رئيس قناة السويس يبحث سبل التعاون مع مجموعة موانئ أبو ظبي    «تنمية المشروعات» يوقع عقد جديد للتمويل متناهي الصغر ب160 مليون جنيه    مسؤول بالمركزي الأوروبي يرجح إجراء المزيد من تخفيضات معدلات الفائدة في منطقة اليورو في 2024    «الإسكان» تنفذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق محلات في العبور    تعديل لائحة القواعد المنفذة لأحكام قانون الاستيراد والتصدير    خبير: نتنياهو يحاول كسب الوقت في غزة على أمل عودة ترامب إلى السلطة    10 جرحى على الأقل في حريق مصفاة النفط بمدينة أربيل    8 وزراء خارجية في الاتحاد الأوروبي يدعون لتقييد حرية تنقل الدبلوماسيين الروس في أنحاء التكتل    دويدار: زيزو يشبه محمد بركات .. وكان يجب ضم سام مرسي لقائمة المنتخب    عاجل.. شوبير: عقوبة كهربا وصلت ل«الشطب» بسبب الزمالك    وكيل الشباب والرياضة بالغربية يشهد انطلاق ماراثون الدراجات احتفالا باليوم العالمي للدراجات    فرحة بين طلاب الثانوية الأزهرية بالقليوبية لسهولة امتحان مادة الحديث    تحرير 1348 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني على السيارات    استمرار عرض فيلم السرب ضمن موسم عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 13-6-2024    تحذير لمرضى الكبد من الإفراط في تناول اللحوم.. واستشاري تغذية: تؤدي إلى غيبوبة    أستاذ طب نفسى: اكتئابك مش بسبب الصراعات.. إصابتك بالأمراض النفسية استعداد وراثى    مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    الخشت يتلقى تقريرًا عن جهود جامعة القاهرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة    ضياء السيد: طلب كولر بشأن تمديد عقد موديست منطقي    «عنيف ومش في صالحه».. شوبير يرد على بيان بيراميدز بشأن أزمة رمضان صبحي    التعليم العالي تعلن صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    بمشاركة عربية وأفريقية.. انطلاق قمة مجموعة ال7 في إيطاليا    بدء تصعيد حجاج القرعة فجر غد للوقوف بعرفات لأداء الركن الأعظم    تأجيل محاكمة 4 متهمين شرعوا في قتل مزارع بكرداسة إلى 11 سبتمبر    مواعيد آخر قطارات المترو خلال عيد الأضحى 2024    الحبس سنة لعصابة سرقة الشقق السكنية بالسلام    بعد قليل.. النطق بالحكم على 16 متهمًا بتهريب المهاجرين إلى أمريكا    حريق ضخم بالخرطوم بحري.. ومجلس الأمن يعتزم التصويت لوقف حصار الفاشر (تفاصيل)    اليوم.. موعد عرض فيلم "الصف الأخير" ل شريف محسن على نتفليكس    السبت.. دار الأوبرا تقيم حفلا لأوركسترا السيمفوني على المسرح الكبير    وسائل إعلام عبرية: دوي 3 انفجارات في ميناء حيفا ومحيطه    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    5 أعمال لها ثواب الحج والعمرة.. إنفوجراف    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن التمويل الإنساني للمدنيين في أوكرانيا    "سويلم": روابط مستخدمي المياه تمثل منصة تشاركية للمزارعين للتعبير عن مطالبهم    أخصائية تغذية تحذر من منتجات غذائية شائعة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    "عودة الدوري وقمة في السلة".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة الهجرة تشيد بتشغيل الطيران ل3 خطوط مباشرة جديدة لدول إفريقية    رئيس جامعة المنيا يفتتح الملتقى التوظيفي الأول للخريجين    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    7 مصابين في تصادم ميكروباص وسيارة ربع نقل بالبحيرة    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    "الله أكبر كبيرا.. صدق وعده ونصر عبده".. أشهر صيغ تكبيرات عيد الأضحى    فطيرة اللحمة الاقتصادية اللذيذة بخطوات سهلة وسريعة    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    الوكيل: تركيب مصيدة قلب مفاعل الوحدة النووية ال3 و4 بالضبعة في 6 أكتوبر و19 نوفمبر    حزب الله يعرض مشاهد لعملية استهداف مقر إسرائيلي    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    24 صورة من عقد قران الفنانة سلمى أبو ضيف وعريسها    «هيئة القناة» تبحث التعاون مع أستراليا فى «سياحة اليخوت»    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الإخوان وتحديات الحرية)
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 04 - 2011

تغيرت ساحة العمل الوطنى المصرى فى ستين يوما أكثر مما تغيرت فى ستين سنة، فعلى الرغم من اختلاف التوجهات الوطنية والسياسية والاقتصادية لأنظمة كل من عبدالناصر والسادات ومبارك فإن القاسم المشترك الأعظم كان اعتمادهم فى إدارة الدولة على نظام أمنى لا سياسى، بحيث كانت الرؤية الأمنية السلطوية دون غيرها هى الحاكمة لمواقفهم من التيارات السياسية الداخلية المختلفة.
وكان لهذا الأمر أثره السلبى على القوى الوطنية ومنها جماعة الإخوان المسلمين، التى تراوحت أشكال تعامل الأنظمة معها بين التهدئة/الاحتواء الجزئى والقمع الكامل، ولم تكن فى أى وقت شريكا كامل الأهلية فى النظام السياسى، فكانت دوما معرضة للقمع، الأمر الذى فرض على قيادتها تحديات تتعلق بالوجود والاستمرار.
وعبر سنوات طويلة اعتادت جماعة الإخوان العمل فى مناخ القمع، وطورت لذلك ما رأته ضروريا من أدوات، منها خطاب يقوم على صياغات أوسع بكثير من مشروع الجماعة الذى قامت لأجله، ويدعو لتأجيل الخلاف لصالح التكتل التنظيمى الذى يؤَمّن البقاء، وظهرت فى أدبيات الجماعة مفردات تشكل قمعا فكريا لصالح التنظيم (مثل تعبيرات «المتساقطون على طريق الدعوة»، وربط مفهوم الثبات بالالتزام التنظيمى)، وتتعامل مع الخلاف باعتباره مرضا لا بد من علاجه، وطورت الجماعة فى شكل آلياتها بحيث صارت عملية اتخاذ القرار تتم بصورة مركزية لتضييق نطاق الخلاف، وصكت أو أعادت إنتاج المفاهيم التى تبرر ذلك مثل مفهومى الثقة والجندية، فى حين كانت عملية تنفيذ القرارات المركزية تتم بصورة شديدة اللامركزية، لئلا يتأثر التنفيذ بما يتعرض له التنظيم من ضربات.
وفى ظنى فإن طول المدة التى قضتها الجماعة فى القمع قد أحدثت تشوهات مزمنة فى بنيتها الفكرية والتنظيمية، فأما على الجانب الفكرى فقد ساهمت الصياغات العريضة فى جذب عناصر من المدارس الفكرية المختلفة للعمل فى الجماعة التى لم تعد معبرة عن منهج بعينه، ووصل الأمر فى بعض الأحيان إلى أن طمست معالم مشروع الجماعة واختلط بمشروعات إسلامية أخرى، أقل أصالة واعتدالا وعمقا، ولم تعد الخطوط الفاصلة بين المشروعات واضحة، بل لم يعد يجمع أعضاءها من نقاط الاتفاق فى ظنى إلا أربع نقاط هى الاتفاق على شمول الإسلام (مع الخلاف على ما يقتضيه ذلك من أشكال العمل التنظيمى)، والقبول بالديمقراطية (مع الخلاف حول معناها وعمقها)، والقبول بالتعددية السياسية (مع بعض الغموض عند البعض حول مساحة الخلاف المسموح بها)، ورفض العنف كأداة للتمكين السياسى.
وعلى المستوى التنظيمى فإن الطوارئ المزمنة قد أدت لوجود خلط بين الفكرة والتنظيم فى ذهن الكثير من القيادات، وإلى مركزة الكثير من مفاهيم الطوارئ، حيث صار الحديث عن العمل المؤسسى والالتزام اللائحى ومحاسبة القيادة تغريدا خارج السرب، وصار الحديث عن خلاف فكرى من المحرمات، إن اختلفت نوعية التعامل مع مثل هذا المحرم، ومعنى هذا فى التحليل الأخير أن سنوات القمع نجحت فى حصار الإخوان داخل تنظيمهم الذى صار غاية وجودهم، وفى تقليم أظافر أية محاولات إصلاحية لصالح الدفاع عن الهوية فى أكثر صورها بساطة.
ثم جاءت الثورة المصرية لتؤسس لوضع جديد انحسر فيه القمع، واتفق الجميع على رفض الإقصاء والتعامل الأمنى، فوجد الإخوان أنفسهم أمام تحدٍ لم يعهدوه من قبل وهو تحدى الحرية، وهو فى ظنى أكثر جدية من تحديات القمع، إذ لم يعد هناك ما يهدد البقاء وبالتالى فلم يعد هناك ما يهدد الهوية على النحو الذى يؤجل محاولات الإصلاح، بل صار العكس هو الصحيح، فصار أكثر ما يهدد الهوية هو غياب الإصلاح، إذ من شأنه أن يؤدى لانفصال الجماعة بشكل كامل عن واقعها المحيط.
ويبدو لى أن الجماعة لم تعتد بعد التعامل مع تحديات الحرية، إذ أول ما تقتضيه الحرية هو القبول بالتنوع وتنميته، وهو ما لم يظهر فى سياسات ومواقف الجماعة إلى الآن، سواء المتعلقة برفض انضمام أعضائها لغير حزب الحرية والعدالة الذى تنشئه القيادة (وما يعنيه ذلك من غياب الفصل الحقيقى بين الجماعة والحزب، ومن إصرار على إنكار أو قمع التنوع الداخلى الذى ينبغى أن يتجلى فى برامج سياسية متنوعة وأحزاب مختلفة)، أو موقفها السلبى والرافض للمؤتمر الذى نظمه بعض شباب الجماعة للحوار حول رؤاهم لمستقبل الجماعة (وهو موقف بدا فيه أن الشباب أكثر قدرة على التعامل مع الخلاف واحتواء المختلف من قياداتهم)، أو موقفها من بعض القيادات الذين أعلنوا أنهم قد ينضمون لأحزاب أخرى أو يرشحون أنفسهم للرئاسة (وقد صرح أحد القيادات أن أمثال هؤلاء سيدفعون ثمن هذه القرارات)، أو فى غير ذلك من تصريحات بعض القيادات التى ذهبت إلى أن الجماعة لا تزال معرضة للقمع ولا تزال تعانى محاولات الإقصاء (وهو ما يعنى ذلك من رفض نفسى للخروج من خندق المحنة).
وأتصور أن تحديات الحرية تفرض على الجماعة التعامل بقدر كبير من الحكمة لعلاج التشوهات الفكرية والتنظيمية التى أنتجتها سنوات القمع، فأما على الصعيد الفكرى فإن نقطة البدء هى تحديد الأرضية الفكرية التى تنطلق منها الرؤى المستقبلية، وفى تقديرى فإن الجماعة فى هذه اللحظة تختلط فيها أربع مدارس فكرية، أولها مدرسة الأستاذ البنا (وهى مدرسة لها أصولها فى الأزهر وإن لم تكن تياره الرئيس)، وثانيتها مدرسة الأزهر (التراثية المذهبية الوسطية)، وثالثتها السلفية (بتجلياتها المختلفة بدءا من السلفية المصرية ووصولا للوهابية) ورابعتها القطبية (مع التسليم بأن الإخوان القطبيين لا يتبنون العنف والتكفير كغيرهم من القطبيين من خارج الجماعة)، وإذا كانت الجماعة تبغى التحرك فى اتجاه بناء فإن أول ما ينبغى عليها القيام به فى هذا الإطار هو تحديد أصول المدرسة الفكرية التى تنتمى إليها وتمثلها بشكل واضح، بحيث يصير ما عدا ذلك غير معبر عنها ولا يبنى عليه فى برامجها.
وتلك الوحدة المدرسية هى التى تؤسس لدور حضارى حقيقى يقوم به الإخوان، إذ عليها تنبنى التنوعات التى تحتاجها الجماعة للتعامل مع تحديات الحرية، وهى تنوعات برامجية وتنظيمية، فأما البرامجية فمردها إلى أن الإسلام وإن كان منهج حياة فإنه ليس أيديولوجية سياسية، فهو يمثل إطارا قيميا عاما للحياة، وبعض القواعد الكلية والأحكام التشريعية التى أطرت مجالات الحياة المختلفة، وهذه فى ذاتها تصلح لأن تكون عنصرا مكونا فى عدد لا يكاد يحصر من البرامج والتوجهات السياسية، ولذلك فإن حصر تلك البرامج ذات التوجهات الليبرالية واليسارية والقومية وغيرها فى إطار واحد فقط لكونه إسلاميا هو إصرار على البقاء فى خانة الدفاع عن الهوية فى أبسط صورها بدلا من الإصلاح بتطوير خطاب سياسى مركب بناء، وهذا الأمر من شأنه محاصرة الفكرة الإسلامية فى مشروع سياسى واحد، وهو خصم ولا شك منها، وإبعاد لها عن دورها المركزى فى صياغة الإطار القيمى للمجتمع، ولذلك فإن المسئولية تجاه المشروع تحتم على الجماعة أن تسمح بتنوع سياسى يتجلى فى مشروعات سياسية مختلفة، تكون إما نابعة من الإخوان، أو قريبة منهم.
وأما التنوع التنظيمى فأريد به تراجع دور تنظيم الإخوان وإفساح المجال للتجليات الأخرى للمدرسة، التى تمارس أدوارها فى المجالات الحياتية المختلفة، وتلك التجليات لابد أن تتمتع بقدر كبير من الاستقلال عن النواة الصلبة للتنظيم، وأن يزداد ارتباطها بالمؤسسات ذات الاختصاص المتعلقة بمجال عملها، فالجانب الشرعى مثلا لابد أن يكون أكثر ارتباطا بالأزهر الشريف ومشايخه ليأخذ عنهم العلم، وكذلك الجانب الدعوى الاجتماعى لابد وأن يستند إلى الأزهر كمرجعية علمية، على أن يقوم هو بترجمة تلك الأفكار العلمية إلى حركة اجتماعية تربوية كما فعلت الطرق الصوفية قبل وقوعها تحت سيطرة الدولة فى القرنين الأخيرين، ومثل هذا الكلام ينطبق على الأبعاد المختلفة فى الجماعة، حتى تصير مدرسة متجاوزة للتنظيم، تعيش فى فضاء الحرية وتتحرك من خلال عالم الأفكار الحر لتصل للجميع، فتكون كما أراد المؤسس (روحا جديدا يسرى فى جسد الأمة)، ولا أرى خيارا للإخوان إلا هذا إن أرادت الجماعة فعلا أن تكون لاعبا مؤثرا فى الساحة الوطنية المصرية.
إن تحديات الحرية تفرض واقعا جديدا على الإخوان غير هذا الذى ألفته الجماعة، فهى تفرض أن يكون التركيز على الإصلاح مقدما على التركيز على الهوية، وأن تكون الأفكار مقدمة على التنظيم، وأن يكون الأمل مقدما على القلق، وأن يوجد لدى الجماعة والقائمين عليها إدراك بأنهم لا يدافعون عن الدين بقدر ما يدافع هو عنهم، وأنهم ليسوا أكثر حرصا عليه من غيرهم، وأن التنظيم القوى ليس بالضرورة هو الطريقة الأولى لبلوغ المقاصد، وهى دروس ينبغى على الجميع تعلمها من الثورة المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.