاع أسعار البترول، وسقوط النظام المعادى لإيران فى مصر بالإضافة إلى التخفيضات المتوقعة فى القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان. بينما تأثرت هذه المكاسب، جزئيا على الأقل بضعف مركز سوريا أقوى حلفاء إيران، فضلا عن الدلائل على انقسام القيادة الإيرانية على نفسها. وما زال مجال التأثيرات يتسع. وتتوتر العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين على نحو متزايد. فقد أصبح الإسرائيليون مترددين أكثر من أى وقت إزاء تقديم تنازلات فى ضوء الاضطراب على حدودهم بينما يزيد صوت الجماهير الجديد القادم من الانتفاضات من صعوبة تقديم الحكومات العربية تنازلات. وعلى الرغم من أن الجماعات الإرهابية ليس لها علاقة بالانتفاضات، إلا أنها فى موقف يجعلها تستفيد من ضعف أو إسقاط الحكومات ذات التاريخ القوى فى مكافحة الإرهاب. وتظهر بوادر هذا بالضبط فى اليمن، كما أن المسألة مسألة وقت حتى يحدث ذلك فى ليبيا أيضا. وإذا جمعنا بين ذلك كله، سوف نشهد سلسلة من التطورات التى تبدأ فى إنتاج منطقة أقل تسامحا وأقل ازدهارا واستقرارا عما كان قائما. ولا شك أن الحرس القديم المستبد المسيطر حتى الآن على أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط لم يتم بعد طرده أو التخلص منه وإحلاله بنظام ديمقراطى ومفتوحا نوعا ما. ولسوء الحظ تبدو المؤشرات الآن ضد حدوث ذلك. ●●● فما الذى يمكن أن تفعله الجهات الخارجية للتأثير على مجريات الأحداث؟ الإجابة الصادقة هى عدم وجود الكثير مما يمكن فعله. ففى السياسة الخارجية، ليس هناك ما هو أصعب من محاولة توجيه مسار الإصلاح فى بلد آخر. ولكن ذلك لا يعنى أنه لا يوجد ما يمكن القيام به. وعلى الجهات الخارجية الحكيمة تشجيع التغير السياسى التدرجى بقدر الإمكان. حيث يجب إعادة صياغة الدساتير، وإيجاد الضوابط والتوازنات. غير أن الاقتصاد مهم بقدر أهمية السياسة إن لم يكن أكثر. وهذا يعنى تقديم المساعدات طالما يتم تنفيذ إصلاحات. ويجب أن يواكب حجم السخاء فى المساعدات حجم الشروط. وعلى صعيد آخر، ما زال من المفيد البحث بصورة أكبر عن الدور الذى يمكن أن تؤديه الدبلوماسية لتخفيف التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. غير أنه ينبغى أن تعمل اللجنة الرباعية مع الأطراف المحلية، لا أن تملى عليها المواقف. فلا شك أن بدء تفاوض جديد أفضل من نقل القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المحتمل أن تتصلب المواقف. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغى تسريع خطى عملية بناء دولة فلسطينية حديثة وفعالة. غير أن أهم الدروس المستفادة من الربيع العربى هى أيضا أبسطها. حيث ينبغى كقاعدة تجنب التدخل العسكرى. فالإطاحة بنظام أسهل من المساعدة فى إحلال ما هو أفضل منه بشكل واضح. ويمثل العراق وأفغانستان وليبيا علامات إنذار فى هذا الصدد. وينبغى التحدث إلى الإسلاميين الذين ينبذون العنف، وليس إقصاءهم. وعلى الجميع ألا يفرح بالانخفاض الأخير فى أسعار البترول: فيكفى أزمة واحدة فحسب تواجه السعودية حتى يرتفع سعر البرميل إلى 200 دولار. وربما يتعين على الحكومات أن تستغل فترة الهدنة لتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة من المنطقة. فذلك أفضل وقاية فى مواجهة عدم وجود احتمال لتكرار ربيع آخر قريبا فى الشرق الأوسط.