في عام1996 عاد الأديب الفلسطيني مريد البرغوتي لمسقط رأسه رام اللهبفلسطين للمرة الأولي منذ إنتقاله للعيش بالقاهرة عام3691 وفي عام3002 عاد إليها مرة ثانية. ولكن هذه المرة بصحبة ابنه الشاعر تميم البرغوتي الذي ولد بالقاهرة ليتعرف علي وطنه فلسطين, وأسرته الفلسطينية. وهي الرحلة التي اسفرت عن كتابه' ولدت هناك ولدت هنا' الذي صدر للمرة الأولي عام2009, والذي اصدرت الجامعة الأمريكية نسخة مترجمة منه مؤخرا, حيث رأت أنه كتاب يستوجب الترجمة إلي الإنجليزية حتي يتعرف القاريء الغربي علي مأساة الإنسان الفلسطيني من خلال قصة إنسانية يزيد عمرها عن أربعين عاما. وبلغة إنجليزية شديدة الرقي وبالغة التعبير عن أحاسيس فلسطيني يفتقد وطنه ويتلمس التغيير الذي طرأ عليه بعد ما يزيد عن أربعين عاما, يسرد لنا هامفوري ديفيز القصص التي استعرضها البرغوثي في كتابه المكون من11 فصلا, والتي تعبر في الأساس عن الألم النفسي الذي مازال يعيشه البرغوتي منذ تركه قريته دير غسانة برام الله عام1963 ليكمل تعليمه الجامعي في مصر حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام1976 وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها, حيث لم يتمكن من العودة إلي مدينته رام الله إلا بعد ثلاثين عاما من العيش في المنفي سواء في دول عربية أو أوروبية. وفي كتابه عبر البرغوتي خلال فصوله المتعددة والتي بدأها بفصل حمل عنوان' السائق محمود' عن كفاح الفلسطينيين وعذابهم اليومي للتعامل مع الحصار المفروض عليهم في التنقل داخل أراضيهم لينقل لقرائه, وكيف يكون الإنسان مقيد الحركة والحرية داخل وطنه, وكيف يتحايل علي التخلص من تلك القيود أو علي الأقل التأقلم معها في محاولة للتغلب علي العقابات التي تفرضها تلك القيود. ويتطرق في الفصل الذي حمل عنوان الأب والابن إلي تجربة عبوره إلي الأراضي المحتلة التي عاشها مع ابنه تميم الذي يسعي للحصول علي بطاقة هوية فلسطينية فيصف التفتيش علي الجسر وتجييش القوات العسكرية الإسرائيلية بحجة الخوف من الفلسطينيين العزل علي أرضهم التي تطأها قدمي إبنه الوحيد للمرة الأولي وكيف يكون شعور من يزور وطنه الذي طالما حلم به وتخيله علي وقع كلمات أبيه. ولكن الجزء الأهم والأبرز, هو فصل ولدت هناك ولدت هنا فهو بفلسفة نجمت عن الشعور بالغربة والمنع من العودة للوطن يصف كيف يمكن أن يتحول مكان عاش فيه الانسان سنوات عمره الأولي إلي مكان بعيد علي يد الاحتلال, ولكنه بمجرد رؤيته له مرة أخري يعود مكانا قريبا وتتجدد مشاعر الانتماء إليه, بل يكتشف مدي اشتياقه له عبر سنوات العمر التي قضاها في المنفي. فقد أراد مريد البرغوتي أن يكون كتابه هذا أقرب للسيرة الذاتية التي يمكن من خلالها أن يجعل القاريء يتعرف علي المعني الحقيقي لعودة الفلسطينيين لأرضهم التي طردوا منها.