مصريانو.. بهذا الاسم يعرف كارمينيه كارتولانو نفسه، وحمل كتابه الأول المكتوب بالعامية المصرية والصادر عن دار العين الاسم نفسه، "كارمينيه" مصور ومترجم إيطالي، تعلم العربية منذ أن كان في إيطاليا، ثم قرر أن يأتي للقاهرة في زيارة 1999 من أجل إجادة اللغة العربية، ولكنه كما يقول أخذه سحر مصر، فظل مدة 12 سنة، حتى ألف كتابه الأول " مصريانو.. يوميات مصور إيطالي" ليحكي عن تجربته باعتباره عاشقا لمصر وليس باعتباره أجنبيا. كتب يومياته بعامية مصرية خالصة، تحمل روحه كفنان وعاشق لمصر، بكل بساطة. كارمينيه وتعلم العربية يقول كارمينيه :"قررت أن أدرس اللغة العربية عند التحاقي بالجامعة، وفي البداية ترددت بين دراسة اللغة اليابانية والعربية، ثم قررت دراسة العربية في المعهد الأورينتالي بنابولي، ودرست أيضا الفارسية، وحققت نجاحا في دراسة العربية، فتعلمت الكتابة والفن واللغة والأدب والإنسان، ثم تعرفت على دكتور مصري يدرس بالجامعة في إيطاليا، وكان يحكي لي عن مصر، وبعد أن انتهيت من الدراسة قررت أن أسافر إلى مصر".
يؤمن كارمينيه أن الإنسان أحيانا يختار أشياء وهو لا يعرف لماذا اختارها؛ فقط هو يقرر أن يفعل شيئا ليخوض تجربة مختلفة تماما، بالإضافة إلى حبه للخط العربي، وتلك هي أسباب اختياره لدراسة العربية؛ حب التجربة والخط العربي، كما يقول كارمينيه "الحياة إذ لم يوجد بها مخاطرة فلن تكون حياة، كما أن الخوف يؤدي إلى نجاح، وأن الحياة مليئة بالمفاجآت"، وأيضا كتاب "مصريانو" لم يكن بباله ولكن فكرته جاءت فجأة.
يحكي كارمينيه عن فترة تخرجه من الجامعة في إيطاليا، حينما كان عليه في البداية أن يلتحق بالجيش أو بالخدمة الاجتماعية، فاختار أداء الخدمة الاجتماعية مع مجموعة من الأطفال المعاقين، و طلب منه بعدها أن يستمر في العمل مع هؤلاء الأطفال، إلا أنه بعد فترة شعر أنه يعمل بمجال خارج نطاق تخصصه، فعادت فكرة السفر إلى مصر تراوده، و سافر مع صديقته للعيش في مصر لمدة 6 شهور لدراسة اللغة العربية، وامتدت الفترة إلى سنة ونصف حتى يحقق هدفه الأساسي بالقدوم للقاهرة؛ وهو تعلم العربية وإجادتها وبالفعل أجادها.
عندما تتحدث إلى كارمينيه، تشعر أنك أمام شخص مصري بملامح أوروبية ، وتتأكد من روحه المصرية، حين تجده يقول " مصر بها سحر، يوجد شيئا ما في الجو وفي عيون الناس، في تعاملهم"، فأثناء تواجده في مصر كان كلما يأتي شهر يونيو يقرر أن يعود إلي إيطاليا، و لكن لا يمر أكثر من شهرين حتى يشعر كارمينيه أنه غير قادر على الاحتمال، فيجهز نفسه ليعود إلى القاهرة.
مصريانو.. فكرة كتاب في البدء، لم يكن كارمينيه متحمسا للكتابة، إلا أن صديقه ألح عليه أن يكتب عن مصر، ولكنه كان مترددا، ولم يتوقع أنه يستطيع أن يكتب عن مصر بشكل جيد، اختفت فكرة الكتابة، و سافر كارمينيه إلى إيطاليا، وهناك، قام بكتابة قصة باللغة الإيطالية وأرسلها لصديقه في القاهرة، فأشاد بها وشجعه، منذ ذلك الوقت، فكر كارمينيه أن يكتب عن مصر ليحكي تجربته فيها، واستخدم في الكتابة العامية المصرية، لأنها بحسب قوله " لغة الحياة اليومية، كما أنها لها مذاقا مختلفا، وهي أقرب للناس، فالعامية تحكي الموقف الذي تعيشه كما هو، فأنا أستطيع عن أحكي قصتي مع التاكسي بسهولة أكثر من خلال العامية، كما أن هناك العديد من (الايفيهات) التي لا يمكن أن تقال إلا بالعامية".
ويؤكد كارمينيه أن كتاب " مصريانو" جاء بعد أن عاش بمصر لمدة 12 سنة، مشيرا إلى أنه لم يرصد في كتابه الجوانب السلبية، لذلك تجده يقول " كنت أكتب وكأني جزء من المجتمع المصري، لم أكتب بلسان أجنبي يعيش في مصر، ولكني كتبت بصفتي إنسان يغوص في بحر المجتمع المصري، متعايشا معه، راصدا له بعين المحب"، فدائما كان كارمينيه حريصا على ألا يكتب شيئا يغضب أي مصري يقرأ كتابه، لذلك كان كلما كتب شيئا يرسله لأصدقاءه المصريين ليتأكد أن ما كتبه لم يزعجهم.
بلهجة خفيفة الظل كالتي توجد بكتابه، يقول كارمينيه " تعلمت من خلال تجربتي بهذا الكتاب أنه لا توجد جنسية، فالإنسان ينتمي لكل جزء في الأرض، وباستطاعته أن يكتب عن أي مكان، وفقا لرؤيته الإنسانية"، وهذا ما دفعه لكتابة مصريانو.
التصوير.. رحلة من أجل التواصل يقول كارمينيه أن الكاميرا بالنسبة له كالرواية والقصة، والإبداع يظهر في لحظة التقاط الصورة، ونظرا لروح الفنان التي تلاحظ بوضوع عندما تتحدث إلى كارمينيه، تجده يقول " ما يهمني هو الإحساس الذي توصله الصورة". وبدأ حب كارمينيه للتصوير الفوتوغرافي صدفة، حين كان يساعد فنان إيطالي محبا للتصوير، و كانا أصدقاء، وقتها اكتشف أنه يحب التصوير وبدأت رحلته مع هذا النوع من الفن، حتى صار له معارض.
العجلة.. " بحب عجلتي قوي ، عشان مش بتتكلم كتير ومش بتتصرف على الفاضي"، هكذا يصف كارمينيه علاقته بعجلته، التي يضعها في صالة بيته، ويأخذها معه في كل مكان، والتي كانت تسبب له العديد من المضايقات أثناء ركوبها في شوارع القاهرة ، ولكنه يفضل ركوب العجل خاصة في رمضان وقت الفطار، حيث الشوارع الخالية.
ولو كان في أب، سابها ليه؟ بينما تقرأ كتاب "مصريانو" تجد بين كل جزء والأخر من الكتاب سؤال يطرحه عليك كارمينيه، وهكذا بنهاية الكتاب تصل لمجموعة من الأسئلة ؛ " لو مصر أم الدنيا، مين أبوها؟"، "ولو كان في أب هيرجع أمته؟"، "ولو كان فيه أب مش هيرجع بقه؟"، " لو مصر أم الدنيا، يا ترى اتجوز عليها"، ولكن السؤال ألأكثر أهمية، من وجهة نظر كارمينيه، هو " ولو كان في أب، سابها ليه؟". ويترك كارمينيه أسئلته بدون إجابة، تاركا مساحة من الحرية للقارئ، ليكون له إجابته الخاصة، أو أن يكتفي بالأسئلة تاركا الإجابة معلقة في عقله.
لم يكن شكر كارمينيه المدون بأخر صفحات الكتاب كغيره من الكتب، لكنه كان له مذاقا مختلفا كصاحبه، فكما شكر أصحابه وأصدقائه، شكر الشمس، لأنها تعني له الابتسامة والحياة، فيقول عن الشمس " كل يوم في الصباح أسلم على الشمس، خاصة شمس مصر"..
الجدير بالذكر أن كارمينيه كارتولانو نشرت له رواية مترجمة عن العربية إلى الإيطالية, وهى رواية "أن تكون عباس العبد" لأحمد العايدي، ومن أبرز ترجماته إلى العربية أيضا دراسة عن الحركة الماركسية المصرية للكاتب الإيطالي "جينارو جيروفاسيو" وهي من إصدارات المركز القومى للترجمة .