أسعار البيض اليوم السبت 25 أكتوبر    سعر الريال السعودي في بداية التعاملات اليوم 25 أكتوبر 2025    بدء محادثات تجارية جديدة بين الصين والولايات المتحدة في كوالالمبور    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن عمر 93 عامًا    «أسير لن يخرج إلا ميتًا».. «الدويري» يكشف عن لقاءه مع رئيس «الشاباك» بتل أبيب    كان خائفا من القصف.. وكيل المخابرات السابق يوضح كيف أمّنت مصر دخول أحمد الجعبري من غزة    مستوطنون يهاجمون بلدة بالضفة الغربية ويحرقون مركبات لفلسطينيين    تشكيل ليفربول المتوقع لمواجهة برينتفورد.. موقف محمد صلاح    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    موعد مباراة النصر والحزم في الدوري السعودي.. والقنوات الناقلة    تصادم مروع بين 5 سيارات وإصابة 6 أشخاص على الطريق الإقليمي بالشرقية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة رمضان صبحي في قضية تزوير محررات رسمية    استعدادات مكثفة بالجيزة لانطلاق امتحانات أكتوبر لطلاب ابتدائي وإعدادي وثانوي    عظمة الحضارة المصرية.. تمثال رمسيس الثاني يتصدر مدخل المتحف المصري الكبير    مخرج «الحياة بعد سهام»: كنت أحلم بتكرار تجربة العمل مع أمي قبل أن يخطفها السرطان    الليلة.. افتتاح دورة كوكب الشرق أم كلثوم من ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي    بعد تجديده وتطويره.. المسرح الروماني بالإسماعيلية يشهد البروفة النهائية لافتتاح الدورة ال25 من مهرجان الفنون الشعبية    خلال 98 يوما.. «الصحة» تقدم 138.9 مليون خدمة طبية مجانية    حملات مكثفة على المنشآت بأسيوط للتفتيش على تطبيق قانون العمل واشتراطات السلامة    تصادم مروع بين 5 سيارات على الطريق الإقليمى بالشرقية    أرقام كارثية ل كريم بنزيما أمام الهلال بالكلاسيكو السعودي    تعديل قانون التعاونيات الزراعية.. خطوة لجعل الجمعيات بيتا حقيقيا للفلاح    20 ألف دارس، اليوم انطلاق الدراسة برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    اليوم، قطع المياه عن المنطقة السياحية ببحيرة قارون وقرى الفيوم وسنورس لمدة 12 ساعة    موعد عرض مسلسل ابن النادي الحلقة 9    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    حكم صلاة المرأة بالبنطلون في الإسلام.. الأزهر يوضح الضوابط الشرعية وآداب الستر    حريق بشقة سكنية في الإسكندرية    طرق بسيطة للوقاية من الإنفلونزا ونزلات البرد    أسباب زيادة آلام المفاصل في الشتاء ونصائح للتعامل معها    عمرو أديب يرد على شائعة انتقال محمد صلاح إلى الأهلي: «سيبوا الراجل في حاله»    كل ما تريد معرفته عن محفظة فودافون كاش: الحد الأقصى للتحويل ورسوم السحب والإيداع وخدمات الدفع    مفاجأة في أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 بالأسواق    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد.. سجل الآن    دميترييف: أكثر من 99% من الأمريكيين لا يعرفون أن روسيا أرادت الانضمام للناتو    تفاصيل بيان الفصائل الفلسطينية للتشديد على وقف إطلاق النار وبدء إعمار غزة    أحمد فهمي وهشام ماجد إخوات رغم انفصالهما فنيا.. اعرف ماذا حدث فى فرح حاتم صلاح    رسميًا.. موعد افتتاح المتحف المصري الكبير 2025 وأسعار التذاكر لجميع الأعمار    وزير الخارجية السوداني يزور واشنطن تلبية لدعوة رسمية    مصرع شاب فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بمركز دمنهور بالبحيرة    شاهد لاعبو بيراميدز يحتفلون بالكؤوس الثلاثة    يوسف رمضان يحرز الميدالية الفضية لبطولة فرنسا الدولية للسباحة    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 25 أكتوبر 2025    اليوم.. محاكمة رمضان صبحي بتهمة التزوير داخل معهد بأبو النمرس    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    «بوابة أخبار اليوم» تكشف حقيقة تداول صور لثعبان الكوبرا بالغربية| صور    تطبيق لائحة الانضباط يواجه مخاوف التسرب من التعليم.. أزمة فصل الطلاب بعد تجاوز نسب الغياب    لماذا تتزايد حالات النوبات القلبية بين الشباب؟    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    شيكو بانزا للاعب الزمالك المنبوذ: أنت عظيم.. لا تستمع لأحد    عبد الحميد كمال يكتب: بطولة خالدة.. المقاومة الشعبية فى السويس تنتصر على القوات الإسرائيلية    أسهل وصفة للتومية في البيت.. سر القوام المثالي بدون بيض (الطريقة والخطوات)    فضائح التسريبات ل"خيري رمضان" و"غطاس" .. ومراقبون: يربطهم الهجوم على حماس والخضوع للمال الإماراتي ..    عاجل | تعرف على أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا لها من فوضى خلاّقة
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 12 - 2011

منذ سبع أو ثماني سنوات، عقب الهجوم الأمريكى على العراق، صدر عن كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، تصريح مدهش جاء فيه أن من المرغوب فيه أن تحدث فى منطقة الشرق الأوسط «فوضى خلاّقة».

شعرت حينئذ بأهمية هذا التصريح رغم أنى لم أفهم المقصود منه بالضبط. إذ كيف تكون الفوضى خلاّقة؟ وهل يتطلب كونها خلاّقة أن يكون هناك تخطيط سابق لها؟ وإذا كانت فعلا خلاّقة، فهل هى كذلك فى نظر الجميع، أى بمن فيهم شعوب المنطقة نفسها، أم هى خلاّقة فقط فى نظر الولايات المتحدة؟ أم فى نظر الولايات المتحدة وإسرائيل؟

ظل هذا التعبير «الفوضى الخلاّقة» يعود إلى ذهنى بين الحين والآخر، وعلى فترات متباعدة، حتى جاء يوم الجمعة 28 يناير، عندما ظهر بوضوح أن من الممكن جدا أن تتحول انتفاضة يوم 25 يناير إلى ثورة حقيقية. ولكن انتهى اليوم فإذا بنا نسمع فى الليل أصوات إطلاق الرصاص، ونحن فى حىّ بعيد جدا عن أماكن المظاهرات، دون أن نعرف من أين يأتى الرصاص، ومن الذى يطلقه، مع تناقل الناس أقوالا عن هروب بعض المسجونين من سجن طرة القريب من منزلنا، واستيلائهم على بعض أسلحة السجن، ومهاجمتم بعض المحال التجارية ونهبها. بل وسمعنا أن بعض جنود الشرطة قاموا بأعمال مماثلة، كما سمعنا أنهم هم الذين يطلقون الرصاص بغرض ترويع الناس، وإجبارهم على البقاء فى منازلهم، وعدم الانضمام للمتظاهرين.

كان كل هذا يستحق وصفه بأنه بداية لفوضى حقيقية، دون أن يبدو منها أى شىء خلاّق. ثم حدث بعد ذلك بخمسة أيام (2 فبراير) واقعة الجمل الشهيرة، حين هجمت أعداد كبيرة من سمّوا بالبلطجية، حاملين السيوف والعصىّ والشوم، على المتظاهرين فى ميدان التحرير، وهم يركبون الجمال والخيول، فأشبعوا المتظاهرين ضربا وقتلوا كثيرين منهم، دون تدخل من قوات الأمن، التى كانت غائبة تماما، أو من قوات الجيش أو الشرطة العسكرية التى كانت تحيط بالميدان، ودون أن يفهم أحد بالضبط سبب غياب أولئك أو اتخاذ هؤلاء هذا الموقف السلبى البحت.

تأكد وقوع الفوضى إذن، ثم تتابعت أحداث الفوضى، الواحد بعد الآخر، دون أن يكون لأى منها تفسير معقول، مما جعلنى أسأل نفسى عما إذا كان هناك مخطط شيطانى وراء تتابع أحداث الفوضى على هذا النحو، مما قد يجعل لها هدفا نهائيا لا ندركه بعد، وأن تحقيق هذا الهدف هو المقصود بوصف الفوضى «الخلاّقة».

ذلك أنه سرعان ما حدثت أحداث غير متوقعة وغير مفهومة، من اعتداءات متكررة على كنائس، ومن ثم اشتباكات بين مسلمين وأقباط، دون أن تقوم قوات الشرطة بواجبها لمنع تفاقمها، بل ومع تراخٍ ملحوظ فى القبض على المشتركين فيها أو المحرضين عليها. قيل وقتها إن رجال الشرطة «غاضبون»، بسبب ما تعرضوا له من اعتداءات من المتظاهرين، أو أنهم «خائفون» من اعتداء المتظاهرين عليهم لو تدخلوا بفضّ الاشتباكات. فهل هذا معقول؟ وهل فقدت الحكومة السيطرة تماما على جهاز الأمن؟ فإذا افترضنا أن الحكومة تتعمد إشاعة الفوضى حتى يكفّ المتظاهرون عن التظاهر ضد نظام مبارك، فلماذا استمر هذا التهاون فى فوضى النظام وحكم القانون حتى بعد سقوط رئيس الجمهورية فى 11 فبراير، ومجىء حكومة جديدة زعمت أنها تتعاطف مع الثوار؟

اكتشفنا شيئا فشيئا أن الحكومة الجديدة (حكومة أحمد شفيق) حكومة ثورية وغير ثورية فى الوقت نفسه، إذ بدلا من إحداث تغييرات مهمة فى جهازى الأمن والإعلام، ظل المسئولون الكبار فى الجهازين دون تغيير، ومن ثم لم يكن من الواضح تماما للثوار ما إذا كان الممسكون الجدد بالسلطة ومصدرو القرارات العليا، يفعلون اللازم للقضاء على الفوضى.

حتى جاء استفتاء مارس على تعديل بعض مواد الدستور، فذهب الناس فرحين، وبأعداد غير مسبوقة، إلى صناديق الاستفتاء، فإذا بهم يصدمون من جديد إذ رأوا أن القوى السلفية يترك لها الحبل على الغارب فى التأثير على المشتركين فى الاستفتاء، بالادعاء بكل جرأة بأن كل من يصوّت ب«لا» على الاستفتاء، إنما هو كافر أو شىء قريب منه، وأن المؤمن الحق هو الذى يقول «نعم». لم تتدخل السلطة بعمل اللازم لمنع هذا السخف. وفى غضون ذلك قامت أعداد من الناس الذين سمّوا بالبلطجية، بإحراق بعض مبانى أجهزة الأمن وما فيها من أوراق وملفات دون أن يتدخل الممسكون بالسلطة للحيلولة دون ذلك إلا بعد قوات الأوان.

ثم انهمرت أعمال الفوضى بعد ذلك بلا حساب، من مظاهرات للمطالبة بحقوق فئة بعد أخرى من الموظفين أو العمال، إلى مظاهرات احتجاج على تعيين محافظ قبطى، إلى قطع الطرق والسكك الحديدية، إلى تكرّر أعمال النهب والخطف، إلى أحداث ماسبيرو التى نسبت أيضا إلى بلطجية، إلى أحداث الاعتداء على معتصمى ميدان التحرير من المطالبين بحقوق أهالى الشهداء، إلى الاعتداء على المتظاهرين فى شارع محمد محمود بدعوى اقترابهم من مبنى وزارة الداخلية، إلى ضرب المعتصمين أمام مجلس الوزراء بالرصاص...إلخ.

كل هذا يتضمن أمثلة كثيرة لحالة من الفوضى التى لاشك فيها، ولكن من أين بالضبط يأتى وصفها بأنها «خلاّقة»؟ فمن وجهة نظر المصلحة الوطنية تبدو الفوضى وكأنها النقيض التام لما نتمناه للوطن: الاقتصاد يتعثر والأسعار ترتفع، والناس يتشاجرون (وأحيانا يتقاتلون) للحصول على أنبوبة بوتاجاز، والسياحة شبه متوقفة، والأمن مفقود فى الشارع، والأقباط خائفون ويفكرون فى الهجرة، والنساء المحجبات يخشين أن يفرض عليهن النقاب، والسافرات يخشين أن يفرض عليهن الحجاب...إلخ. فما هو بالضبط الشىء الخلاّق فى كل هذا؟

كثيرون يعلقون آمالهم على الديمقراطية، ويجدون فيها التبرير الحقيقى لما حدث من فوضى. «لا بأس من بعض الفوضى»، هكذا يقولون، «فى سبيل أن يحصل الشعب فى النهاية على حريته، ويقول كلمته، ويختار ممثليه المعبرين عن رغباته الحقيقية. وقد اختارت الأغلبية التيار الإسلامى، فدعه يحكم إذن، ومتى تسلم الحكم فسوف ترى أن الفوضى قد انتهت».

لا ينكر أحد أن بعض الفوضى قد شابت عملية الانتخاب نفسها، فسُمح باتباع بعض الأساليب غير المشروعة للتأثير فى الناخبين، كقيام بعض أنصار التيار الإسلامى بالدعاية لمرشحين على أبواب اللجان الانتخابية، رغم أن القانون يمنع ذلك، بل وداخل اللجان نفسها، ورفعوا شعارات دينية كان المفروض ألا تقحم على العملية الانتخابية، وجرى تسامح مريب مع هذا أيضا. ولكن قد يقال ان علينا أن نضرب الصفح عن هذا، إذ إن الأرجح أن النتيجة لابد أن تكون لصالح التيار الإسلامى حتى دون اتباع هذه الأساليب.

الشىء المقلق حقا هو أنه بمجرد أن أعلنت نتائج الجولة الأولى للانتخابات بانتصار كاسح للتيار الإسلامى، سمعنا أن مسئولا أمريكيا كبيرا، قد جاء على الفور إلى القاهرة، وزار بعض قيادات هذا التيار فى مقر حزبهم، فأجرى معهم بعض المحادثات التى لم يخبرنا أحد بفحواها بالضبط، رغم أهميتها بالضرورة، ورغم تعارض هذا الكتمان مع قواعد الديمقراطية والشفافية. الذى يستدعى النظر أيضا أن هذه الزيارة غير المتوقعة بالمرة، تأتى من نفس الدولة التى استخدمت منذ بضع سنوات تلك العبارة الغامضة عن «الفوضى الخلاّقة». من حق المرء إذن أن يربط بين هذه الزيارة المفاجئة وبين تلك العبارة غير المفهومة، وأن يثور بذهنه السؤال: «هل كان هذا إذن هو المقصود (بالفوضى الخلاقة)؟ وهل كانت الفوضى (خلاّقة) بمعنى أن تسير الأمور بعد انتهاء الفوضى بما يتفق بالضبط مع رغبات هذه الدولة بالذات؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.