عن دار نشر "بلومز برى" بلندن، صدرت الترجمة الإنجليزية لكتاب "ولدت هناك..ولدت هنا" للشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، وقام بالترجمة من العربية إلى الإنجليزية هيمفرى ديفيز. ويمكن القول أن هيمفرى ديفيز أنجز مهمته فى ترجمة الكتاب الذى صدر بالعربية عن دار رياض الريس بنجاح يحسب له كمترجم عتيد، خاصة فيما يتعلق بنقل مشاعر الكاتب وتناقضاته فى النص العربى ودون أن يفقد العمل تدفقه وكثافته السردية.
والكتاب حافل بالتفاصيل الحميمة والذكريات وأحاديث الشعر والعائلة وحتى طقوس شرب القهوة بقدر مايعبر عن حياة الفلسطينى فى العقود الستة المنصرمة ويحمل فى العمق رسالة تحية لهذا الفلسطينى الذى يناضل للعيش بكرامة رغم كل القوى التى تسعى للنيل من كرامته.
ويبدأ الكتاب برحلة من اريحا لجسر نهر الأردن كما يتضمن رحلة طويلة من رام الله للجسر فى طريقه للأردن حيث تعيش والدته فى عمان .
ويرصد أحاديث الركاب وبراعة السائق فى تجاوز قيود الاحتلال ومنغصاته اليومية فى وقت كانت فيه الأجواء بالغة الاحتقان.
وذكر الكاتب أن آرييل شارون رئيس حكومة الاحتلال يستعد لاجتياح الضفة الغربية لسحق الانتفاضة الثانية وحصار الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات كرمز للانتفاضة، ومع ذلك لا يتخلى الفلسطينى العادى عن حس السخرية وإطلاق النكات وهى السخرية التى تعنى فى نهاية المطاف أن "الشارونية" بكل عدوانيتها عاجزة عن النيل من الروح الفلسطينية ناهيك عن هزيمتها.
ويلاحظ الكاتب والناقد والسينمائى البريطانى جون بيرجر فى مقدمة هذا الكتاب الجديد فى طبعته الانجليزية أن كتابة البرغوثى تعبر عن تجربة تخرج من قلب محنة متصلة فيما تكون السخرية من أهم أسلحة المقاومة للبقاء تماما كما أن هذا الكتاب نموذج للكتابة الشجاعة.
فالفلسطينى محروم من الحياة العادية او المتعارف عليها بين أغلب البشر فى هذا العالم وهو فى تجربته غير العادية لايمكن لعبارات مثل الاستعمار او الغزو او الاقتلاع أن تعبر عنها بدقة كما يقول جون بيرجر.
فهذه التجربة الاستثنائية لشعب بأكمله أكبر من كلمات تتحول بمرور الزمن إلى أكليشيهات ومن ثم فإن كتابا مثل كتاب البرغوثى يوضح المعانى الحقيقية لمآساة الفلسطينى وشرح الأبعاد الكاملة قدر الإمكان للكلمات والدلالات.
ويتطرق البرغوثى فى كتابه الذى يجمع بين الخاص والعام لتفاصيل حميمة لحياته بعد أن غادر بلدته "دير غسانة" فى الضفة الغربية ودراسته الجامعية فى القاهرة وزواجه من الروائية والناقدة المصرية رضوى عاشور ، والرحلة الصاعدة لابنهما تميم الذى ورث روح الشاعر عن أبيه ومضى فى طريقه الخاص للشعر .