لم يتحدث د.محمد سليم العوا عن الإعلان الدستورى هذه المرة، ولا عن إرادة الجماهير التى أعلنت عنها فى استفتاء مارس، لم يتحدث عن الإرادة الشعبية التى يجب احترامها كما كان يفعل قبل شهور مضت. العوا أفصح عن رأيه فى وضع الدستور قبل إجراء انتخابات الرئاسة، وقال إن الأحزاب والقوى والمجلس الاستشارى الذى يتمتع بعضويته متفقون على ذلك، دون أن يعود ليشهر فى وجوههم سيف الإعلان الدستورى كما كان يفعل عند معركة «الدستور أولا أم البرلمان».
والعوا هنا هو مجرد نموذج لكل من أثاروا الدنيا قبل شهور فى اتجاه التباكى على الإعلان الدستورى، والدفاع عن إرادة الجماهير التى عبرت عنها فى صناديق الاستفتاء، وعندما جاءت لحظة مختلفة على هواهم أو على هوى توافقاتهم مع العسكرى أو غيره، لم يتحدث أحد لا على الإعلان ولا الاستفتاء، ولا خريطة الطريق التى ارتضتها الجماهير، ويقولون إن الإعلان الدستورى خرج معبرا عنها.
لا أعرف كيف ينسى الناس مواقفهم بهذه السرعة، وكيف يتحولون من نصير للإعلان، إلى محقر له، وينسى كل منهم أن لديه رقيبا إلكترونيا اسمه «يوتيوب» مسجل عليه تسفيه واتهام وتخوين لكل من فكر فى تعديل مسار خريطة الطريق بالتصادم مع الإعلان الدستورى، ووقتها كانت ذات الأسئلة مطروحة، كيف ننتخب برلمانا لم تحدد صلاحياته فى دستور، وكان العوا والذين معه يدبجون التفاسير الدستورية والقانونية للرد على هذه «المزاعم» كما كانوا يروجون، واليوم يعود الذين رفضوا السؤال عن البرلمان لطرحه كما هو على الرئاسة ويقولون كيف ننتخب رئيس لم تحدد صلاحياته فى دستور جديد، متناسين إن إعلانهم الدستورى الذى ألهبوا به ظهور المعارضين يقول ذلك، ويستند أيضا إلى كثير من التبريرات الدستورية والقانونية، التى فصلها المستشار طارق البشرى مؤخرا، سواء من وجود الصلاحيات التى تمكن أى رئيس من مزاولة مهامه قبل الدستور، أو من فلسفة الإعلان نفسه التى تسعى لوضع الدستور فى ظل حكم مدنى ديمقراطى بعيدا عن تأثيرات العسكر.
بقى البشرى على رأيه كما هو لم يغيره، واجه به من دعوا إلى الدستور أولا قبل البرلمان، ويواجه به اليوم من يدعون للدستور أولا قبل الرئيس، وفى كلتا الحالتين استند إلى ذات الأسانيد لم يبدلها، وإلى ذات الاحترام للإعلان الدستورى والإرادة الشعبية، لكن الغرابة أن صديقه العوا كان أشد المدافعين عن البشرى قبل شهور، وأشد المختلفين معه اليوم، رغم عدم تغير أى من المعطيات التى بنى كل منهما مواقفه عليها.
ربما كان الفارق أن طارق البشرى قانونى، ويتحدث من هذا المنطلق فيستند إلى قاعدة ثابتة لا تتغير لأنها مكتوبة وكان يعتقد أنها تملك شرعية للبقاء والاستقرار، لذلك تبدو مواقفه ثابتة وتفسيراته محددة لا ترقص بين مد السياسة وجزرها، لكن العوا وهو القانونى أيضا مرشح رئاسى، يبنى مواقفه على السياسة وأحكامها وليس على النصوص القانونية وإلزامها، وعندما تصطدم النصوص بالتوافقات والتفاهمات مع العسكر والإخوان وباقى القوى، يتبدل الخطاب فورا، ويصبح ما كان حقا بالأمس باطلا اليوم.